تحل العطلة الشتوية هذه السنة في ظروف استثنائية، بسبب موجة البرد التي اجتاحت معظم مناطق الوطن، ما جعل مسألة الاستمتاع بها مرهون بها، وزاد غياب فضاءات الترفيه الطين بلة، لأنه وجودها يعطي الطفل أجواء مريحة ومسلية تحميه من موجة البرد، لأنها في الغالب تكون مغطاة ومهيأة. كيف ولماذا... في هذا الاستطلاع الذي أجرته «الشعب» بعنابة. الأوحال التي تخلفها الأمطار في الفضاءات الترفيهية على مستوى الأحياء الشعبية التي تكون في معظم الأحيان غير مغطاة، الأمر الذي جعل الأولياء يتجنبونها في هذا الفصل الممطر، لأنها تهدد صحة وحياة الطفل، فتراهم يغامرون في أحيان كثيرة بالذهاب إليها في عطلة الشتاء بدافع الرغبة القوية في تغيير اليوميات التي اعتادوا روتينها الممل... ولكنها تبقى فرحة غير مكتملة. توقف عن الدراسة لا أكثر ولا أقل... تجولت «الشعب» في بعض هذه الفضاءات بحي «عدل» بسيدي عاشور، أين تتواجد بعض مواقع التسلية، وهناك وجدنا مجموعة من الأطفال الذين كانوا ينظرون إلى الألعاب المختلفة بشغف وأسف، لأن المطر والبرد منعاهم من الاستمتاع بها في غياب تلك المغطاة والمهيأة لمثل هذه الظروف الطبيعية. كما لعبت رقابة الأولياء الصارمة دورا مُهما في بقائها فارغة، لا صراخ أطفال فيها ولا ضحكات تُعبر عن سعادة قلوب صغيرة تبحث عن كل ما يمنحها الفرح، لذلك أصبحت العطلة الشتوية عند أطفالنا مجردة من كل معاني الترفيه والتسلية، بل هي تقترن عندهم بالتوقف عن الدراسة لا غير. رغم ذلك، أصبحت العطلة الشتوية تحظى باهتمام كبير من الأولياء الذين صاروا يضعون لها برنامجا خاصا يجمع بين الراحة والمراجعة، خاصة للأطفال الذين لم يتحصلوا على نتائج جيدة خلال الفصل الأول من العام الدراسي لاستدراك أكبر قدر ممكن من المعلومات بما يسمح للطفل المتمدرس من الالتحاق بقوة إلى مقاعد الدراسة في بداية الفصل الثاني، ولكن دائما نعود إلى موضوع فضاءات التسلية غير المتوفرة، ما يجعل الأولياء في حيرة دائمة في الطريقة التي ستجعلهم يحققون هذا البرنامج دون الإخلال بأي واحد من شقيه. بين العائق والفرصة محمد، 45 سنة، وجدناه أمام إحدى الثانويات ينتظر، سألناه عن العطلة الشتوية فقال: «يبرز الاهتمام بالعطلة المدرسية الشتوية من خلال إعداد برنامج ثري يتم إعداده على أكثر من مستوى، وقد كانت المدرسة هذه السنة سبّاقة بفتحها أقساما للدروس الاستدراكية في الأسبوع الأول من العطلة، واقتصرت المبادرة على تلاميذ السنة الرابعة متوسط والسنة الثالثة ثانوي، لأنهم مقبلون على امتحانات رسمية، وهي مبادرة أراها جيدة ومفيدة كثيرا للتلاميذ. ومن خلال احتكاكي بأولياء التلاميذ يمكنني القول أنهم استحسنوها كثيرا، كونها تمنح فرصا جديدة أمام التلاميذ لاستدراك ما لم يتم استيعابه خلال الفصل الدراسي الأول، أو المراجعة أيضا حتى تترسخ المعلومات في الذهن». أما عبد الجليل، 50 سنة، فيجد الأمر تحايلا ويقول في هذا الصدد: «أرى تخصيص الأسبوع الأول من العطلة الشتوية للدروس الاستدراكية تحايلا من المدرسة، لأنها تمنع التلاميذ من الاستمتاع بها أو الخلود إلى الراحة بعد فصل طويل من العمل والاجتهاد، رغم أن العطلة وجدت لتحقيق هذه الغاية فمن حق التلميذ أن ينعم بالراحة بعد ثلاثة أشهر من الدراسة المتواصلة، ما يجعل التلاميذ غير قادرين على تجديد طاقاتهم للفصل الثاني، ما يعني أن قدرتهم في الاستيعاب ستقل بسبب ذلك. وهنا يمكن القول، إن مثل هذه الخطوة تحايل وتلاعب بمستوى التلميذ وبنتائجه الدراسية....». أيمن، 14 سنة، تلميذ بالسنة الرابعة متوسط، وصف أيامه الأولى في العطلة الشتوية بالمضنية فقال: «أجد صعوبة كبيرة في التحاق بالدروس الاستدراكية بالمدرسة في الأسبوع الأول من العطلة الشتوية، لأنني أنهض باكرا، في حين يكون إخوتي الصغار نائمين ويتمتعون بالعطلة بكل تفاصيلها بعيدا عن الدراسة أو الاستدراك، وحتى وإن تركوا لنا الأسبوع الثاني منها، فغياب المرافق الملائمة يجعل الاستمتاع بها أمرا مستحيلا، فالبرودة أبعدت عنا كل أمل في الخروج من الروتين اليومي على خلاف العطلة الصيفية التي تجعلها البرك المائية ممتعة ومسلية للغاية، ولا أستطيع فهم عدم وجوده، ففي كل سنة يتكلم الآباء عنها إلى المسئولين ولكن لا حياة لمن تنادي، والى إشعار آخر يبقى البيت الملاذ الوحيد لنا في عطلة باردة وممطرة». عمار، 14 سنة، تلميذ في الطور النهائي متوسط، يشاطر زميله أيمن في الرأي فيقول: «إلى اليوم لم أشعر أنني في عطلة، لأن الدروس الاستدراكية وإن لم تكن في نفس وتيرة البرنامج الدراسي المُكثف، لأنها تلزمنا بالذهاب والنهوض باكرا في الصباح، لذلك أتحرق شوقا للأسبوع الثاني منها، لأنها فرصتي الوحيدة للاستمتاع بها وربما سأستغله للذهاب إلى النشاطات المخصصة للأطفال المنظمة على مستوى دار الثقافة التي أصبحت محتشمة في السنوات الأخيرة أو الذهاب إلى المسرح لمشاهدة بعض الأعمال التي تتحدث عنها الإعلانات هذه الأيام». إقبال متذبذب على حديقة التسلية سيدي عاشور التخطيط الذي يقوم به الأولياء للعطلة أصبح غير ممكن، بسبب كل ما ذكرناه سابقا. ومن بين ما تفتقر إليه ولاية عنابة، حديقة حيوانات التي تزيد الحاجة إليها، خاصة خلال فصل الشتاء، الأمر الذي يحدُّ من اختيارات الأولياء والتلاميذ على حدّ السواء. وتعرف حديقة التسلية «سيدي عاشور» إقبالا متذبذبا للزوار، رغم أن العطلة تُعد فرصة ذهبية للذهاب إليها وأخذ الأطفال للاستمتاع بألعابها والوقت بصفة عامة، لكنها غالبا ما تكون مغلقة تحت عديد الأسباب، على خلاف أيام الدراسة التي يكثر فيها الإقبال على هذا المرفق، خاصة خلال أيام نهاية الأسبوع. كان من المفروض أن تعرف هذه الأخيرة حركية كبيرة وزيادة نشاطها، سواء بالنسبة للتلاميذ والأطفال المقيمين بمدينة عنابة، أو حتى القادمين من خارجها. وهنا يجدر الذكر، بأن برمجة الأولياء لمثل هذه الخرجات يزيد من متعة التلاميذ بعطلتهم المدرسية، حتى وإن كانت أسبوعا فقط وقد لا تتميز هذه العطلة عن سابقاتها مادامت المرافق نفسها، سيما وأنه حتى النشاطات الرياضية التي يفضلها الذكور أصبحت قليلة، وتقتصر على ما تنظمه بعض الجمعيات. حقيقة هناك بعض الخيارات الموجودة أمام التلاميذ للاستمتاع بالعطلة المدرسية، لكنها تبقى محدودة وغير مستغلة، مثل عدم استغلال المناطق الغابية الكثيرة المؤمنة والمهيأة والتي قد تساعد الأولياء على غرس ثقافة السياحة الغابية في أبنائهم للتمتع بروعة الطبيعة، خاصة وأن أعالي منطقة سرايدي تعرف تساقط الثلوج، ما يساعد على إثراء خيال الطفل وإبعاده عن الدوران في حلقة مفرغة يكون أفقها ضيقا لا يتجاوز جدران البيت، المدرسة أو ساحة الحي.