بعد الارتفاع الخطير لعدد الحرائق التي استهدفت الفضاء الغابي بالعديد من ولايات الوطن، أصبح ضروريا تحضير مشروع قانون يجرم ويردع حرق الغابات ومحاولات تخريب الاقتصاد الوطني، تصل عقوبتها إلى 30 سنة سجنا، مستثناة من إجراءات العفو والمؤبد في حال تسبب الحريق في إزهاق أرواح، مثلما تأكد في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، يأتي كإجراء ردعي لكل من تخول له نفسه المساس بالإرث البيئي وما يدره من مكاسب إيكولوجية واقتصادية والتجرؤ على تعريض حياة الآخرين للخطر. شغلت التداعيات الاقتصادية والبيئية الناجمة عن حرائق الغابات اهتمام السلطات العمومية التي باتت تحبس أنفاسها مع بداية كل صائفة ترقبا للأخبار السيئة المعلنة عن اندلاع الحرائق هنا وهناك. حيث أصبح العمل على التنبؤ بها والسيطرة عليها في حالة حدوثها على رأس أولويات الدولة، خاصة بعد سلسلة الحرائق التي شهدتها عدة ولايات، حيث خلفت خسائر معتبرة على الغطاء الحيواني والنباتي، مؤثرة بذلك على النظام الايكولوجي وكذا على صحة الإنسان، فمصير الإنسان مرتبط بمصير النظم البيئية، ما يحتم على كل مواطن التحلي باليقظة وثقافة التبليغ عن كل الأطراف التي تسول لها نفسها إشعال الحرائق والتواجد المريب في الغابات في الأوقات غير المسموح بها. قانون الغابات 12 / 84 يحتاج إلى تحيين الأرقام المخيفة التي تأكد أنها تخفي وراءها نوايا إجرامية تهدف إلى ضرب الاقتصاد الوطني، استدعت تكليف الحكومة من خلال وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، بتحظير مشروع قانون يجرم أعمال حرق الغابات، بعد أن تجاوز الزمن قانون الغابات 12/ 84 - حسب تصريح للسيدة عاشور خضرة، إطار بالمديرية العامة للغابات- حيث ثمنت قرار إعداد مشروع قانون يردع المتسببين في حرائق الغابات ومحاولة المساس بالاقتصاد الوطني، تصل أحكامه إلى غاية 30 سنة سجن وعدم استفادة المجرمين من إجراءات العفو، وكذلك المؤبد في حالة ما إذا خلفت هذه الحرائق وفيات. من جهتها المديرية العامة للغابات، كانت قد قدمت العديد من مشاريع قوانين، خاصة ما تعلق بتحيين قانون الغايات 12/84 الموجود حاليا على مستوى الوزارة الوصية. حيث تجد هذه الأخيرة نفسها بحاجة إلى إطار قانوني قوي للعمل وبصفة ميدانية، فعالة إزاء حالة الإجرام هذه، المتعلقة بإضرام النيران بالفضاء الغابي، هذه الظاهرة التي يستوجب التعامل معها الاستناد إلى قانون الإجراءات الجزائية الذي يحمي الغابة. كما تأمل عاشور خضرة من مصالح القضاء، تسهيل مهمة أعوان الغابات أو كما يسمون « رجل الغابة» من اجل مزاولة مهامهم فيما يخص المحاضر الابتدائية التي تقدم إلى وكلاء الجمهورية على المستوى الوطني. في نفس السياق صرح المندوب الوطني للمخاطر الكبرى بوزارة الداخلية والجماعات المحلي، الدكتور عبد الحميد عفرة، ليومية «الشعب» في اتصال هاتفي، أن بلادنا تسجل كل صائفة حصيلة ثقيلة فيما يخص حرائق الغابات، ما يكبدنا خسائر مادية فادحة وأحيانا بشرية، فضلا عن التداعيات البيئية. حيث سجلت المديرية العامة للغابات في احدث إحصائياتها - إلى غاية 28 جويلية 2021 -11.287 هكتار من الأراضي الغابية التي التهمتها النيران وتسجيل 551 بؤرة حريق بمعدل 9 حرائق/ يوميا موزعة حسب الترتيب التنازلي للمساحة الغابية المحروقة حيث تاتي ولاية خنشلة في المرتبة الاولى ب690.55 هكتار و27 بؤرة حريق، تليها ولاية تيزي وزو ب505.63 هكتار و63 بؤرة حريق، بعدها ولاية تبسة ب274.72 هكتار و25 بؤرة حريق، ثم ولاية تيبازة ب190.36 هكتار و51 بؤرة حريق. مواسم وأوقات لحرائق الغابات يقول الدكتور عبد الحميد عفرة أن حرائق الغابات لها مواسم وأوقات معهودة وهي عادة من 01 جوان إلى 30 أكتوبر، إلا أننا لاحظنا منذ السنة الفارطة اندلاع حرائق خارج هذه الفترة، مثل تلك التي عرفتها ولاية تيبازة تحديدا بمنطقة قوراية، حيث التهمت النيرات اكثر من 190 هكتار من المساحات الغابية، ما يؤكد فرضية الفعل الإجرامي المتعمد بقوة. عند تحليل الإحصائيات التي سجلت في حرائق الغابات، نلاحظ أن 40 بالمئة من الحرائق تندلع في عطلة آخر الأسبوع إضافة إلى المواسم والأعياد الوطنية والدينية وبعد الثانية زوالا، كتلك التي اندلعت في خنشلة في الخامس من شهر جويلية الفارط، ملتهمة ما يفوق 700 هكتار من الغابات التي كانت شاهدة على كفاح شعب وتاريخ ثورة وهذا دليل قاطع على أن هذه الجريمة دبرت بفعل فاعل وبعد تفكير وتدبير مسبق. ومن هذا المنطلق - يضيف المندوب الوطني للمخاطر الكبرى- أمر الرئيس، بالتحضير لمشروع قانون رادع للمتسببين في حرائق الغابات، حيث سيكون هذا الإطار القانوني آلية فعالة تساهم في الحد من الاعتداءات التي يتعرض لها الغطاء النباتي. خاصة وأن الطبيعة الجغرافية لبلادنا تؤكد عمدية هذه الأعمال الإجرامية ذات المنشأ الإنساني وبالتالي فحرائق الغابات بالجزائر ذات منشأ إنساني بفعل فاعل، إما عمدي أو غير عمدي ومن المستحيل أن تكون ذات منشأ طبيعي حيث لا يمكن أن يكون ذلك إلا في حالتين اثنتين: وجود براكين آو صاعقة وهما الحالتين المنعدمتين في الجزائربحكم طبيعتها وبناها الجغرافي، ما يدفعنا إلى الجزم أن كل الحرائق التي اندلعت في مختلف ولايات الوطن وتوسعت رقعتها على وتيرة تكاثر الفطريات، هي من يد الإنسان. أما بخصوص عمديتها من عدمه، يوضح عفرة، أن الدول الأوروبية، تتمكن دوما من الفصل في 90 بالمئة من منشأ الحرائق وتحديد أسبابها عكس النسبة المحققة بالجزائر ليبقى 10 بالمئة فقط من هذه الحرائق مجهول المنشا. بالنسبة للجزائر فأطراف هذه المعادلة معكوسة. الردع لا التساهل وفيما يخص الإجراءات المتخذة، يؤكد الدكتور عفرة على ضرورة ردع كل من تسول له نفسه الإقدام على هذا الفعل الإجرامي وعدم الاكتفاء بإحصاء عدد الهكتارات التي تلتهمها النيران سنويا، بل لا بد من الردع، مسبوقا قبل وقوع الجريمة أو التفكير فيها إلى اللجوء إلى سياسة توعوية وتحسيسية تفاديا لمثل هذه الأفعال المقترفة في حق الغطاء النباتي الذي سيتسبب في إحداث خلل في التوازن البيئي والايكولوجي. إلى جانب حظر استعمال الأراضي المحروقة، حيث غالبا ما يتم إتلاف الأراضي الغابية عن طريق الحرق من اجل التوسع الزراعي أو البناء. أما عن الجهات المختصة في التحقيق في جرائم الاعتداء على الفضاءات الغابية، فلا ينفي الدكتور، وجود فراغ قانوني فيما يخص تكييف الفعل المقدم على حرق الغابات، حيث أن هذا الأخير لم يكن مصنفا كجريمة ولم تكن العقوبة التي تقابله واضحة وصريحة، لذا يجب إعانة القضاة من اجل تصنيف حرائق الغابات من خلال استحداث نصوص واضحة، إذ يؤكد الدكتور أن من يقومون بهذه الجرائم يتمتعون بالذكاء والتخطيط المسبق إلى جانب معاناة البعض منهم. la Pyromanie يدعى من مرض بسيكولوجي يدفع إلى الرغبة في حرق الأشياء. لذا لابد من نصوص قانونية صريحة تصنف كل حالة على حدة وتنظر في أدق تفاصيل فعل الاقدام على حرق الغابات. طائرات من دون طيار جزائرية ومن اجل محاربة الجريمة المقترفة في حق الغابات وفي انتظار قانون يكيف هذا الفعل ويحدد عقوبتيه، يدعو عفرة، إلى ضرورة الوقاية والعمل التحسيسي قبل وقوع الفعل، حيث تعمل وزارة الداخلية والجماعات المحلية من خلال المندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى بالتنسيق مع المديرية العامة للغابات والمديرية العامة للحماية المدنية بالتعاون مع مركز البحث في التكنولوجيات الصناعية التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي على مشروع تطوير طائرات بدون طيار، ذات قدرة علية على رصد أدق تفاصيل الرقعة الجغرافية التي تعمل على مراقبتها، من صنع باحثين جزائريين، وقد بلغ المشروع مرحلة متطورة من الأشغال، حيث سيكون جاهزا للاستعمال في الثلاثي الأول من سنة 2022 كما تجري مشاورات مع مؤسسات جزائرية من القطاعين العام والخاص، لإنتاج كمية كافية من الطائرات بدون طيار، لتزويد كل الفضاءات الغابية ووضعها تحت رقابة تكنولوجية عالية، تكون أدنى التحركات المشبوهة مرصودة ومسجلة. برنامج للبحث في المخاطر الكبرى وفي ظل تسجيل معدلات قياسية في ارتفاع درجة الحرارة، تزداد قابلية الغابات للالتهاب ما يستوجب إنتاج برامج كثيفة للوقاية والاستشراف ضد حوادث الغابات، حيث ان الحوادث التي حدثت كشفت عن هشاشة وضعف نظم الإنذار المبكر عن حرائق الغابات. وفي هذا الإطار يوضح المندوب الوطني للمخاطر الكبرى أن هذه الأخيرة، تسير من جهة الخطر وليس من جهة الكارثة، وهنا تقوم المقاربة العالمية على تسيير خطر الكارثة وليس الكارثة في حد ذاتها، لان الكارثة تقع في وقت محدد ولكن الخطر يكون قائما من قبل حيث نرتكز على عاملين اثنين هما عامل الخطر وعامل التعرض للخطر كما نعتمد في مهمة تسييرنا للمخاطر على أربع مراحل وهي مهمة الوقاية، ننفذ خلالها مخطط الوقاية من الخطر، الذي لم يبلغ للأسف مرحلة النضج في بلادنا حيث نكتفي بإخماد الحريق والعودة إلى الثكنات. ما يستوجب منا إصدار مخططات للوقاية من كل خطر على حدة (الفيضانات، الزلازل، الحرائق، الجفاف..) في إطار القانون 024، حيث جاء من بين التوصيات 130 للندوة الوطنية التي نظمتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية في 27 و28 مارس لهذه السنة، برئاسة وزير الداخلية، تحيين مخططات تسير الكوارث والمخاطر الكبرى، مع إطلاق برنامج وطني للبحث عن المخاطر الكبرى. للإشارة فان توصيات الندوة الوطنية للمخاطر الكبرى قد كانت محل اجتماع الحكومة، حيث طلب من وزارة الداخلية، تنصيب فوج عمل متعدد القطاعات، يتكون من مختلف الإطارات والباحثين والخبراء المختصين في المخاطر الكبرى، قد باشر في تحضير مخططات تسيير المخاطر الكبرى حيث بدا بالأخطار الستة (06) الأكثر حدوثا في الجزائر، على رأسها: الفيضانات، الزلازل، حرائق الغابات، التصحر، الأوبئة، الأخطار الطاقوية والصناعية. بعد مرحلة الوقاية لسابقة الذكر، تأتي مرحلة التنبؤ والإنذار المبكر، وهي مرحلة لابد من معالجتها في إطار تسيير المخاطر، تليها مرحلة التدخل وأخيرا مرحلة الرجوع في شكل أفضل من المرحلة القبلية، وفي حالة حرائق الغابات يكون التشجير هو الطريقة الأنجع لإعادة التوازن البيئي وإنتاج مساحات خضراء عوض تلك التي أتلفت. التشجير لتجنب إفلاس بيئي من مراحل تسيير المخاطر الكبرى التي ورد ذكرها سالفا، المرحلة الأخيرة المتمثلة في الرجوع في شكل أفضل من المرحلة القبلية. وبرى الدكتور عفرة في هذا المجال أن معالجة أثار الزلازل مثلا، تكون بإعادة الاعمار، وإعادة تأهيل الغابات التي تعبر رأسمال وطني ذا طابع بيئي واقتصادي لا يكون إلا بالتشجير وعدم الكلل من هذه العملية التي يباركها ديننا الحنيف. حرائق أفقدتنا نباتات نادرة، عطرية وأخرى طبية، حسب أراء المختصين، ما اثر على جمالية المناطق الغابية وقلل من قيمتها البيئية. ويحظى تجديد الغطاء الغابي من خلال التشجير،باهتمام الحكومة من خلال تسطير إستراتيجية يرسم معالمها خبراء وتقنيون للحفاظ على نفس الخصائص البيئية إلى جانب الاعتماد على غرس أشجار تقاوم الحرائق حيث تعرف الجزائر بمناخها الجاف وكذلك درجة الحرارة المرتفعة ورياح من نوع «السيروكو»، ما يجعل من غاباتها وجبة تستطعمها السنة النيران. بهذا التصرف الحضاري الشجاع والمسؤول، نضمن استمرارية استفادة الأجيال القادمة من هذه الثروة الوطنية عملا بالمقولة المأثورة عن احد الحكماء « غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون».