تتّجه عملية تدمير حوالي ألف طن من الأسلحة الكيمياوية السورية في مياه البحر مثلما أعلنته المنظمة الدولية لمنع الأسلحة الكيمياوية، دون أن يسجل أي موقف من جانب منظمة جماعة السلام الأخضر "غرين بيس"، التي تعمل كما تقدم للرأي العام العالمي "على تغيير السياسات الحكومية والصناعية التي تهدد العالم الطبيعي. ويستخدم أعضاء منظمة السلام الأخضر وسائل الاحتجاج المباشرة غير العنيفة، وهم يتوجهون إلى مكان النشاط الذي يشكّل خطرًا في رأي المنظمة، وبدون اللجوء إلى استخدام القوة، فإنّهم يسعون إلى منع ذلك النشاط، فهم يحتجون على صيد الحيتان على سبيل المثال، لذلك نجد أعضاء منظمة السلام الأخضر يقودون الزوارق ويجولون بين الحيتان وسفن الصيد". ولم تكشف هذه المنظمة التي لطالما برزت في مقدمة المشهد العالمي "للدفاع عن البيئة والطبيعة الحيوانية"، عن موقفها من خطر يحدق بمنطقة من البحر لم يحدد مجالها بعد، بينما يسرع المشرفون على العملية التي لا تخدم البشرية أمام الأولويات التي تطرح نفسها بإلحاح، في إعداد المسرح الذي يجري عليه التدمير الحامل لمخاطر سوف تمتد بلا شك على طول امتداد مياه البحر. وبالفعل بدأت عملية الشروع في تجهيز سفينة أمريكية سوف يتم تدمير تلك الكميات من الكيمياوي وفقا لأجندة زمنية حددت ب 31 ديسمبر الجاري كآخر أجل لنقل تلك الكميات المطلوبة من القوى الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة، كما حدّدت نهاية السنة القادمة 2014، كآخر أجل للانتهاء من العملية. وقد تأسّست "غرين بيس" وهي منظمة عالمية في فانكوفير بكندا سنة 1971، ومن بين أهدافها الأساسية "الدفاع عن البحار والمحيطات، ومعارضة استعمال الملوثات". ويمكن تصور مدى الأضرار التي سوف تنجر عن عملية استهداف الكيمياوي السوري بالنسبة للبحر، ومنه للسواحل القريبة من منطقة الاتلاف في غياب معلومات من خبراء مستقلين بما يكشف للرأي العام الحقائق والتبعات، خاصة في ظل التزام تلك المنظمة الصمت وكأنّ الأمر لا يعنيها، وهي التي لا تكثر الصخب وتثير الرأي العام العالمي بانخراط قوي للإعلام، الذي لا يتأخر لحظة في الترويج لرسالتها عبر العالم بوصفها المدافع الوحيد والمحايد عن الحيتان. أما البشر فهم آخر الاهتمام، وإلا لماذا لم تقتنع الجميع وأولهم دول المنطقة وكبار العالم بضرورة إنهاء أزمة لا مصلحة للشعب السوري فيها، على اعتبار أن المطالب السياسية يمكن حلها بالحوار بدون إقصاء أي طرف ماعدا الذين يحملون السلاح ويمارسون الإرهاب؟ بلا شك تمثل الرسالة التي تحملها هذه المنظمة قضية إنسانية جديرة بالاهتمام والتشجيع، لكن عندما تختفي عن الساحة في مثل حالة نزع وتدمير السلاح الكيمياوي السوري في منطقة من البحر، بعد أن رفضت جل الدول التي طلب منها القيام بذلك على ترابها، فإن سؤال بعلامة استفهام كبيرة يطرح دون أن يجد تفسيرا مقنعا. وإذا كان يمكن فهم الهدف الذي تبحث عنه القوى العالمية الكبرى التي جنّدت كل ما لديها من أدوات القوة والدبلوماسية والإعلام لتجريد سوريا من أحد أسباب القوة التي تزعج الكيان الصهيوني المحتل للأراضي العربية منذ جوان 1967، بما في ذلك القدس الشريف، فإنّه يصعب فهم عدم اكتراث تلك القوى للآثار التي تنجر عن إتلاف كميات مهما كان حجمها من المواد السامة والقاتلة للحياة، أم أن الغاية تبرر الوسيلة؟ ومن أجل "إسرائيل" كل شيء يهون، والكل يصمت بما فيها "غرين بيس".