تلقت فرنسا صدمة أخرى بمنطقة الساحل الإفريقي، فلم تكتمل فرحة تحرير الرهائن الأربعة بالنيجر، حتى أعلن عن اختطاف وقتل صحفيين من الإذاعة الدولية الفرنسية بمدينة كيدال شمال مالي يوم السبت المنصرم على يد إحدى المجموعات الإرهابية. الواقعة الأليمة جعلت الخطر الإرهابي بالمنطقة يطفو إلى السطح من جديد، وأدت إلى طرح تساؤلات عن مدى نجاح عملية سيرفال وعن الإستراتيجية الأمنية للتصدي للظاهرة. استقرت الوضعية الأمنية بمالي بشكل نسبي منذ نهاية السداسي الأول للسنة الجارية، وساهم ذلك في نجاح الانتخابات الرئاسية، كما مكن السلطة الجديدة بقيادة بوبكر كايتا من لملمة بعض الأوراق، كاحدث التوافق الوطني، والتحضير للدخول في مشاورات شاملة، والبدء التدريجي في ترتيب بيت العسكر باعتباره الورشة الأكبر. وفي اعتقاد البعض فان الفضل كله يعود للتدخل العسكري الفرنسي المدعوم من قوات الايكواس التي حولت إلى قوات حفظ سلام أممي، غير انه، ورغم النجاحات المحققة كعودة العلم المالي إلى مؤسسات شمال البلاد وطرد الجماعات الإرهابية، مازال الخطر قائما ويمثل تهديدا جديا لدول الجوار ومالي على وجه التحديد بالنظر للعجز الذي تعرفه أجهزتها الأمنية. لهذا جاء تحرك الجزائر مؤخرا لحث دول الجوار على التنسيق من أجل محاربة الارهاب والجريمة العابرة للحدود. فالعارفون بخبايا المنطقة وشؤونها يقولون، أن عملية «سيرفال» التي شنها 4100 جندي من القوات الخاصة الفرنسية، حققت نصرا محدودا يستدعي متابعة دائمة في ظل استمرار تدفق الأسلحة وإعادة المجموعات الإرهابية تنظيم صفوفها بعدما انشطرت في المناطق الحدودية فرارا من الضربات الجوية. كما بينت المستجدات الأخيرة، استمرار الإرهابيين على نهج الكر والفر، وساعدتها معرفتها الجيدة بدروب ومسالك الصحراء على الاحتماء وتنفيذ عمليات خاطفة تهدف بها لخلق الهالة الإعلامية، وزاد الحديث عن دفع فدية قدرها 20 مليون اورو لتحرير الرهائن الفرنسيين الأربعة بالنيجر التأكيد على نفوذ هذه الجماعات في ظل ضعف الأداء العملياتي للجيش النيجيري والمالي. من جانب آخر، نبه اغتيال صحفية إذاعة فرنسا الدولية، غيسلان دوبون (51 سنة) وزميلها كلود فيرلون (58 سنة)، إلى مدى نجاعة الإستراتيجية الأمنية التي تتبعها فرنسا ومعها الولاياتالمتحدة، فالدولتان تعتمدان على احدث الوسائل لمراقبة المنطقة عبر الطائرات بدون طيار، وأدوات التجسس على الاتصالات لمراقبة تحركات قادة التنظيمات الإرهابية، فقد سبق رئيس النيجر ايسوفو التذكير بتواجد 100 عنصر من قوات المارينز وطائرات الاستطلاع الأمريكية على ارض بلاده وبرر ذلك بعدم امتلاك القدرة الكافية للتعامل مع التهديد الإرهابي، لكن التقارير الأمنية الدورية لهذه الجهود لم ير لها اثر بشكل ملموس على الواقع. وأقوى الضربات التي تلقاها الإرهابيون لحد الآن، كانت من تنفيذ الجيش الوطني الشعبي الجزائري، بعد نجاحه في التصدي لتهريب السلاح من ليبيا، واعتقاله لأبرز العناصر الإرهابية والقضاء على العشرات في عمليات نوعية على الحدود. وتفرض مصالح دول الساحل الإفريقي التعامل بكل حزم، مع الإرهاب واستئصاله من جذوره، فلا يمكن السماح له بالعودة إلى نشاط الخطف وطلب الفدية لتمويله وتمكينه من شراء أقوى الأسلحة والعتاد الحربي الحديث، ويجب تجسيد تجريم دفع الفدية لتحرير الرهائن وعدم التفاوض مع هؤلاء الدوميين الذين لا يفهمون سوى لغة السلاح. وما دامت الجزائروالنيجرومالي وموريتانيا وتشاد هي المعنية بالدرجة الأولى، فالحل يكمن في إعادة تعزيز عمل هيئة التنسيق والتنفيذ لقيادات أركان الجيش للعب الدور الريادي على الأرض، وعدم الاعتماد على التدخل الخارجي كخيار وحيد واجباري لمواجهة التحديات الأمنية، فهذه التحديات تفرض تعبئة وعزما اكبر على تقوية الأجهزة الأمنية وتكوينها بالشكل الذي يجعلها قادرة على حماية السيادة والوحدة الترابية والوطنية على غرار كل الجيوش الحديثة في عالم اليوم، فالحرب على الإرهاب في الساحل ليست حرب فرنسا، بل هي مجرد شريك يفترض به أن يلعب دور المساند، ولا يمكن أن يتحول إلى الأمر المقرر. وحسب تقرير للخارجية الأمريكية، فقد استقبلت جيوب التنظيمات الإرهابية أزيد من 80 مليون دولار، كفديات لتحرير الرهائن ناهيك عن الملايين الاخرى التي تجنيها من تهريب المخدرات. وتتحمل الدول الغربية التي رضخت لمطالبهم جزئا من المسؤولية لأنها ساهمت في تقوية الارهاب ولو بشكل غير مباشر، وعليه فان مصير المنطقة بين دولها وقواتها الأمنية.