سفينة مصر في بحر هائج، تتقاذفها الأمواج المتلاطمة ذات اليمين وذات الشمال، وربّانها كثر وكل واحد يصر على طرح مخرج يقود الى بر الأمان، ويصر على أن طرحه هو الأفضل والأمثل، وتتعدد الرؤى وتتناقض، ويدخل الجميع في جدالات عقيمة تمتد الى ملاسنات وصدامات والسفينة تصارع الأمواج وتواجه هيجان البحر حتى لا يبتلعها بمن فيها. لقد اعتقدنا جميعا بأن التغيير الذي حصل على أرض الكنانة، كان الأفضل بين ذاك الذي شهدته دول الربيع المُريع، فالرئيس فقط هو الذي تمت تنحيته أما مؤسسات الدولة الأخرى وعلى رأسها مؤسسة الجيش، فقد بقيت قائمة ومتماسكة. وبدا لنا أن بعض المطبات التي أخذت تعترض مرحلة ما بعد مبارك كانت أمرا طبيعيا وسيتم تجاوزها لاحقا على اعتبار أن للتغيير إرهاصاته وتداعياته وصعوباته. لكن مع مرور الأيام والأشهر بدأت الفوضى تعم البلاد، والعراقيل ترهن عملية تشكيل مؤسسات السلطة، وظهر الرئيس محمد مرسي عاجزا عن فرض سلطته، فالبرلمان ينتخب ويباشر مهامه، ثم يتجلى أن انتخابه لم يكن وفق المعايير الدستورية، فيُحل ويعيده الرئيس لتؤكد العدالة لاحقا لا شرعيته، ويقع مرسي في حرج كبير، وهو على فكرة ليس الحرج الأول والوحيد، إذ أن مرسي أجبر على التراجع عن العديد من القرارات التي أصدرها تحت ضغط الشارع، الأمر الذي جعله يبدو أضعف وأعجز من أن يقود مصر على الأقل في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها. وقد تسبب صعود نجم الإخوان الذين اكتسحوا السلطة واستحوذوا على ثمار ما يسمى »بالثورة«، في إشارة نقمة فئة كبيرة من الشعب التي ترفض كما تقول التحول من ديكتاتورية مبارك الى الأخونة... ووراء هذه الفئة، هناك طبعا فلول النظام الذين مازالوا يتحكمون في مفاصل الاقتصاد على وجه الحدود، وأيضا أطرافا أجنبية تروج للفوضى العربية تحت عنوان الربيع العربي.. مصر اليوم على حافة الاحتراب الأهلي والقول هذا ليس مبالغا فيه، فالشارع انقسم الى تيارين متباينين والشرخ بينهما يتوسع، وكل تيار مصر على موقفه وعلى استعمال كل الوسائل للدفاع عنه واحتمال أن يقع المحظور كبير إلا إذا حصلت المعجزة ونحن نعلم أن عصرالمعجزات قد ولى. ورغم اعتقادي بأن الجيش قد يلعب دور رجل المطافئ ويتدخل كطرف ثالث لردع الإخوة الأعداء والحيلولة دون الانجرار الى ما تعيشه بلاد الشام من حرب دموية، فإن المؤكد أن المأزق الذي تعيشه مصر أصعب من أن نتكهن أو نتخيل حله. فحتى لو طرحنا احتمال استقالة الرئيس محمد مرسي كما تريد المعارضة تفاديا لإراقة الدماء، فهناك أنصاره الذين سيرفضون وسيضعون العقدة في المنشار وقد يصعدون خاصة وأن الكثير من السلفيين والمتشددين لوّحوا التصعيد والعنف في حالة أن فقد الإخوان السلطة التي لم يبلغوها إلا بعد ثمانية عقود من الكرّ والفرّ بينهم وبين الأنظمة التي حكمت مصر. اليوم نضع أيدينا على قلوبنا وندعو الإخوة الفرقاء في مصر لأن يتعقّلوا ويضعوا مصلحة الوطن والحفاظ على وحدته وأمنه فوق كل الصراعات السلطوية لاجتياز هذا الامتحان الصعب بأقل الخسائر. فهل ستصل السفينة المصرية الى بر الأمان أم أن مجاذفها ستتكسّر على صخرة خلافات الإخوة الأعداء ليغرق الجميع دون استثناء؟