تبحث السلطات العمومية عن أحسن الصيع المرنة لإعادة تنظيم التجارة الخارجية بعيدا عن المقاربات الايديولوجية، سواء المتعلقة بما يعرف بالحمائية أو إطلاق العنان لاقتصاد" البازار" المتولّد عن الانفتاح المفرط على الاستيراد فقط دون مراعاة حد أدنى من الضوابط الصارمة التي يتعامل بها الجميع في مثل هذه الحالات. ومن حق الجهات المسؤولة أن تفتح هذا الملف الشائك انطلاقا من مخلّفاته على أداء الفعل التجاري في الجزائر، وهذا بملاحظة تسجيل فوارق لا يقبل بها في فاتورة الاستيراد بلغت درجة خطيرة من استنزاف للعملة الصعبة التي مصدرها مداخيل المحروقات فقط. وفي هذا الشأن، فإنّ التفطن لمثل هذه التهديدات على " ديمومة المنظومة المالية" في الجزائر جاء في سياقه، ونقصد هنا كل ما هو عملة خارجية وهو تطابق مع توصيات محافظ بنك الجزائر السيد محمد لكصاصي، الذي ما فتئ يدعم إلى عقلنة استعمال القروض وترشيد تسييرها حتى لا يلتحق الضرر بكل هذا المجهود الوطني الرامي إلى تحصين الموارد القادمة من التبرول، وصلابة الوضعية المالية للجزائر في الوقت الراهن في استحداث التوازنات الكبرى تستدعي تغيير في الاجراءات المتبعة في التعالم مع التجارة الخارجية، رغم أنّ هناك من يعتقد بأنّنا بصدد العودة إلى أساليب أكل عليها الدهر وشرب، كالتفكير في وضع حواجز إدارية أخرى تكبح أي تقدم في هذا المسار. الأمر ليس كما يتصوّره البعض، لسنا أمام مراجعة توجّه معين وإنّما الأمر يتعلق بإعادة تنظيم قطاع تبين مع مرور الوقت أنّه لم يلق الاجماع في نشاطه سواء بالنسبة للسلطات العمومية أو البنوك أو المتعاملين الخواص أو وكلاء العبور كذلك، الذين لهم رأي في هذا الشأن كونهم كشفوا بأنّ القرض المستندي أي ال "كريدوك" استفاد منه الأجانب بشكل كبير عن طريق الضمانات المالية التي ترسل لهم مقابل إرسالهم للبضائع، وتدخل وسطاء آخرين كالمكاتب الأجنبية الموجودة بالجزائر التي كانت صاحبة الأولوية في أخذ أموال المستوردين، ناهيك عن الوثائق التي يتطلّب الأمر استخراجها حتى تتلف السلع الآتية من الخارج. هذه عيّنة من ضمن عينات أخرى لا حصر لها أدّت إلى انهيار إجراءات تنظيم التجارة الخارجية، يكفي اليوم القيام بإطلالة على موانئنا لنشاهد بأنّ الحاويات من كل الألوان غزت الأرصفة، والأكثر من هذا تنقل إلى ما يعرف بالموانئ الجافة، ناهيك على ما يوجد من مواد غريبة بمساحات البيع تنتج محليا، وهذا كل الاشكال القائم حاليا. والسؤال المطروح هل نواصل استيراد كل شيء؟ وما مصير ما نصعنه عندنا؟ إنّها مجرد استفسارات تثار من باب أنّنا أمام حالة مرفوضة لدى السلطات العمومية لأنّها دخلت مرحلة الفوضى إن لم نسارع إلى إيجاد البدائل السريعة والاجراءات الفورية التي تسمح بالتقليل أو التخفيف من حجم الاستيراد. لذلك، فإنّ المجلس الوزاري المشترك الذي اجتمع من أجل وضع آليات جديدة لإعادة تنظيم التجارة الخارجية اهتدى إلى تقييم الوضعية الحالية، والاستماع إلى اقتراحات المجموعات ال 3 فيما يخص التحكم أكثر في الاطار التنظيمي للتجارة الخارجية بوضعها في مسلك جديد يختلف اختلافا جذريا عن سابقيه. وهذا لا يعني أبدا العودة إلى مفهوم الاحتكار أو الحمائية، وإنّما تعميق التشاور والحوار والتواصل مع كل المتدخلين، الذين بإمكانهم تقديم إضافة عملية وحتى إيجابية لخدمة هذا الجانب، كما أنّ التفكير في العودة إلى "الرخص" منطق لا يحبّذه أحد خاصة المشرفين على الاقتصاد الوطني، لأنّنا تجاوزنا مرحلة التردد في الخيارات الاقتصادية. والجزائر ترغب في مستقبل زاهر في التعامل مع شركائها، هناك التزامات دولية كالسعي للانضمام لمنظمة التجارة الدولية، وعقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات الثنائية مع الكثير من البلدان الشقيقة والصديقة. كل هذا وغيره لا يسمح بإغلاق مجال التجارة الخارجية، لكن المطلوب بإعادة تنظيمها وتطهيرها من الدخلاء، والذين يلهثون وراء "الدولار" أو "الأورو" بالبنوك الذين حوّلوا هذا المفهوم النبيل الاقصتادي إلى "بزنسة" و«تحايل" على القانون، كما أنّ العودة إلى طريقة القوائم لا تفيد، إلاّ أنّه يمكن النظر في مراعاة المنتوج الوطني، وهذا لا يمس أبدا بما يسمى بالمنافسة.