إعترف الوزير الأول السيد أحمد أويحيى بأن الأزمة المالية الدولية لم تستثني الجزائر بفعل أثرها على أسعار المحروقات، وما سينجم عنها من تراجع في مداخيل النفط وفي إيرادات الميزانية، بيد أنه حاول التخفيف من أعباء هذه الأزمة على الإقتصاد الوطني من خلال سرد مجموعة من الحقائق يعتقد أنها كانت غائبة، ولابد من تبيانها لطمئنة نواب المجلس الشعبي الوطني، ولكن أيضا الرأي العام الوطني والدولي أيضا. أولى الحقائق أن هذه الأزمة ليست الأولى التي تمر بها البلاد بل سبقتها أزمات أخرى بفعل تراجع أسعار النفط الى مستويات متدنية للغاية كما حدث في سنتي 1986 و ,1999 لكن ما ميز تلك الأزمات عن الأزمة الراهنة، كون الجزائر حاليا توجد في موقع أفضل بكثير ذلك بفضل ما أصبح يعرف بالفوائض المالية أو الوفرة المالية المتأتية من ارتفاع أسعار النفط طيلة السنوات الخمس الماضية. وعلى الرغم من بأن الأزمة الراهنة تعد مباغتة وقاسية كما وصفها الوزير الأول، إلا أن الجزائر تملك ما يكفي من الامكانيات تسمح بمواجهة المشاريع الضخمة المبرمجة في إطار البرنامج الخماسي، هذه الامكانيات تم توفيرها بفضل القدرات والاجراءات التي وصفها أويحيى بالحكيمة التي إتخذها رئيس الجمهورية. هذه الإجراءات تتلخص في ثلاثة محاور كبرى، أولها يتعلق الأمر بالنظام المصرفي الذي عرف إعادة هيكلة تسمح له بتطهير مالي عميق ووفق كل عمليات الخوصصة التي كانت مبرمجة والتي كانت ستبدأ بالقرض الشعبي الجزائري، لكنه تم تجميد كل إجراءات التفاوض للخوصصة بعد أن بدأت الأزمة المالية تعصف بالبنوك الأجنبية ولا سيما الأمريكية منها، في صبف العام الماضي، كما رفضت الجزائر ما أصبح يعرف حاليا بصناديق السيادة للاستثمار في الخارج، وكانت محقة في ذلك بعد أن تكبدت هذا النوع من الصناديق خسائر مالية كبيرة. أما المحور الثاني من الاجراءات، يشمل أهم حدث مالي واقتصادي في آن واحد عرفته الجزائر في سنة 2005 عندما تقرر التخلص وبصفة نهائية من ثقل أعباء الديون التي كانت جاثمة ولسنوات طويلة على كاهل الاقتصاد الوطني وشكلت عائقا حقيقيا لأي قرار تنموي يتخذ في حقبة التسعينات على وجه التحديد، فمن ديون فاقت 21 مليار دولار الى ديون لم تتعد 4 مليار دولار في الوقت الراهن، مثل هذا الاجراء الايجابي دعم صورة الجزائر في الخارج، خاصة تجاه شركائها التقليديين أو الجدد وحتى تجاه المؤسسات المالية الدولية التي اعترفت في العديد من المرات بهذا الإجراء الشجاع والقوي. ونظرا لبداية تراكم مهم في المداخيل المالية المتأتية من أسعار النفط، لم يعد بإمكان جميع المؤسسات والبنوك العمومية الاقتراض من الخارج بناء على قرار رسمي، الأمر الذي ساهم الى حد ما في عدم رفع حجم المديونية الخارجية، فضلا عن تقليص بنسبة تحويلات الشركات الاجنبية العاملة في الجزائر والذي جاء متزامنا مع صدور تعديل القانون الجديد للمحروقات. وبدأ أويحيى متفائلا وهو يعلن عن حجم احتياطي الصرف الذي ناهز 138 مليار دولار الذي يمكن استغلاله لتغطية متطلبات الحاجيات المختلفة لمدة خمس سنوات كاملة حتى ولو تراجعت أسعار النفط الى مستوى 30 دولار طيلة هذه المدة، وقد يتم توفير ما مقداره 50 مليار دولار. ومن المعلوم أنه ومنذ ارتفاع أسعار النفط كانت ايرادات الميزانية تحسب على أساس 19 دولار رغم أن الأسعار تجاوزت في الأسواق النفطية هذا الرقم بأربعة أضعاف وأكثر ومع بهذا إلتزمت الجهات الرسمية الحذر في رقم السعر المتوقع والذي انتقل إلى 37 دولار للبرميل في السنة الحالية والفرق كان يوضع في صندوق ضبط الموارد الذي انشأ خصيصا في سنة 2004 ويتوفر حاليا على حوالي 59 مليار دولار، فضلا عن ذلك الاجراء الآخر الذي مس المديونية الداخلية التي تراجعت من 1800 مليار الى 700 مليار دج، هذا التقليص المحسوس قد يساهم في وقت لاحق في الاستعانة بهذا النوع من الديون عند الحاجة من خلال الاقتراض من السوق المالي المحلي. وعليه فإن الظروف تبدو مهيئة من وجهة نظر الوزير الأول لمواصلة تنفيذ المشاريع المقررة في إطار البرنامج الخماسي دون اللجوء الى الاستدانة الخارجية بمزيد من العمل والتخلي عن فكرة الاعتماد المطلق على المحروقات. ------------------------------------------------------------------------