تصنف الجزائر ضمن الدول التي تحقق تنمية بشرية متوسطة على الصعيد العربي، في وقت تشكل فيه التنمية البشرية العنصر الجوهري لتفعيل وترشيد التنمية الاقتصادية التي لن تسفر أثارها بشكل محسوس على جميع الأفراد في معزل عن إرساء العدالة الاجتماعية، ويعول على البرامج الضخمة الحالية خاصة تلك الموجهة لتشغيل الشباب في بلورة تجربة نموذجية لمكافحة البطالة، وإن كان التحدي الأكبر يكمن في الطريقة التي يتم بها تسريع وتيرة التنمية عن طريق تثمين الموارد البشرية واستغلالها بشكل عقلاني وصحيح. يحدد آخر تقرير للمدير العام لمكتب العمل الدولي حول »التنمية المتوازنة.. وتطلعات الشباب لتأمين فرص العمل اللائق« نسب مستوى التنمية البشرية والتوزيع النسبي للشعوب العربية ويضع الجزائر في خانة الدول التي لديها مستوى تنمية بشرية متوسطة بعد الأردن، بينما تحتل الامارات العربية صدارة الدول التي تسجل تنمية بشرية مرتفعة جدا في حين تتصدر السعودية مجموعة الدول التي تسجل بها تنمية مرتفعة. والجزائر التي يناهز بها عدد السكان 36 مليون نسمة يتوقع، حسب نفس التقرير، أن يقفز هذا الرقم المسجل في سنة 2011 إلى سقف 43 مليون نسمة في عام 2030، من بينهم 32 بالمائة يتمركزون بالريف و67 بالمائة بالمناطق الحضرية » المدينة« مما يرشحها بأن تتصدر البلدان التي لديها ثروة بشرية معتبرة ومطالبة بتأهيلها وتكوينها لمواجهة الرهانات التنموية. ويتوقع التقرير في مجال تطور معدل النمو السنوي للسكان في الفترة الممتدة ما بين 2010 و2015 تسجيل زيادة بنحو 1.4 بالمائة بالنسبة للجزائر. وأقرت ذات الاحصائيات أن نسبة الذكور في الجزائر تجاوزت بقليل نسبة 50 بالمائة لتستقر في حدود ال51 بالمائة في حين تشير نفس الأرقام إلى وجود توازن نوعي بين عدد النساء والرجال حيث يتساوى عدد الإناث بالذكور في معظم الدول العربية على غرار الأردن وتونس والسودان واليمن وسوريا وليبيا ومصر، ويستخلص من ذلك أن المرأة تشكل نصف المجتمع ويتطلب الأمر العناية بها عن طريق إعدادها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وذهنيا لتحمل أعباء الحياة حتى يتساوى جميع المواطنين في الفرص والظروف الاقتصادية والاجتماعية تحقيقا للعدالة الاجتماعية. ويعطي التقرير الكثير من الأهمية من أجل العناية بالشباب غير أنه لم يتطرق للتجربة الجزائرية في مجال التشغيل على وجه الخصوص من خلال الآليات العديدة على غرار الأنساج والأنجام وكذا الكناك والتحدث عن إيجابياتها وحتى عن سلبياتها إذا كانت فيها نقائص. غير أن الدراسة لا تغفل عن تقديم أهم الركائز التي من شأنها أن تحارب البطالة وتشجع التنمية الاقتصادية واضعة التنمية البشرية عاملا جوهريا يكتسي الأولوية بهدف تحقيق التمكين والمشاركة، وتوسيع الخيارات أمام الشباب كونهم صانعي التنمية ومن شأنهم ضمان ديمومتها. ويفترض في التنمية المنشودة في الدول العربية والجزائر على وجه الخصوص أن تكون تنمية مستدامة تحافظ على البيئة وتحمي الموارد الطبيعية وفرص الحياة لجميع الأجيال، وفوق هذا وذاك ينبغي أن تهتم بتمكين جميع الفئات، دون أي إقصاء أو تهميش لأي فرد أو فئة مع دعم جميع القدرات البشرية، وكذا وتوظيفها بطريقة مثلى اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا. ويبدو أن التنمية البشرية الدائمة التي لا تنقطع لن تتحقق إلا بمنح الفرصة الانمائية لجميع الطاقات عن طريق توفير فرص العمل والحد من الفقر والتكامل الاجتماعي وهذا ما سيسرع بدوره بالتنمية الاقتصادية، وينعكس بالتالي على رفاهية المستوى المعيشي للأشخاص. وتعنى الدراسة بالكثير من الاستفاضة بكيفية العناية بترقية وتيرة التنمية البشرية حتى يتلازم النمو الاقتصادي بالعدالة الاجتماعية بهدف استحداث مناصب الشغل. ولا مفر بعد تسطير السياسات ضرورة السير نحو تطبيقها في الميدان وينتظر الجزائر أشواطا أخرى وتحديات بالغة الأهمية، خاصة على صعيد ترقية مناهج التكوين وتطوير عملية التكفل بالطاقات والعناية بالكفاءات من أجل قطف ثمار برامجها الاستثمارية الكبرى خاصة تلك الموجهة للموارد البشرية.