تطابقت وجهات النظر الأمريكية مع المواقف الجزائرية ، بشأن دفع الفدية للجماعات الإرهابية مقابل الإفراج عن الرهائن ، الأمر الذي جعل فرنسا في موقف لا تحسد عليه ، لا سيما بعد اعتراف الولاياتالمتحدة على لسان مسؤولها ، و منسق مكافحة الإرهاب بكتابة الدولة الأمريكية ، دانيال بنيمين، الذي أكد أن بلاده والمملكة المتحدة على توافق تام مع الطرح الجزائري معتبرا أن الجزائر من بين الدول القلائل التي ترفض دفع فدية للعناصر الإرهابية ، و هو ما يعتبر صفعة قوية وجهت لحكومة ساركوزي التي تتمسك بدفع الفدية . كما أن اعتراف الإدارة الأمريكية بالدور الكبير الذي لعبته الجزائر في مكافحة الإرهاب من خلال تمتعها بإرادة سياسية و خبرة كبيرة ، جعل الدول العظمى ترغب كلها في اكتسابها، وهو ما أدى بباريس للتحالف مع المغرب من أجل إجهاض دور الجزائر و عزلها عن منطقة الساحل . بعد خضوعها لمطالبها الجماعات الإرهابية تعلن الحرب على باريس بدأت الحرب بين الحكومة الفرنسية و الجماعات الإرهابية ، منذ إعلان هذه الأخيرة انطلاق صفارة إنذارها للرعايا الأجانب ، لا سيما الفرنسيين، ليبدأ منذ ذلك الحين اسم فرنسا يصحب الجماعات الإرهابية في كل بيان تقوم بإصداره متوعدة إياها باستهدافها في رحلة دموية طويلة .، حيث كانت أول عملية تنفذها هذه الجماعات الإرهابية ضد رعايا فرنسيين في موريتانيا في حق خمسة رعايا فرنسيين سنة 2008، بعدها كان اختطاف" بيير كامات" الهدف الثاني للعناصر الإرهابية ، حيث تم اختطاف هذا الأخير (61سنة) ، بتاريخ 26 نوفمبر 2009من مالي من طرف ماليين ، ليتم بعدها بيعه للجماعات الإرهابية ، وقد أفرج عنه سنة 2010 بعد مفاوضات طويلة ومعقدة مع الخاطفين مقابل إطلاق سراح أربعة عناصر من العناصر الإرهابية كانوا معتقلين لدى السلطات المالية.كما دفعت فدية لتحرير كامات مع مطالب بالإفراج عن إرهابيين جزائريين اللذين كانوا أيضا محل بحث حثيث من طرف الأمن الجزائري، وهو الأمر الذي أدى إلى شبه توتر في العلاقات بين الجزائر ومالي بعد تنفيذ باماكو مطالب الإرهابيين تحت ضغط فرنسي،.و هو الأمر الذي استغربته و رفضته الجزائر لا سيما فيما يتعلق بدفع الفدية للجماعات الإرهابية ، باعتبار هذا الأمر من شأنه أن يعزز عمليات الجماعات الإرهابية . و يتواصل مسلسل اختطاف الرعايا الفرنسيين من قبل بقايا العناصر الإرهابية ، حيث أنه بتاريخ 19افريل2010تبنت هذه الجماعات ، خطف مهندس فرنسي " ميشال جرمانو" ''78 عاما'' وسائقه الجزائري في شمال النيجر،إلا أنه في هذه المرة لم تنجح باريس في إنقاذ حياة رعيتها ، خاصة بعد تنفيذها لعملية عسكرية مشتركة مع القوات الموريتانية ضد العناصر الإرهابية ، أسفرت عن مقتل 6من عناصره، لتقوم بعدها مباشرة الجماعات الإرهابية بقتل الرهينة الفرنسي ، الأمر الذي اعتبر فشلا كبيرا للاستخبارات والجيش الفرنسيين. تلتها بعد ذلك اختطاف سبعة أفراد يعملون في شركتي أريفا الفرنسية للتكنولوجيا النووية المملوكة للدولة و فينتشي للبناء، من بينهما خمسة فرنسيين يعملون كخبراء في الطاقة واليورانيوم".ولم تكتف هذه الجماعات بالخطف في الساحل الصحراوي ، بل قامت بعد أسبوع بخطف خمسة فرنسيين آخرين في الأراضي النيجيرية. في محاولة منها لعزل الجزائر و الضغط عليها تحالف فرنسي مغربي لإجهاض دور الجزائر في منطقة الساحل الموقف الذي أبدته الجزائر حيال اجتماع خبراء ما يُسمى ب "مجموعة الثمانية" الذي دعت إليه فرنسا، اعتبرته أمرا طبيعيا، حيث أرجعت قرار إبعادها فيما يتعلق بمكافحة الارهاب ، إلى كون باريس تريد من خلال هذا الاجتماع الذي انطلق بمالي ، عزل الجزائر وإجهاض دورها المركزي في منطقة الساحل، وهو ما يدل على دراية الجزائر بما يؤول إليه هذا التحالف خاصة وأن مواقفها ثابتة في ما يخص قضية تقديم الفدية، وعملها في هذا السياق نتيجة نظرة أمنية إستراتيجية ولم يكن نظرة مصلحيه سياسية مثلما كان عليه الشأن بالنسبة لباريس والرباط الذي كان كل همهما عزل الجزائر والبحث عن مصالحهما في المنطقة. فالطرح الذي حاولت فرنسا تسويقه وفرضه على بلدان منطقة الساحل، استهدف بالدرجة الأولى الجزائر، و ذلك من خلال سعيها منذ فترة إلى إثارة قضية اختطاف السُياح الأجانب، في محاولة منها لدفع دول منطقة الساحل إلى تقبل الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة،من جهة و إجهاض دورها في مكافحة الارهاب من جهة أخرى و هو الموقف الذي ترفضه الجزائر ، خاصة و أن باريس تستخدم ورقة الجماعات الإرهابية والسياح، كمظلة فقط للتواجد في هذه المنطقة، من أجل تمرير أجنداتها الخاصة . و قد تبنت الجزائر إستراتيجية هامة ، لمكافحة الجماعات الإرهابية ، فيما تسعى فرنسا من جهتها إلى فرض إستراتيجيتها بالتحالف من بعض بلدان الجوار و الممثلة في المغرب ، حيث يسعى نظام المخزن من خلال تحالفه مع فرنسا لعزل الجزائر عن مكافحة الارهاب ، للتضييق عليها من أجل دفعها لتغيير مواقفها فيما يخص قضية الصحراء الغربية، ومحاولة توريط الصحراويين باستفزازهم في أعمال دموية لتسوقها المغرب بعدها على أنها ممارسات إرهابية تسوق لها الجزائر " المعزولة " لتحقيق أهداف سياسية وهو ما تفطنت له الجزائر معتبرة الاجتماع الذي جمع باريس والرباط ودولا أخرى في الساحل بالحدث العادي . و قد بذلت الجزائر في هذا السياق جهودا كبيرة، بعد التنسيق الحاصل مع ستة بلدان من منطقة الساحل، باجتماع وزراء خارجية هذه البلدان في مارس الماضي، من أجل إقامة قيادة الأركان مشتركة في تنمرا ست.فيما سعت فرنسا بالتحالف مع النظام المغربي إلى فرض واقعها في هذه المنطقة لا سيما و أن المغرب يعد حليفا إستراتيجيا لفرنسا ، الأمر الذي تعارضه الجزائر كما أن إقحام المغرب في هذه القضية الأمنية يعني بالأساس استهداف الدور المركزي للجزائر في مجال مكافحة الإرهاب والتنسيق مع بلدان الجوار. في الوقت الذي اعتقدت باريس أنها فرضت منطقها واشنطن و لندن تدعم موقف الجزائر فيما يخص تجريم دفع الفدية تطابقت المواقف الأمريكية البريطانية و الجزائرية ، فيما يخص تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية ، الأمر الذي أحرج حكومة ساركوزي ، حيث اعتبرت كل من واشنطن و لندن ، أن التدخل العسكري الأجنبي في الساحل الإفريقي ينبغي أن يكون آخر الحلول وليس أولها، معتبرتين أن مقترح الجزائر فيما يخص تجريم دفع الفدية للإرهابيين ، مقترحاً جريئاً وصريحاً، تعمل الولاياتالمتحدة على النظر فيه ، حيث أكدتا أن لدول المنطقة كامل الحق في المطالبة بأولويتها في مكافحة الإرهاب في الساحل، كما أكدت الولاياتالمتحدة أنها تناقشت مع الجزائر طويلاً في الموضوع مؤكدة أنها لن تتنازل مع الجماعات الإرهابية ولن تدفع الفديات، وهي رسالة واضحة لباريس التي وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه لا سيما وأن الجماعات الإجرامية رفعت مطالبها إلى السقف وراحت تلمي حتى السياسة الخارجية لباريس من خلال مطالبتها ببرمجة جدول محدد لخروج قواتها من أفغانستان كما اعتبرت إدارة أوباما على لسان مسؤولها بوزارة الدفاع الأمريكية "جوزيف ماك ميلن"، ، أن المساعي التي تقوم بها الجزائر لإصدار لائحة أممية تعاقب الدول التي تدفع فديات للجماعات الإرهابية، خطوة هامة جدا بإمكانها تجفيف منابع التمويل عن التنظيمات الإرهابية .موضحة أن دفع الفديات للإرهابيين، من شأنه أن يعزز العناصر الإرهابية في مضاعفة عملياتها وتشجعهم على مواصلة الإرهاب، ويمثل مصدر تمويل بالنسبة لهم و هو الطرح الذي تتبناه الجزائر . بعد خروجها عن الخط الذي تبنته الجزائر الحكومة الفرنسية في قبضة الجماعات الإرهابية رغم التنازلات التي قدمتها باريس للعناصر الإرهابية و دفعها فديات مقابل الإفراج عن رعاياها المختطفين ،متجاهلة بذلك موقف الجزائر الرافض لدفع الفدية إلا أن ذلك لم يشفع لها لدى هذه الجماعات لتحرر الرهائن الفرنسيين المختطفين ، رغم الليونة التي أبدتها باريس في تعاملها مع هذه الجماعات ، حيث رفعت الجماعات الإرهابية سقف مطالبها هذه المرة ، لتعلن ، أن الإفراج عن الرهائن الفرنسيين المحتجزين لديها منذ شهرين. و الحفاظ على سلامتهم، مرهون بانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان ، مؤكدة أن أي تفاوض مستقبلي في شأن هؤلاء ينبغي أن يكون مع "أسامة بن لادن". الأمر الذي أربك الإدارة الفرنسية بشأن أزمة الرهائن ، وجعلها في مأزق حقيقي خاصة وأن التطورات الأخيرة جاءت مع التغير الحكومي الأخير في فرنسا والمنتظر منه أن يعطي دفعا جيدا على كافة الأصعدة إضافة إلى أنه جاء متزامنا مع التصريحات الأمريكية فيما يخص قضية تقديم الفدية للإرهابيين والتي أكدت على لسان مبعوثها للجزائر أنها تثمن القرار الجزائري في ما يخص موقفها من تقديم الفدية للدمويين، بل وحتى الموقف البريطاني هو يتناغم مع الموقفين الأمريكي والجزائري، لتجد باريس نفسها معزولة بعدما حاولت عزل الجزائر، من أجل تحقيق مصالح سياسية وإستراتيجية على حساب الجزائر في المنطقة، والعبرة من كل هذا هو أن الجزائر كانت لها نظرة إستراتيجية واستطاعت بحكمة وصبر وتأني أن تقرأ الأحداث بروية وتستفيد من دروس العشرية ، هذه التجربة التي صارت حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية تطمح في اكتسابها، والنتيجة أن اللعبة التي أرادت أن تلعبها فرنسا انقلبت عليها و ركنتها في الزاوية ، وأخرجت الجزائر أكثر قوة وصلابة لأن موقفها كان مبني على معطيات حقيقية ونظرة أمنية ودراسة دقيقة للوضع في الساحل الصحراوي، بعيدا عن أي مصلحة سياسية وبعيدا عن الأنانية، لهذا أوصت الجزائر كل طرف بتحمل مسؤوليته في ملا يخص محاربة الإرهاب، وهو ما جعل واشنطن تؤكد أن الجزائر استطاعت التغلب على الإرهاب ولم تعد منطقة خطر ، وأن الأزمة الحالية تتعلق بدول الساحل معترفة أن الجزائر لها مساحات صحراوية شاسعة استطاعت أن تدحر الارهاب خارج حدودها .