تصنّف مشتلة المؤسّسات لولاية خنشلة، من بين أهم آليات التنمية الاقتصادية المحلية التي سخرتها الدولة لمرافقة ودعم حاملي المشاريع والأفكار ومنشئي المؤسّسات وحاملي الشهادات الجامعية وخريجي قطاع التكوين المهني، فهي تقوم بجميع مراحل المرافقة والتوجيه وإنضاج الأفكار وتجسيدها ميدانيا على يد مستشارين متكوّنين وأصحاب خبرة في مجالات الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع. تعمل المشتلة بشعار "رفيقكم من الفكرة الإبداعية إلى الريادة المقاولتية"، على غراسة روح المقاولتية لدى كلّ الفئات وتشجيع خلق المؤسّسات عن طريق تذليل العقبات وتقديم التوجيه والنصح والإرشاد والتسهيل والمرافقة لحامل أيّ فكرة أو مشروع، مع العمل على استمرارية المؤسّسات ونجاحها. أوضح في هذا الإطار كمال بلعيور مدير المشتلة في حديثه ل«الشعب"، أنّ هذه الأخيرة تعتبر مؤسّسة عمومية ذات طابع خاص تابعة لوكالة تطوير المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة وترقية الابتكار التابعة لوزارة الصناعة والمناجم، توفر الدعم لحاملي المشاريع من خلال تسخير استشاريين متخصّصين في مختلف المجالات وتوفير إقامة إدارية بمكاتب مجهّزة لهؤلاء بكلّ مستلزمات التسيير هاتف فاكس انترنت قاعة اجتماعات وغيرها ودعمهم بدورات تكوينية متنوّعة على يد خبراء ومتخصّصين. أبواب المشتلة الواقعة بالقطب العمراني الجديد بعاصمة الولاية، مفتوحة لكلّ الفئات وكلّ المستويات، حيث شرحت لنا السيدة سهام بن بوتة رئيسة مصلحة المرافقة والتنشيط بالمشتلة جميع مراحل تحويل الفكرة إلى مشروع ناجح، حيث تكون المرحلة الأولى باستقبال حامل الفكرة والاستماع الجيد له لطرح فكرته مع معرفة مؤهّلاته وتكوينه ومدى خبرته في المجال المطروح وتجميع كلّ المعطيات اقتصاديا وقانونيا واجتماعيا حول فكرته. لجنة من عدّة قطاعات لإنضاج الفكرة أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التعمّق في الفكرة، حيث يتم طرحها على لجنة يترأسها مدير المشتلة وتتشكّل من عدّة قطاعات ذات العلاقة بهذا المجال كقطاع التجارة، الصناعة والضرائب وغيرها، تقوم بدراسة تقنية مالية ودراسة السوق يتم على أساسها قبول الفكرة كمشروع يحمل معطيات النجاح اقتصاديا أو رفضها. هذا مع العلم أنّ الكثير من أصحاب الأفكار عادة ما يقدمون على تغيير أفكارهم أو تعديلها بعد سماع أراء المستشارين ومعرفة القوانين المؤطرة للمشاريع وإنشاء المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة والاطلاع على الامتيازات التي توفرها الدولة لمنشئي المؤسّسات والتسهيلات الممنوحة في هذا المجال والهادفة في مجملها إلى دفع عجلة الاقتصاد بخلق الثروة وتوليد مناصب الشغل. وبعد قبول الفكرة من طرف اللجنة المذكورة يتم إبرام عقد الاحتضان بين صاحب الفكرة والمشتلة مقابل مبلغ 6000 دينار جزائري كمبلغ رمزي لتكون له صفة المحتضن، بحيث يتم منحه مكتب إداري مجهّز بكلّ الوسائل داخل المشتلة ويستفيد بجميع مراحل إنشاء مؤسسة إلى غاية تجسيد مشروعه ميدانيا، وذلك لمدة زمنية غير محدّدة تختلف من مجال إلى آخر ومن مؤسّسة إلى أخرى فبناء وحدة إنتاجية يختلف عن إنشاء مؤسّسة خدمات. من بين أهم الامتيازات التي توفرها المشتلة للمحتضن خلال مراحل المرافقة التي تختلف من مؤسسة إلى أخرى حسب محدثتنا، إنجاز نماذج براءات الاختراع الخاصة بالمحتضنين أصحاب الابتكارات أو نماذج طلب الحصول على العلامات التجارية بالنسبة لمشاريع المؤسّسات التي تتطلب علامات تجارية، إذ يتم إنجاز النماذج والطلبات بالمشتلة ثم ترسلها إلى المعهد الوطني الجزائري للملكية الفكرية "INAPI" لدراستها واعتمادها. من بين المؤسّسات التي مرت عبر المشتلة واستفادت من هذا الامتياز في شقّ إنشاء واعتماد نماذج العلامات التجارية، مؤسّسة "خنشلة الآن" الإعلامية، "jardin de beauté"، الخاصة بمواد التجميل، عسل ششار وغيرها، وفي شقّ إعداد وتسجيل براءات الاختراع تم تسجيل براءة اختراع أحد ذوي الاحتياجات الخاصة عاهد عودة مخترع جهاز وتطبيق الكتروني تعليمي موجّه للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، براءة اختراع جهاز تحكم لذوي الشلل الرباعي يفتح الباب ويشغل المصباح. يستفيد المحتضن بالمشتلة من دورات تكوينية في كيفية إنشاء مؤسّسة وكيفية إنشاء نموذج مخطط الأعمال "business model canvas " ويتلقى في هذا الصدد تكوين في المالية والمحاسبة والتسويق ويعرف الأطر القانونية التي تسير في فلكها المؤسّسة وكيفية إدارتها في جميع مراحل التأسيس بما يضمن فاعلية في التنفيذ والنجاح والتسيير على المدى لطويل، على أن تتوّج المراحل باستخراج السجل التجاري لشخص طبيعي أو شخص معنوي حسب نوع النشاط مع إمكانية اعتماد عقد الاحتضان داخل المشتلة بمثابة مقر إداري للمؤسسة في مرحلتها الأولى من النشاط. وحسب السيدة بن بوتة رئيسة مصلحة المرافقة والتنشيط، فلمشتلة المؤسّسات عدّة اتفاقيات مع مختلف مؤسّسات الدعم المالي والجامعة والتكوين المهني والمدرسة العليا للغابات، تنص على التنسيق الدائم والتوجيه المستمر لحاملي الأفكار والمشاريع من أجل ضمان توجيه سديد وتذليل كلّ العقبات أمام هؤلاء لتمكينهم من بناء مشاريع اقتصادية ذات نجاعة وديمومة تنعكس إيجابا على الاقتصاد المحلي وتمكن من خلق مناصب شغل جديدة وفقا للمعطيات الاقتصادية والإمكانات الموجودة بنظرة مستقبلية مستشرفة مسبقا. اتفاقيات لتذليل العقبات وأشارت محدّثتنا إلى الاتفاقيات المبرمة مع أجهزة الدعم المالي المتمثلة في الوكالة الوطنية للتنمية المقاولاتية "ANADE"، الوكالة الوطنية للقرض المصغر"ANGEM"، الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار "ANDI"، بحيث يتم توجيه حاملي المشاريع واقتراح عليهم نوع الدعم المالي الذي يتوافق مع نوعية مشاريعهم وتعريفهم بامتيازات كلّ دعم وحجم المبالغ المالية التي يقدّمها كلّ جهاز مع ضمان التوجيه السديد والمرافقة مع هذه الآليات إلى آخر مرحلة إنشائية. هذا إلى جانب الاتفاقية المبرمة مع الوكالة الوطنية للتشغيل "ANEM" عن طريق فروعها المحلية بولاية خنشلة، حيث تمكن هذه الاتفاقية من معرفة احتياجات السوق من اليد العاملة ونوعية اليد العاملة الطالبة للشغل بغرض اقتراحها على حاملي المشاريع الذين تتطلب مشاريعهم يدا عاملة قد تكون متخصّصة حسب نوع نشاطها وبالتالي تسهيل وربط العلاقة مباشرة مع طالب العمل ورب العمل في هذا الإطار بشكل سريع. وأكّدت ذات المسؤولة في إطار عمل المشتلة، أنّ إدارة هذه الأخيرة تعمل من أجل ضمان نجاح الأفكار والمشاريع الجادة والنوعية وديمومتها كمشاريع مضمونة المداخيل وحتى التوسيع مستقبلا، فقد مرت عبر المشتلة عديد المشاريع التي حقّقت نجاحا محليا ومنها ما تألّق وطنيا. وشكّلت مصانع ومؤسّسات ناجحة ذات صيت وطني، منها على سبيل المثال مؤسسات لخدمات التنظيف محليا، إنتاج لوحات الطاقة الشمسية وهي صناعة واعدة ومضمونة النجاح والتسويق، وحدة إنتاج البسكويت "ميراك" المعروفة وطنيا والتي صدرت منتوجها اتجاه تونس وليبا مؤخرا، صناعة مواد التجميل "بيو" أي طبيعية، مصنع ميما "MIMA" لصناعة الشوكلاطة والتي أضحت علامة معروفة وطنيا وحولت نشاطها إلى وادي السمار وغيرها من المشاريع. وفي شقّ الاتصال الخارجي الرامي إلى التعريف بوجود هذه المؤسّسة العمومية ذات الطابع الخاص ومهامها، يعمل مركز الدعم والاستشارة حسب ما أكّده المكلف بالإدارة مشري إنجاح، على تنفيذ برنامج عمل اتصالي سنوي يؤدّيه إطارات المشتلة لفائدة مختلف الفئات الاجتماعية التي يمكن أن تستفيد من خدمات المشتلة ودعمها وتشجيعها على إنشاء مؤسّسات صغيرة أو متوسطة وترجمة أفكارها إلى مشاريع حقيقية تساهم في الحدّ من البطالة وإنعاش الاقتصاد المحلي. من بين الفئات المستهدفة في هذا الإطار، متربصي التكوين المهني والمعاهد ونزلاء المؤسّسات العقابية، حيث يتم إقامة دورات تكوينية باستمرار لهؤلاء لعدة مفاهيم اقتصادية وقانونية تتلاءم مع شهاداتهم لحثهم على إنشاء مؤسّسات خلاّقة للثروة، فبمجرد تخرّج متربّص التكوين المهني أو إكمال نزيل المؤسّسة العقابية عقوبته، يجد نفسه محاطا بمعارف اقتصادية تضاف إلى الشهادة المحصّل عليها تكون أساسا لبداية تجسيد أفكاره الاقتصادية وتحقيق مشروع يمكّنه من كسب لقمة العيش وخلق مناصب شغل للبطالين في ظرف زمني وجيز معزّز بمرافقة وتوجيه مستمر من مشتلة المؤسّسات. ويتضمّن مخطط الاتصال الخارجي للمشتلة العمل للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الشباب وحاملي المشاريع من خلال تنظيم حملات تحسيسية دورية بمختلف الأماكن للتعريف بالمشتلة وإبراز الامتيازات التي تمنحها الدولة لحاملي المشاريع، خاصة فئة الشباب وأصحاب الشهادات والرامية إلى خلق مؤسّسات اقتصادية صغيرة أو متوسطة، فشباك المشتلة حاضر بصفة دائمة في التظاهرات والمعارض الاقتصادية والصناعية المنظمة بولاية خنشلة، خلال مختلف المناسبات رفقة إطاراتها الذين يقدمون محاضرات ومداخلات لتجسيد الهدف المنشود بالتنسيق المستمر مع الهيئات والمؤسّسات الأخرى ذات العلاقة بهذا المجال.