كثيرة هي مظاهر التخلف والحرمان، التي مازال يعاني منها سكان القرى، والأرياف، والمدن الصغيرة أو ما يصطلح عليه في عالم الإعلام، بالجزائر العميقة التي تنوّعت، حسب خصوصيات كل منطقة. وأمام الضغط المتزايد للطلبات الاجتماعية المتعددة، والتي قابلها ومازال يقابلها في كثير من الحالات، ضعف واضح في أداء الإدارة والمجالس الشعبية المحلية، إهتدى بل اضطر السكان للتعبير عن احتجاجاتهم بكافة الوسائل، خاصة بعد أن فشلت المساعي مع الجهات المذكورة بشكل مباشر، وهذا من خلال الرسائل المفتوحة عبر الصحافة الوطنية، إلى الاعتصامات أمام المقرات الإدارية المعنية، وحتى قطع الطرق في وجه حركة المرور، مما يؤدي حتما إلى التدخل العاجل لمصالح الأمن، والسلطات المحلية لحل الأشكال، أو على الأقل تقديم وعود للنظر فيه وحله، وفي كثير من الأحيان يتضح أن السلطات تجهل تماما المشكلة المطروحة. وفي المقابل، لعبت ومازالت تلعب وسائل الإعلام، والتي عرفت انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة، من خلال الإذاعات المحلية المتواجدة تقريبا في كل الولايات، من أجل إعلام جواري فعال، وكذا لانتشار المراسلين الصحفيين لعشرات اليوميات الوطنية، دورا بارزا ومحوريا ورائدا في كشف المعاناة وإيصال الأصوات والانشغالات بطريقة حضارية لمن يهمه الأمر، فكان الإعلام بمثابة همزة وصل حقيقية بل وضرورية، وأعطى للموقف سمة أخرى أكثر حضارة، وهي التعامل بثقة مع وسائل الإعلام، لإبلاغ معاناة السكان وانشغالاتهم للجهات المعنية. وكنتيجة تغيّرت، شيئا فشيئا، نظرة السلطات لوسائل الإعلام، وأصبحت تعتبرها أكثر من همزة وصل بين المواطن والإدارة، إلى مكانة أكبر بما يشبه الشراكة، وعمدت بالتالي إلى أساليب جديدة في التعامل مع وسائل الإعلام، من خلال عدة محاور منها: المتابعة المستمرة بواسطة خلايا الإعلام، لكل ما يبث أو ينشر عن واقع التنمية المحلية، والإختلالات المسجلة وتكليف بالنتيجة الجهات المعنية بالمشكلة المثارة بمتابعة الوضعية إلى غاية حلها، ودعوة رجال الإعلام في كثير من الأحيان، للتنقل رفقة السلطات المحلية في زياراتها الميدانية، للحضور والمتابعة والتغطية الإعلامية الموضوعية، عن قرب لواقع التنمية والوقوف على المشاكل مباشرة. مشاكل تجد طريقها إلى الحل ومن جهة أخرى، أصبح المواطنون يثقون أكثر فأكثر في الصحافة، وأضحوا بذلك يمدونها بالمعلومات وطرح الانشغالات عليها، لما شعروا به من أهمية في إبرازها للرأي العام. وقد ترتب عن كل ذلك، أن متتبع نشرات أخبار وبرامج الإذاعات المحلية، وقارئ الصحافة الوطنية المكتوبة، أصبح يلاحظ الحيز الكبير الذي تخصصه هذه الوسائل لانشغالات المواطنين في مختلف المناطق، وخاصة المحرومة منها، حتى أن بعض الصحف الوطنية تخصص صفحات كاملة لكل الولاية، من حين لآخر، تتناول فيها خاصة إنشغالات السكان في المدن والقرى والمداشر، للفت انتباه السلطات المحلية لها، وتخصص الإذاعات الجهوية برامجا تتناول بالتفصيل واقع التنمية المحلية بالمناطق التي تخضع لتغطيتها. وقد أثبتت التجربة صحة التوجه على اعتبار أن العديد من الانشغالات المعروضة عن طريق وسائل الإعلام، وجدت طريقها إلى الحل على أرض الواقع، بفضل تدخل السلطات المحلية وفي بعض الأحيان المركزية، وكما هو معلوم تتمتع أغلب الجماعات المحلية، خاصة الولايات، والعديد من المؤسسات المختلفة النشاط، على خلايا للإعلام والاتصال، تهتم بالإتصال بالمواطنين والصحافة، ومتابعة كل ما يصدر عن هذه الأخيرة، ويكون له علاقة بهذه المؤسسات أو بمجال تدخلها، للنظر في محتواه والتصرف اللازم حيال ما يصدر عنها، وجنبت هذه الطريقة وسرعة التدخل، العديد من المناطق لجوء السكان إلى العنف والتعبير بالاحتجاج، في الوقت الذي نحتاج فيه جميعا للهدوء والعمل في أمان. ولهذا وحيث لا يختلف اثنان حول أهمية الإعلام الجواري في دعم التنمية المحلية، يتعين على الجميع ترقية هذا الأسلوب الحضاري والمثمر، ولا يتأتى هذا إلا بالمزيد من التقرب من الصحافة سواء المواطنين والمسؤولين، وان يشعروا بصدق وبثقة في دورها للقيام بعمل موضوعي لأحد الحقوق الأساسية للمواطن، وتسهيل المهمة لرجال مهنة المتاعب، الذين يبقى شغلهم الشاغل تقديم خدمة عامة، بموضوعية، بعيدا عن التهويل أو تصفية الحسابات.