الحديث عن إحتياطي الصرف في الجزائر.. لا ينتهي، كل من هبّ ودبّ يردد عبارة »كاين دراهم« وهم يشيرون بذلك الى احتياطي الصرف الذي كشف عنه لكصاسي في مداخلته أمام نواب المجلس الشعبي والمقدر ب 9 ، 173 مليار دولار ومازال النقاش محتدما حول هذا المبلغ الذي لم يمّن به أحد على الجزائر، بل كان نتاج رؤية سديدة، ونظرة رشيدة في عقلنة الاستفادة من مداخيل الجزائر من شتى المصادر الحيوية. لكن السؤال المباشر الذي يتطلب طرحه أمام كل هذا اللغط ماذا نفعل بهذه الأموال؟ حتى الآن لم تصل الى مسامع الناس آراء مثمرة واقتراحات بناءة تسمح للسلطات العمومية أن تأخذها في الحسبان لتثري بها كل المساعي في هذا الشأن. كل ما نسمعه هو أن البعض يريد أن نلتهم كل هذا الاحتياطي في الأشياء الكمالية مثل الكيوي والتفاح والزبدة والعصائر الرفيعة، أي ما يعرف باقتصاد البازار.. واستيراد كل شيء دون حد أدنى من الحمائية المعروفة في الأبجديات التجارية.. يكفي فقط الاطلاع على فاتورة الواردات للسداسي الأول من 2011 لتصاب بالدوران نتيجة ما دخل الى الجزائر من البضائع والأجهزة وغيرها من المواد الخدماتية. هذا التوجه لا يخدم الجزائر بتاتا ومن يريد أن يتحصل على الدولار والأورو، فما عليه إلا الاستفادة من المساعدات التي تعطى لكل الخواص في العالم الذين لا يحق لهم المساس بإحتياطي صرف بلادهم من أجل الكماليات وإنما يدبرون أحوالهم ويتحركون هنا وهناك للحصول على ما يريدون. أما الإتكال على ما يعرف ب »مقابل الصرف«، فهذا يعد إبتزاز لقدرات الدولة الجزائرية وفق المثل الشعبي »من لحيتو بخرلو« هذا المنطق لا يؤدي بنا الى الخير وهو يمهد لضرب ركيزة أساسية وهي الديمومة المالية للبلاد وإلتزاماتها الداخلية والخارجية وضمان حق الأجيال من الثروة الوطنية، هل نفكر في هذا الأمر أم أننا نسير على قاعدة »أقتلني اليوم وأحييني غدوا«. يجب أن يعود البعض الى رشدهم ، ويتحلون بقليل من التأني والتعقل على أن الجزائريين لا يلقون بالأموال من النوافذ، بل هم من الشعوب التي تقدر السنتيم الواحد حق قدره، لأنه جاء بالتعب وليس باللعب.. ونحذر من هذه النظرة المبنية على التبذير في المال العام أو تسهيل طريق الوصول إليه خاصة إن تعلق الأمر بالعملة الصعبة. الرقم المعلن عنه من طرف لكصاسي قد يفتح شهية البعض من المتربصين باحتياطي الصرف ليرفعوا من سقف مطالبهم وهذاما سجل مع المسؤول الأول عن منتدى رؤساء المؤسسات الذي يفكر في المؤسسات التابعة لهؤلاء الخواص فقط ونقصد بذلك المواد الأولية التي تأتي من الخارج أو تستورد من بلدان يتعاملون معها.. وهم بذلك يطالبون بتسهيل عملية ما يعرف ب »كريدوك« أو مراجعتها ومازال هذا المطلب سائر المفعول، وكل أرباب العمل يرفعونه في كل مرة. ولابد من التأكيد أن مبلغ 9 . 173 مليار دولار حقيقة تُسيل لعاب كل من يشغل في ميدان المال والأعمال، لكن هذا لا يعني أننا نعمل على تشجيع مهنة »الإستيراد«، بل بنظرة متفحصة فإن رمزية الكشف عن هذه القيمة ترمي فيما ترمي الى إبراز أبعاد سياسية وإقتصادية. أولا: هذا الاحتياطي للصرف للجزائر، يعني أن البلد إستعاد عافيته كلية من زاوية تسيير مداخله وهي رسالة واضحة لكل المتعاملين الأجانب الذين ينوون إقامة علاقات وطيدة مع الجزائر في شتى القطاعات. ثانيا: هذه القيمة المغرية دعوة صريحة للمستثمرين الأجانب قصد الاطلاع على الفرص المتاحة في الجزائر، بالرغم من محاولات البعض من التشويش على الوجهة الجزائرية. ثالثا: التأكيد لدى المجموعة الدولية بأن الأداء الاقتصادي في الجزائر يسير منهجية صارمة، خاصة الحرص المتوجه الى المنظومة المالية. رابعا: بإمكان كل مستثمر أن يعمل في الجزائر وفق قاعدة الثقة المتبادلة، كل من استعمل أمواله في استثمار منتج أوخدماتي، فإنه يتمتع ب "الحصانة" في الحصول على فارق الربح، وبإمكانه تحويل نسبة معينة وفق ماهو موجود في القانون. إحتياطي الصرف للجزائر يجب أن لا يكون محل جدل لا لشيء سوى لأن السلطات العمومية تدرك أن للأجيال القادمة حق في الاستفادة من الثروة الوطنية، ولهذا من الواجب أن ينال كل جيل قسطه المستحق.. ولا يتأتى هذا إلا بفضل العمل والعمل وحده الذي يخلق الثروة، ويعطي القيمة المضافة كمجهود مبذول.. أما غير هذا، فيصنّف في خانة الإتكالية وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا.. ولا يمكن مجاراته أبدا. لذلك فإنه من الضروري القيام بمقارنة بسيطة بين الأمس واليوم، أي في سنوات التسعينيات فقط لم يكن بوسعنا استيراد باخرة حبوب، ناهيك عن الصعوبات الاقتصادية والتجارية والمالية كل هذا يتطلب منا أن نتحلى بالتعقل والهدوء في التعامل مع احتياطنا للصرف. وفي هذا الإطار لابد من القول أن هناك العديد من الدول قريبة تمول مشاريعها في قطاع النقل وغيره من مساعدات مالية ضخمة تأتيها من بلدان عربية وغربية. ونحن في الجزائر لم نستفد من هذه الإعانات التي تقدر بملايين الدولارات وهذه مفارقة يكيل أصحابها بسياسة المكيالين لذلك فإن كل المشاريع الجزائرية الضخمة من ميترو وتراموي والمطار الدولي والطريق السريع شرق غرب والسدود، والسكنات والموانئ ومناصب الشغل، كلها تمول بمصادر مالية جزائرية بحتة لا تعتمد على الخارج أبدا، هذا ما جعل الكثير من البلدان الإسراع في متابعة المناقصات حول المشاريع الكبرى في الجزائر، قصد دخول هذا السوق المغري من خلال التنافس على فتح الأظرفة في كل القطاعات الحيوية في الجزائر. وهذا الاعتماد على النفس في مجال تمويل المشاريع الوطنية أثبت للجميع بأن الجزائر، قادرة على الإستعمال العقلاني لإحتياط الصرف.