الدكتور بكاري صامب، أستاذ باحث بجامعة غاستون بارغر بسان لويس بالسينغال وعضو معهد الدراسات حول الأديان والحضارات والفن والاتصال، مسلم ويتقن اللغة العربية جيدا يشتغل على مكافحة كل أشكال التطرف والتعصب، ويرد على الاعتبارات الغربية الخاطئة للإنسان الإفريقي ويؤكد في هذا الحوار الذي خص به «الشعب» أن إفريقيا تملك جميع مقومات التقدم، وأن للجزائر مكانة ريادية تستطيع أن تلعبها. «الشعب»: صورة قاتمة تلك التي ترسخت في أذهان البعض، تظهر الإفريقي كإنسان عنيف ومتعصب بطبعه و أنه الأكثر تخلفا وجهلا، بل وغير قابل حتى للتطور، كيف تعلق على هذه الأحكام القاسية؟ وإلى ما تعود بعض السلوكيات المضرة بسمعة القارة برأيكم؟ د. بكاري صامب: الأكيد، أنه لاوجود لشعب في العالم يحتكر التطرف أو العنف، بحيث يكون سمة خاصة به تميزه عن الغير، فكل البلدان والقارات تمر أحيانا بأزمات أمنية وسياسية، فأوروبا قارة التقدم والتطور اليوم، عرفت أكبر بربرية في تاريخ البشرية بحربيها العالميتين خلال القرن ال20، والعالم العربي لم يستطع وإلى غاية الآن الخلاص من أزماته المتكررة و سوريا والعراق مثال صريح على ذلك، فالقارة الإفريقية لا يمكن أن تصنع وحدها الاستثناء أو ينظر إليها بهكذا صفة، وما يجري فيها لا يرتبط أبدا بطبيعة عنف خاصة بالإفريقي. وإفريقيا قارة، قلما اختارت أو صنعت مصيرها بيدها، فتاريخها يسجل ثلاثة قرون من العبودية وقرنين من الاستعمار الذي أعقبته هيمنة سياسية واقتصادية لازالت متواصلة وعلى هذا الأساس، الجميع على وعي بحجم الصعوبة، وكيف لقارة كهذه أن تجد السكينة للقيام بتنمية متناغمة، وصناعة سلم وأمن. ولكن في المقابل، إفريقيا مطالبة بالأخذ بمسؤولياتها بدل مواصلة الانتحاب والتحسر، ولا بد أن تصبح على دراية ووعي بمكان مصالحها. ^ بعد أزيد من 50 سنة من الاستقلال، لازالت بعض البلدان عرضة للاضطرابات وتعيش حالات انقلابات، قتل، أمراض مزمنة وحروب أهلية وعرقية فتاكة، ما مرد ذلك؟ ^^ أولا، الأفارقة من جيلنا يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم، اليوم القارة تتوفر على جميع الموراد البشرية لاستيعاب وقراءة المستقبل بشكل مغاير، لا يمكن تحميل المسؤولية وإلقاء اللوم على المرحلة الكولونيالية وحدها، يجب امتلاك تلك الجرأة على مواجهة المستقبل بإرادة قوية في التخلص من الانقياد والتبعية، وثانيا لا أعتقد أن هذا مرده الخصائص الإفريقية، فنحن نعاني كذلك من مسؤولين ورؤساء، مستعدون للتضحية بشعب كامل من أجل الحفاظ على مكانتهم في السلطة. ^ رأينا في السنوات الأخيرة، إقحام الدين في الأزمات كما تعرفه نيجيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان قبل التقسيم، حيث تبرز كتناحر بين المسلمين والمسيحيين، ومع بروز ظاهرة الإرهاب في القارة وإلصاقها زورا بالإسلام، هل يمكن أن نرى صدامات أخطر مستقبلا؟ ^^ الصراعات الدينية، هي نتيجة للتلاعب والاستغلال السياسي للأديان، ولا حظنا ماذا فعل «الإسلام الراديكالي» في الجزائر حيث لم تتوقف أعمال القتل طيلة 10 سنوات، ولحسن الحظ استطاعت الجزائر أن تعيد الأمور إلى ناصبها، وتجربتها الناجحة في مكافحة الجماعات الإرهابية يجب أن تخدم البلدان الإفريقية الأخرى كي تستفيد منها. وما يجري في جمهورية إفريقيا الوسطى، هو نتيجة لأفعال أشخاص أرادوا استغلال الدين الإسلامي للوصول والبقاء في الحكم. الإسلام دخل إفريقيا منذ القرون الوسطى، والكل يتحدث عن هجرة أول فرقة من المسلمين إلى إثيوبيا (الحبشة) في عام 613 م، حينما قام ملك مسيحي بحماية المسلمين الأوائل من بطش سكان قريش، والمرابطون الذين أوصلوا الإسلام إلى مساحات واسعة من الصحراء وبلاد المغرب، انطلقوا من ضفاف نهر السنغال، فالأفارقة ليس لديهم أي مشكل مع الإسلام الحنيف، وأكرر أن ما يجري في إفريقيا أو في أي بلد آخر هو نتجية للتحريض والأطماع السياسية فقد عاش المسلمون والمسيحيون سابقا في هذه البلاد في سلام وتسامح. ^ كيف يمكن، القضاء على كل مظاهر الانقسامات والنزاعات العرقية والدينية في القارة، ويتم خلق وعي جماعي بأهمية الدولة الوطنية الجامعة لكل الأقليات والفئات الاجتماعية بعيدا عن أية انتماءات سياسية؟ ^^ يجب الاستثمار في التربية والشباب، فعندما تكون الطاقات الشبانية الهائلة التي تمتلكها القارة مكونة كما ينبغي وواثقة من نفسها، تستطيع مواجهة كافة التحديات بدل أن تكون فريسة للجماعات الإرهابية التي تتصيد بؤس وهشاشة شبابنا في أعمالها الإجرامية، وفي هذا الإطار يجب أن تستمر الجزائر في فتح أبوابها لاستقبال الشباب الإفريقي في جامعاتها ومعاهد التكوين، لأن لديها الإمكانيات الاقتصادية لتصبح قوة رائدة في الساحة الإفريقية، وهي دولة مرت بأوقات صعبة لكن كانت لديها الشجاعة الكاملة لوضع حد للتطرف والعنف، وهذه التجربة مهمة لإفريقيا إذا نجحت الجزائر في رهان الديمقراطية. ^ الخطاب المستقبلي اليوم مبني على أهداف ومشاريع طموحة جدا، كيف تتوقع مستقبل الشعب الإفريقي، وهل هو قادر على تجاوز هذه المرحلة الحالكة ورد الاعتبار لذاته؟ ^^ أقول في الأخير، أن الوقت قد حان لإحداث القطيعة مع استيراد الإيديولوجيات الغربية الجاهزة، وإيجاد خياراتنا الخاصة بنا، أكيد هناك مشاكل، لكن هناك أمل كبير أيضا، يعطي لقارتنا الحق أن تتطلع إلى ما هو أفضل، فلديها مجتمع يافع، وموارد منجمية وطاقوية معتبرة، وفي ذات الوقت تعرف آسيا اكتظاظا وتشبعا ومازالت أوروبا غارقة في الأزمة، ستظل أفريقيا قارة المستقبل.