تقترب أسعار النفط في الأسواق الدولية بخطى سريعة من السعر المرجعي المعتمد في إعداد ميزانية الدولة لسنة (2009) والذي توقع له سعرا يقدر ب37 دولارا للبرميل، في حين أن السعر الحالي دون مستوى 40 دولارا للبرميل بالنسبة لخام البرنت. ويأتي هذا الاقتراب، قبل نهاية العام الجاري، وقبل حلول المرحلة العصيبة التي من المتوقع أن تشهدها أسعار النفط مع مطلع العام القادم، حيث من المنتظر، وحسب تنبؤات بعض الهيئات المتخصصة، بلوغ أسعار النفط مستوى 25 دولارا للبرميل في الربع الأول من العام القادم، وقد تستمر الوضعية المتميزة بتدني الأسعار طيلة السنة بسبب استمرار حالة الركود الاقتصادي التي تميّز الاقتصاد العالمي. وعلى غرار كل الدول المنتجة والمصدرة للنفط، فإن الجزائر ستتأثر لا محالة من الوضع السائد، وإن كانت الأزمة المالية العالمية لم تمسّها مباشرة، فإن تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي ستترك بصمات واضحة على الوضعية المالية الداخلية، وبالتالي التأثير على بعض المشاريع ولو على المدى المتوسط، إلا إذا تدخلت الجهات المعنية لسدّ تلك الثغرة التي ستبرز لا محالة بين الإيرادات المتأتية من النفط المتوقعة في الميزانية وبين الإيرادات الحقيقية بعد تدني أسعار النفط. قد يحق في الوقت الراهن للمسؤولين المباشرين على تسيير المال والاقتصاد في الجزائر، التفاؤل بشأن إنعكاسات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني الذي يظل بعيدا عن ميكانيزمات وآليات المالية الدولية والتي كانت للوهلة الأولى بردا وسلاما على النظام المصرفي الوطني، لكن تداعيات الأزمة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي وتراجع الطلب على النفط، وفي الأخير، هذا التدني السريع في أسعار الخام، كل ذلك من شأنه وضع حد للتفاؤل الرسمي وغير الرسمي المعلن عنه في وقت سابق بشأن تداعيات الأزمة التي ستكون مباشرة هذه المرة على الاقتصاد الوطني. صحيح، بإمكان الجهات المعنية تجاوز المحنة الأولى القادمة حول الفارق المتوقع بين سعر الميزانية المرجعي وبين السعر الحقيقي لأسعار النفط، وخاصة تلك المنتظرة السنة المقبلة من خلال الفوائض المالية المتوفرة هنا وهناك... لكن هذه الفوائض ستعرف بدون شك تراجعا في حجمها لو أصرّت نفس الجهات على إنجاز كل المشاريع الطموحة والضخمة المبرمجة في المخطط الحالي وهو المرجح. ومع هذا، لا يمكن إستبعاد أن يتعثر تمويل البعض من هذه المشاريع، لأن الجزائر ليست أفضل من غيرها من الدول العديدة التي انعكست عليها سلبا الأوضاع الاقتصادية العالمية المتدهورة في أكثر من منطقة، ومن الطبيعي جدا أن تتأثر الدول ماليا واقتصاديا وأن ترتبك موازنها متأثرة بمعطيات خارجية، وقد تكون في بعض الأحيان داخلية، فلماذا إذن يصرّ البعض على إيهام الرأي العام الوطني، بأن الاقتصاد الجزائري في منأى عن تداعيات الأزمة، هل لأن الجزائر في خارج نطاق هذا العالم الذي يتفاعل طردا مع التحولات العميقة والقاسية في بعض الأحيان التي يمرّ بها، كما هو الشأن في الوقت الراهن. اقتصاديات معظم الدول المتقدمة وحتى تلك الناشئة التي قيل عنها في وقت سابق، أنها غير معنية بالأزمة، أعلنت مؤخرا عن وصولها عدوى التراجع في النموّ الاقتصادي ودخول البعض منها مرحلة الكساد. هذا الأخير لم تسلم منه اقتصاديات قوية كاليابان وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها دون الحديث عن أمريكا التي تعدّ مصدر الأزمة ومنبع التداعيات السلبية. أما هذه العدوى الواسعة التي شملت جل نقاط العالم لماذا يصرّ البعض مرة أخرى على أننا والحمد للّه لم تمسّنا الأزمة، ولماذا هذا الإفراط في التفاؤل الذي لا يجد مبررا مقنعا له، خاصة وأن الرأي العام الوطني يكون قد اطلع على ما يحدث خارج حدودنا وعلى نطاق أوسع ما يحدث في العالم بأجمع والإنعكاسات السلبية على جميع الأصعدة. ألم يكن من الأجدر التعمق في الشرح والتحاليل بموضوعية أكبر، ألم يكن من الأفضل وضع كل النقاط على الحروف حول احتمالات تأثير ما يجري على المستوى الخارجي على الاقتصاد الوطني بكل وضوح، عوض تكرار ترديد عبارة واحدة وهي أن الاقتصاد الجزائري في منأى عن الأزمة، خاصة وأن الوضع المحلي أفضل بكثير في العديد من الدول، نظرا لامتلاك الجزائر لعدة آليات ووسائل تسمح لها بتجاوز تأثيرات الأزمة، ولو على مدى معين، إلا أن تستقر الأوضاع وفق بعض التوقعات وقد يدوم الوضع الراهن لسنوات، يستعيد بعدها الاقتصاد العالمي البعض من عافيته. ------------------------------------------------------------------------