لم تتوان الحكومة في السنوات القليلة الماضية في دعم القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال مختلف التدابير التي يتم اتخاذها بصفة مستمرة، خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض المناسبات على غرار الشهر الفضيل، وفيه يتزايد استهلاك العائلات من مختلف السلع الغذائية الأساسية منها وغيرها، ممّا يساهم على نحو كبير في ارتفاع الأسعار بفعل المضاربة و تنامي الممارسات التجارية غير الشرعية، التي كثيرا ما شكّلت تحديا كبيرا لأجهزة الرقابة وسط تزايد المخاوف من انعكاساتها المباشرة على ميزانية العائلات المخصصة لهذا الشهر، خاصة لدى الفئات الأكثر تضررا من لهيب الأسعار. الأرقام الرسمية تشير إلى أنّ تدخل الدولة لحماية القدرة الشرائية يتزايد باستمرار من خلال التخصيصات السنوية في شكل تحويلات اجتماعية بلغت في السنوات الماضية أرقاما قياسية، حيث أنّه وفي سنة 2013 تمّ تجنيد ما لا يقل عن 1400 مليار دج، أي ما يعادل أزيد من 18 مليار دولار لمساعدة الطبقات المتضررة من تداعيات ارتفاع الأسعار. ومن الآثار السلبية لظاهرة التضخم التي ما فتأت تتصاعد منذ العام الماضي رغم التراجع الطفيف خلال الشهرين الماضيين، لكنها تظل في مستويات مرتفعة مهددة الاستقرار الاجتماعي من جهة، ومشكلة تحديا خطيرا لجهود التنمية الاقتصادية من جهة أخرى. وإذا كان التضخم قد بقي في مستوى يعادل بقليل 8 في المائة، إلاّ أنّ وباستبعاد ما ينفق في إطار التحويلات الاجتماعية يكون التضخم أعلى بكثير من الرقم الرسمي المعلن عنه وفق لبعض الدراسات التي أعدها خبراء اقتصاديون محليون، على غرار الدكتور عبد الرحمان مبتول الذي يرى في دراسة أعدّها بمناسبة حلول شهر رمضان ومدى تأثر القدرة الشرائية من ظاهرة ارتفاع الأسعار أنّ التضخم الحقيقي يفوق 10 في المائة، وأنّ مؤشر أسعار الاستهلاك تضاعف خلال العام الماضي، مسجلا رقما يتجاوز 9 في المائة رغم الميل نحو التراجع في سنة 2013 الناجم عن الدعم المتزايد للدولة لتقليص تبعات ارتفاع الأسعار، ومع هذا تظل هذه الأخيرة في مستويات مرتفعة. أمّا الرقم الآخر الذي يعكس مدى الحرص على امتصاص آثار ارتفاع الأسعار، ويتعلق بتخصيص 135 مليار دج لدعم المواد الغذائية والقدرة الشرائية في سنة 2013، حيث شمل هذا الدعم المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع على غرار الحبوب والحليب والخبز. ولعل الزيادة التي عرفتها أجور عمال العديد من القطاعات العمومية كان ينتظر منها أن تساهم في الحد من التراجع المسجل في القدرة الشرائية، إلاّ أن هذه الزيادة رافقتها ظواهر اقتصادية ارتبطت أساسا بالتضخم والمضاربة ما ساهم على نحو كبير في الحد من ارتفاع القدرة الشرائية، فضلا على أنّ التخصيصات المعتبرة لدعم المواد الغذائية لم تنعكس على النحو المتوقع على القدرة الشرائية، طالما أن الأسعار لا تزال مرتفعة بل و تتزايد بصفة طردية مع أي زيادة في الأسعار، حيث أنّ ذات القدرة الشرائية تقاس بارتفاع أسعار السلع الضرورية خاصة في الشهر الفضيل، مثلما تبيّنه أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية الواسعة الاستهلاك في رمضان، مثل الخضر والفواكه التي عرفت خلال العشرية الممتدة من 2001 إلى 2012 زيادة في الأسعار ب 198 في المائة بالنسبة لمادة البطاطا وب 107 في المائة بالنسبة لمادة الطماطم وب 103 في المائة للتمور، بينما ارتفعت أسعار الأسماك ب 320 في المائة واللحوم بأكثر من 129 في المائة والبيض بأكثر من 72 في المائة والدجاج ب 52 في المائة. هذه النسب المرتفعة تؤكد حقيقة واحدة مفادها أنّه إذا كانت الأسعار قد ارتفعت بقوة خلال العشرية الماضية فإنّ الأجور لم تساير هذا الارتفاع بما أن الحد الأدنى للأجر لم يرتفع إلاّ ب 10 آلاف دينار، حيث انتقل من 8000 إلى 18000 دج، كما أنّه إذا كان عمال القطاع العمومي قد استفادوا من زيادات في الأجور ليست بالهيّنة فإن موظفي القطاع الخاص لم يكن لهم نفس الحظ في الزيادة، وأعدادهم ليست بالهينة أيضا.