ارتاءت "الشعب" في ملفها لهذا العدد، أن تسلط الضوء على تظاهرة ثقافية، نسمع عن تنظيمها في السنة الواحدة عديد المرات، حيث تتشرف مختلف جهات الوطن باحتضانها، تجسيدا للتبادل الثقافي بين مختلف الأدباء والفنانين، ألا وهي "الأسابيع الثقافية". تظاهرة ثقافية فنية، أردنا معرفة ما إذا كانت تحقق الهدف المرجو منها، أم هي مجرد فلكلور لا يسمن ولا يغني من جوع، ولهذا تركنا الحكم لأصحاب المجال، لتكون هذه الصفحة متنفسهم للتعبير عما يختلج سريرتهم. أكد "فوزي حساينية" عضو سابق بمحافظة المهرجان المحلي للفنون والثقافات الشعبية، ورئيس جمعية النداء المغاربي للتعاون الثقافي والحوار المتوسطي لولاية قالمة، في حديث ل«الشعب" أن الأسابيع الثقافية أداة فعالة في تسجيل وحفظ تراثنا الثقافي والفني وتعزيز رصيد الذاكرة الوطنية، مشيرا إلى أنها أتاحت فرص حقيقية للكثيرين لعرض إبداعاتهم في مختلف ولايات الوطن، فضلا عن تبادل الخبرات ونسج علاقات لم تكن متاحة لهم من قبل، وقال "الأسابيع الثقافية ساهمت بشكل مباشر في إنقاذ الكثير من ألوان الفنون والثقافات الشعبية من اندثار حقيقي كان يتهددها". الشعب: كيف ترى مبادرات كل من وزارتي الثقافة والشباب والرياضة، فيما يتعلق بالتبادلات الثقافية بين الولايات؟ فوزي حساينية: يمكن القول في هذا الصدد أن الكثير من البرامج الثقافية والشبابية لكل من وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة تهدف بطريقة أو بأخرى إلى تعزيز مختلف أوجه التبادل الثقافي والشبابي بين مختلف ولايات الوطن، وبالنظر إلى اتساع مساحة الجزائر وتنوعها الثقافي وارتفاع نسبة الشباب بالنسبة إلى عدد السكان، وباعتبار الموقع الجغرافي الهام الذي تشغله بلادنا من جغرافية العالم، وهو الموقع الذي تنطبق عليه جميع مواصفات عبقرية المكان، فإننا ندعو إلى تعزيز هذه البرامج وإلى المزيد من التطوير فيما يخص أساليب تجسيدها على أرض الواقع. هل لك أن تحدثنا عن الأسابيع الثقافية التي احتضنتها قالمة، وفي نفس الوقت ما هي الولايات التي حلت بهذه المدينة في إطار هذه التظاهرة؟ الأسابيع الثقافية بصفة عامة متعددة الأنواع منها المحلية، الوطنية والدولية، ومن الأسابيع التي تخدم التبادل الثقافي بين مختلف ولايات الوطن بصورة مباشرة، نذكر الأسابيع الثقافية المحلية للفنون والثقافات الشعبية الموجودة على مستوى كل ولايات الوطن. إن الهدف الأساسي من هذه المهرجانات هو فتح المجال أمام كل الفعاليات الثقافية والأدبية الشعبية ليس فقط للتعبير عن نفسها، بل للتفاعل مع مختلف الأنماط والأشكال الثقافية والفنية، التي تزخر بها مختلف ولايات الوطن، وقد انطلقت هذه الأسابيع سنة 2009، وهي لا تزال متواصلة على شكل خرجات ثقافية وفنية وفكرية، حيث تقوم كل ولاية على مدى أسبوع كامل بعرض موروثها الثقافي في خمس ولايات على الأقل، واستقبال نفس الولايات في مدة سنة، بما يعني عشرة أسابيع ثقافية ذهابا وإيابا، فإذا أضفنا إلى ذلك المهرجان الثقافي المحلي للإنشاد، والمهرجان الثقافي قراءة في احتفال، التي تم تعميمهما أيضا على كل ولايات الوطن، أدركنا أنه يوجد على مستوى ولاية قالمة ثلاث مهرجانات، وهي تشترك في ذلك مع كل ولايات الوطن. ويمكن القول أن توفر الوسائل السمعية والبصرية الحديثة يعد فرصة حقيقية لتسجيل جانب هام من ثقافاتنا الشعبية، من خلال هذه المهرجانات والتظاهرات الشعبية ونقلها للأجيال القادمة. أما عن وجهة الأسابيع الثقافية القالمية فهي تشمل مختلف ولايات الوطن، مثل تمنراست، بجاية، تيارت، أدرار وغيرها، والعدد يتجاوز ال20 خرجة ثقافية. وماذا عن المشاركات والعروض الثقافية للوفود القالمية في الولايات الأخرى؟ بداية لابد من توضيح أمر أساسي وهو أن المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية بولاية قالمة عند انطلاقه سنة 2009، تم تشكيل محافظة من ستة أعضاء أغلبهم غرباء عن القطاع الثقافي، وتم مقابل ذلك تهميش لكل إطارات الثقافة المعنيين مباشرة بهذا النشاط. فلمدة ثلاث سنوات أي إلى نهاية سنة 2011 كان جميع إطارات مديرية الثقافة مبعدين بشكل كامل عن هذه المحافظة الثقافية، وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث ممارسات وسلبيات كثيرة، باعتبار أن أغلب أعضاء المحافظة لم تأت بهم الكفاءة والاستحقاق الثقافي، وابتداء من سنة 2012 تم تشكيل محافظة جديدة بمشاركة بعض إطارات مديرية الثقافة، لكن وبعد أن قمنا بتنظيم الأمور ووضع خطة شاملة فيما يخص المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية، جرى إبعاد إطارات مديرية الثقافة فورا واستبدالهم بعناصر أخرى تنتمي لما يعرف في ولاية قالمة ب«ميليشيا الثقافة" التي يتمتع عناصرها بدعم العديد من الأوساط الإدارية المعادية للثقافة، وهو الأمر الذي أدى إلى الابتعاد عن تحقيق الأهداف التي رسمتها وزارة الثقافة في هذا الصدد. أما بالنسبة لمهرجان الإنشاد ومهرجان قراءة في احتفال، فلم يضما في عضويتهما أي إطار من إطارات النشاط الثقافي، بل كانتا تضما عناصر لا علاقة لها إطلاقا بالنشاط الثقافي، ولا داعي هنا لذكر التفاصيل فهي مؤلمة وصادمة. وبعد هذا التوضيح الضروري، أقول بأن مشاركة الوفود الثقافية القالمية على مستوى الولايات المعنية بعملية التبادل، تشمل مختلف الطبوع والمكونات الثقافية الشعبية المحلية، لأننا قمنا في فترة عضويتنا القصيرة في محافظة المهرجان المحلي للفنون والثقافات الشعبية، بوضع تصور عملي نموذجي للأسبوع الثقافي القالمي، ولو استمر العمل به لأمكن تحقيق نتائج رائعة، لكن محافظ المهرجان كانت له اهتمامات أخرى ليس من بينها خدمة الثقافة في ولاية قالمة. ما الذي يميز الموروث الثقافي القالمي عن سائر ولايات الوطن؟ تتوفر ولاية قالمة على موروث ثقافي هائل بقسميه المادي واللامادي، فمن الطبوع الفنية الثقافية، نذكر العيساوة والبدوي وخاصة فرقة "مرمورة البدوية" التي شرفت الولاية والجزائر ككل، فضلا عن العديد من فرق الرحابة، ذات الأسلوب البدوي الأصيل والأخاذ، ويوجد أيضا الشعبي والمالوف. كما تزخر الولاية بتراث متميز فيما يخص الشعر الشعبي، الذي خلّد في جزء كبير منه مجازر الثامن ماي 1945 والثورة التحريرية، فضلا عن ثروة واسعة من الحكايا والأمثال الشعبية، أما في مجال الغناء والطرب فقالمة معروفة بطابع الغناء الصراوي الذي يعد نتاجا لتفاعل العديد من الأنماط الموسيقية والغنائية المحلية والجهوية، في حين يشمل التراث الأثري للولاية، عصور التاريخ وما قبل التاريخ، وكل الحضارات المتوسطية سجلت حضورها في منطقة قالمة. لكن يمكن القول أن تراثها الأثري يواجه تحديات كبيرة، فالبعض يسعى لتدميره باسم الدين، وآخرون باسم الاستثمار، ولا يجب أن ننسى جهل الناس ولامبالاتهم بحيث أننا لا نجد مناصا من القول إن إنقاذ التراث الأثري والثقافي بولاية قالمة أصبح يحتاج إلى إعلان حالة طوارئ ثقافية، وتبقى الميزة الأساسية للموروث الثقافي للمدينة، فضلا عن العمق الشعبي والتنوع اللافت امتلاك الكثير من مقومات التطور والإبداع والاستمرار. التبادلات الثقافية بين مختلف الولايات، هل ترى بأنها أعطت فعالية ودفعا للحراك الثقافي في مختلف أنحاء الوطن؟ الجزائر كما ذكرت في البداية بلد شاسع وغني بتنوعه الثقافي، وقد أتاحت هذه التبادلات فرص حقيقية للكثيرين، سواء أفرادا أو جمعيات أو فرق إمكانية عرض إبداعاتهم في مختلف ولايات الوطن، وتبادل الخبرات ونسج علاقات لم تكن متاحة لهم من قبل، بل يمكن القول أن هذه التبادلات الثقافية قد ساهمت بشكل مباشر في إنقاذ الكثير من ألوان الفنون والثقافات الشعبية من اندثار حقيقي كان يتهددها، وقد أصبحت جزءا من المشهد الثقافي المحلي والوطني. كما أن التبادل الثقافي والفني بين مختلف ولايات الوطن وفضلا عن استجابته لنداء الجزائر العميقة والخالدة، يعد أداة فعالة في تسجيل وحفظ تراثنا الثقافي والفني وتعزيز رصيد الذاكرة الوطنية. لكن ما أصبحنا نلاحظه في الآونة الأخيرة غياب أسابيع ثقافية بالولاية؟ توقفت الأسابيع الثقافية بولاية قالمة لسبب واضح، فالمدير السابق للثقافة كان نفسه محافظ المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية، ومحافظ مهرجان الإنشاد، ومحافظ مهرجان قراءة في احتفال، وعندما تم إنهاء مهامه لم يتم لغاية الآن تعيين محافظ آخر، وهنا لابد من ملاحظة الآثار السلبية، لعملية تركيز سلطة القرار الثقافي بيد شخص واحد، فلو جرى توزيع هذه المهرجانات على مختلف إطارات الثقافة، لكان ذلك أفضل وأقرب إلى العدل والفعالية والتوازن، فليس من المعقول أن نترك جميع الإطارات جانبا، ونضع سلطة القرار الثقافي المحلي استقبلت ولايتنا العديد من الوفود الثقافية لمختلف ولايات الوطن، ما هي الولايات التي تركت انطباعات أقوى، أو كان لها التأثير الأكبر على الجمهور القالمي؟ الواقع أن كل الوفود التي تم استقبالها بولاية قالمة، كان لأسبوعها الثقافي جوانب أثارت اهتمام الجمهور القالمي، لكن وكإجابة مباشرة ودقيقة على سؤالك، يمكن القول أن كل من ولايتي تندوف وتلمسان كان لهما وقع متميز، الأولى بطابعها الصحراوي الأصيل والثانية بزخمها الذي لا يقاوم، كما أن كل من مستغانم وتمنراست وأدرار جلبوا اهتمام الجمهور والعائلات القالمية، في حين كان الأسبوع الثقافي لولاية وهرانبقالمة هو الأضعف والأقل تأثيرا لافتقاره الواضح إلى الجدية والتنوع. وكيف تقيم مشاركة مثقفو قالمة وفنانيها في التظاهرات الثقافية، وهل من تكريمات تحصلوا عليها؟ العديد منهم حققوا نجاحات إبداعية، وتم تكريمهم في عديد الفنون، ففي الفن التشكيلي مثلا، نذكر الفنان المتميز بإبداعاته المستوحاة من التراث الإفريقي "سمير خلف الله"، وفي الفن البدوي "كمال القالمي" و«كمال بودبيزة"، وفي الغناء الصراوي الفنان المبدع "عادل مومنية"، أما في الكتابة الروائية فهناك الاسم اللامع "نوار ياسين"، وفي مجال الشعر "أحمد عاشوري" و«خشة عبد الغني" و«الجمعي خلايفية" في الشعر الشعبي، وغيرهم كثير. كمثقف كيف ترى مستقبل الثقافة في ولاية قالمة؟ سأبدأ من الحاضر الراهن، فالثقافة في ولاية قالمة تعيش منذ بضع شهور على وقع الأمل المُستعاد، وإذا أمكن لهذا الأمل المستعاد أن يستمر فلن أتردد في القول بأن المشهد الثقافي والفني بولاية قالمة، سيعرف تحولات ونجاحات بالغة الأهمية، وبعبارة أخرى فإنني كمثقف أسمح لنفسي بنوع من التفاؤل في هذا الصدد ولكنه تفاؤل حذر ومشوب بالتخوف، لأن تجربة السنوات الماضية، علمتنا أن الثقافة في ولاية قالمة كثيرا ما تسقط ضحية قرارات فوقية غير مدروسة، والكوارث التي خلفها مدير الثقافة السابق خير دليل على ذلك، ومع ذلك نعود ونتساءل هل للثقافة في ولاية قالمة مستقبل؟ نعم للثقافة في ولاية قالمة مستقبل، شريطة أن يفكر أصحاب القرار في مصلحة الثقافة، قبل تفكيرهم في مصلحة من يقود الثقافة في هذه الولاية.