الاستعمار المعنوي هو سلاح الغرب الجديد حواء بوكار لي طال، باحثة في علم الاجتماع وواحدة من النساء اللواتي كرسن حياتهن للاهتمام بانشغالات المرأة الإفريقية، وحرصن على تقديم صورة إيجابية عن حضورها وتمثيلها الاجتماعي والثقافي من خلال البحوث التي قدمتها، وكذا ضمن نشاط شبكة النساء الإفريقيات التي أنشأتها سنة 1998 من أجل ترقية وتطوير أوضاع الأفارقة في بلد الهجرة كندا، وكذا الدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية. وعلى هامش مشاركتها الأخيرة في الملتقى الدولي للأمير عبد القادر كان لنا معها هذا الحوار. في البداية سيدة بوكار، ما الذي قدّمه نشاطكم للمرأة الإفريقية؟ بالطبع قدم الكثير وساهم في العديد من الانجازات، فقد نظمنا ملتقى سنة 1999 بعنوان "نساء وقوة" طرح إشكالية مساهمة إفريقيا في الحياة الإنسانية، وشاركت فيه العديد من الشخصيات منها ماري سكوني من جزر الكارييب، فاطمة اودابيي، من المغرب، التي تحدثت عن نساء شمال إفريقيا وغيرهن كثيرات. كما شاركن في مهرجان السينما الإفريقية واستعرضن الدور الذي قامت به المرأة الإفريقية في الماضي، والذي تقوم به اليوم في ظل العولمة والمتغيرات التي تفرضها التكنولوجبا الحديثة، سواء تعلق الأمر بدورها في بلدها أو البلد الذي يستقبلها على أرضه. تقيمين منذ مدة في كندا، كيف تقيمين ظروف الجالية المسلمة في هذا البلد؟ بحكم إقامتي في كندا، أرى أن جهود المثقفين المسلمين تكاثفت للدفاع عن العديد من القضايا من جهة منها الإسلام، المرأة، أو للوقوف في وجه مختلف الممارسات من جهة أخرى على غرار العنف، الرشوة الاعتداءات وغيرها، وتفرض علينا الضرورة الإجابة على مختلف التساؤلات والتجاوزات التي تسيء للإسلام والمسلمين، كما حدث مع الرسوم الكاريكاتورية التي أساءت للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي حركت مشاعر الجالية المسلمة في كندا وبرهنت على وحدة المسلمين أينما تواجدوا. ما الذي تمثله الطريقة التيجانية بالنسبة لحواء بوكار؟ في الواقع الانطلاقة كانت بالبحث عن الإجابات للعديد من التساؤلات، فقررت النضال والاستماتة في وجه كل من يمس الإسلام بسوء، وكل البحوث التي قدمتها تصب في هذا المجرى، وشيئا فشيئا وجدت نفسي أنتهج نهج الأب الروحي للطريقة التيجانية في السينغال الشيخ عمر طال في دفاعه بالدرجة الأولى عن المرأة، وباعتباري أنتمي الى العائلة فأنا ابنة الجيل الرابع، وكما هو معروف من يتربى على مبادئ معينة لا يمكنه الخروج عن مسارها، وهذا شيء طبيعي، لأن المرء يجد نفسه يدافع عن مبادئ تعلمها منذ الصغر دون أن يعي مفهومها. لكن البحث منح لي فرصة التدقيق والغوص فيما تعلمته سابقا والغوص أكثر في الطريقة التيجانية. قلت إن الأمير عبد القادر والشيخ عمر طال يلتقيان في نقاط عديدة؟ بالطبع يتقاطع فكر كل واحد مع الآخر وحتى قصتهم تتشابه إلى حد ما، فكلاهما حفظ القرآن صغيرا وأظهرا قوة شخصية خارقة، كما تنبأ لهما الأعيان والعلماء وقتها بمستقبل قيادي، حيث توقع أن يكون عمر طال أحد ناشري الإسلام في إفريقيا لكنه ليس هو من أدخل الإسلام إليها، فالإسلام يتواجد بإفريقيا منذ القرن ال 8 م، كما أن كلاهما زار مكة صغيرا، الشيخ عمر في سن ال 23 سنة والأمير عبد القادر في سن ال 8 مع والده وعاد في سن ال19، إلى جانب رحلاتهما الى كل من مصر، سوريا، فلسطين، تونس، إلى جانب أن كلاهما تجند لتحسيس الشعب والدفاع عن حرية بلده، فالأول أسس الدولة الجزائرية الحديثة والشيخ عمر طال وحد القبائل وممالك غرب إفريقية منها مالي، الطوغو وغيرها. إذن تمنحين كل وقتك للانشغالات الإفريقية؟ بحكم عيشي في أمريكا الشمالية أجدني أتساءل دوما حول ما يمكن أن نقدمه معا نحن كأفارقة، وما هي السمات المشتركة بيننا لنتكافل مثل الاتحاد الأوروبي كمجموعة تتكون من 27 دولة، وكذا مجموعة أمريكا الشمالية بكل من الولاياتالمتحدةالأمريكية، كندا والمكسيك التي أسست مناطق اقتصادية وثقافية هامة، فأجدني أتساءل دوما حول الإجراء الكفيل بلم شمل كامل إفريقيا للدفاع عن ثرواتها، مبادئها وهويتها.. وهو ما جعلني أعتمد هذا النموذج الدفاعي عن المرأة الإفريقية والمستمد من المنهج التصوفي سواء تعلق الأمر بالطريقة التيجانية، الشاذلية، وغيرها من الطرق الإسلامية الصوفية، وهي كلها تخدم الإسلام وتدافع عن المرأة بطريقة إنسانية مميزة. كيف يمكن - حسب رأيك - أن تصنع إفريقيا منطقة قوتها الاقتصادية والثقافية؟ الجزء الشمالي من إفريقيا والجزء الجنوبي من صحرائها غنيان بالعديد من الثروات المحلية، على غرار الغاز الجزائري، خضر وفواكه المغرب، الفوسفات السينغالي، الحديد الموريطاني، الحرف التقليدية لبوركينافاسو، البترول النيجري وغيرها. وبكل هذه المقومات يمكننا صناعة منطقة اقتصادية قوية للقارة السمراء، ونفس الشيء يمكن اعتماده على المستوى الثقافي والديني. ما السبيل الى تحقيق الوحدة الإفريقية على المستوى الثقافي والديني؟ عن طريق إسلامنا الصوفي الذي تشترك فيه معظم هذه الدول فالطريقة التيجانية، وغيرها من الطرق، منتشرة في العديد من الدول الإفريقية، وكذا خاصية الفرونكوفونبة التي تميزها، أضف إلى ذلك التاريخ المشترك بينها على اعتبار أن البلدان الإفريقية تعرضت للاستعمار، وواجهت نفس المصير. تدافعين عن المرأة وحقوقها، هل تعتقدين أن المرأة تملك حضورا قويا في المجتمع السينغالي؟ بالطبع أعتقد أن الدور الذي منحه الأمير الجزائري للمرأة هو نفسه الذي دافع عنه الشيخ عمر طال وانتهجه سلفه من أتباع الطريقة التيجانية، وغيرها من طرق التصوف وربما أفضل من المكانة التي تحظى بها المرأة العربية. ونحن في شرق إفريقيا نحترم المرأة، على الرغم من أنها تعيش بعض التجاوزات لكن حقوقها أفضل من تلك التي تحظى بها المرأة في العديد من البلدان الإفريقية. تحدثت عن تفاوت حضور المرأة بين إفريقيا الشمالية والجنوبية، هل من تفصيل في الموضوع ؟ أعتقد أن المرأة الإفريقية من الجنوب لديها مكانة أفضل وحضورا قويا مقارنة بالمرأة الإفريقية العربية، وهو تصوري الخاص لكنني لا أستطيع تحديد على أي مستوى. غير أن السبب - حسب رأيي - يعود إلى أن الإسلام لم يفعل دور المرأة الإفريقية العربية المسلمة، ومنحها مكانة لما ترقى إلى تلك التي نص عليها الإسلام. إذن؛ لماذا اختارت حواء بوكار الدفاع عن حقوق المرأة الإفريقية من المهجر ولم تبق للدفاع عنها في السينغال؟ أنا لم أختر الهجرة فكما يعرف الجميع أن حياة المرء محددة بالعديد من المتغيرات، وأنا بعد حصولي على البكالوريا لم أشأ إكمال دراستي الجامعية في فرنسا، والوصول الى مرتبة باحثة تطلب مني الحصول على شهادة الدكتوراه، وبالفعل تحصلت على منحة للدراسة في الخارج فاخترت كندا وكانت لي فرصة الظفر بالإقامة هناك، كما أنه أحيانا نستطيع العمل أفضل من خارج الوطن ولصالحه، لكنني ورغم إقامتي بكندا لم أقطع الصلة مطلقا بوطني الأم وبأصولي الإفريقية المتجدرة بداخلي. لماذا رفضت الدراسة في فرنسا؟ بكل بساطة لأنها دولة مستعمرة، وما خلفه تعاملها مع الأفارقة، وغيرها من الأمور الكثيرة التي شوهت صورة هذا البلد في عينية ومنعتني من اختياره لمواصلة تعليمي الجامعي. هل تقصدين بأصولك الإفريقية السينغال أم إفريقيا كقارة؟ ليس بالضرورة السينغال، فلا أحد يتنكر لأصله وهو شيء مفروغ منه، لكنني لا أميز بين بلد إفريقي و آخر لأنني في 2007 و 2009 كنت بالمغرب، كما زرت الجزائر، وهي أول رحلة قمت بها من كندا، حيث كنت ضمن لجنة الخبراء الكنديين باعتباري الإفريقية الوحيدة التي اختيرت، بحكم اختصاصي في المسائل الإفريقية وعملي بكندا أتاح لي المشاركة أكثر في خدمة العديد من القضايا الإفريقية، خاصة منها مسائل المرأة الإفريقية، ورغم أنني أقيم في كندا، إلا أنني أتكلم عن إفريقيا وأحاول إيصال صورة إيجابية عنها ومحو الصورة السلبية التي طالما رسمها الغرب لها، لذلك فحتى وإن كنت اخترت الغربة للتزود بالعلم فإنني أعمل من اجل إفريقيا وأعتقد أنني أجد نفسي في كل إفريقيا. هل يعني ذلك أن إفريقيا حاضرة في التفكير الجماعي للأفارقة المغتربين بكندا؟ بصورة مطلقة لدى كل من الباحثين، المثقفين الشباب وحتى الناس البسطاء، بالإضافة إلى تفعيل الثقافة الإفريقية في كندا، على غرار يوم المرأة الإفريقية الذي تقدم فيه حصيلة انجازات المرأة الإفريقية في كندا وإظهار ما تقدمه على أراضي الكيبيك، والأمثلة كثيرة، فهناك نساء مختصات منهن علماء اجتماع، قضاة، كاتبات ومقاولات وبالتالي يساهمن في الغنى الثقافي الكندي، وعلى هذا البلد الاعتراف بدورهن القار في الرقي بالمجتمع الكندي. كيف يتعامل الأفارقة مع تاريخهم؟ بالطبع المرحلة الاستعمارية بقيت محفورة في ذاكرة كل الأفارقة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، وأكبر عنف عرفته الجزائر، لكننا نتحدث دوما بشدة عن الاستعمار، ونادرا ما نتحدث عن المقاومة منها مقاومة الأمير عبد القادر. والحقيقة أننا نفقد أساس التربية الحقيقية لأجيالنا القادمة، فلو حرصنا على تعليم أبنائنا أن هناك استعمار وهذا لا مفر منه، لكن هناك من تصدى له وبشراسة نتحدث عن الأمير عبد القادر، الشيخ عمر طال، الملكة الازنقا وغيرهم من الأسماء التي قدمت الكثير لاستقلال بلدانها. وأعتقد أنه حان الوقت لمراجعة البرامج التربوية بالتركيز على الإيجابيات وعلى رأسها المقاومات وتجاوز السلبيات، لأن الغرب اليوم يقوم باستعمارنا معنويا، لأن في برامجنا لم نضع نهاية لتواجد الاستعمار ولم نضئ جانب المقاومة من تاريخ الدول الإفريقية، لأننا لا نحسن الدفاع عن ماضينا وأعلامنا. هل تتضافر الجهود الإفريقية في كندا من أجل أهداف افريقية مشتركة؟ أكيد هناك عمل متواصل ووعي كامل بضرورة التعاون للنهوض بالفكر الإفريقي من خلال الملتقيات التي تنظم هناك والمحاضرات التي تنشطها نخب المفكرين والباحثين وهذا خدمة لأبناء إفريقيا، لأن الجميع يعمل لهدف واحد وهو الرقي بالتمثيل الإفريقي إلى المستويات العليا، وهو ما تقدمه مؤسسة بيت إفريقيا مثلا، ونظم معرض للأمير عبد القادر بالمناسبة، كما احتضن البيت ملتقى حضرته العديد من الشخصيات من كامل إفريقيا. انطلاقا من اختصاصك، ما هو تحليلك للأوضاع التي يعيشها العالم العربي اليوم وبعض الدول الإفريقية من سيطرة لغة السلاح على لغة الحوار؟ أولا أنا لا أحبذ مطلقا مصطلح الربيع العربي الشائع استعماله، لأن من أطلقه على ما يحدث في الدول العربية هو فرنسي، وهذا شكل آخر من أشكال الاستعمار لأن حدثا يصنعه العرب يجب تسميته من طرفهم. وأنا أفضل الثورات العربية، وما حدث في تونس كان متوقعا مند حكم بورڤيبة، وفرنسا كانت تعرف حق المعرفة ما يفعله بورڤيبة وبن علي بالشعب التونسي لكنها كانت متواطئة، وكان يجب على الشعب التونسي أن يستفيق، وهو ما أسميه ثاني حركة تحررية من طرف الشباب الإفريقي، وأعتبره إيجابي لأنه سيحقق الكرامة، فكل ما يندرج تحت الضغط مثل العبودية، الاستعمار وغيرها إن طال أمدها أو قصر ستنفجر لا محالة. ونفس الشيء حصل في السينغال من أجل اختيار رئيس الدولة ويحدث في مصر، حيث لا يمكن المرور من مرحلة مبارك الذي دعم من طرف الأمريكيين، ولا المرور على مرحلة بن علي بتواطؤ فرنسا دون سقوط ضحايا هذا النظام، فلا تصفية إلا بعد الفوضى، وهو ما يجري اليوم في هذه الدول الإفريقية والعربية لكن الأمور ستستقر إن شاء الله، وأملي كبير في شباب إفريقيا والأمة العربية. هل فكرتم في التعاون مع باحثين جزائريين في مجال البحوث الاجتماعية؟ الطبع، في هذا الصدد، أود أن يصاغ هذا العمل في إطار الوحدة الإفريقية لجمع كل مقومات القوى الإفريقية، ووضع اليد في اليد لاستغلال ثرواتها من طرف أبنائها لأنهم أولى بذلك، لكنني أحاول العمل على الطريقة التيجانية في الجزائر، وأنا بصدد ربط علاقات تمهد لي الطريق لإنجاح عملي. هل قرأت حواء بوكار من الأدب الجزائري؟ قرأت الكثير عن المرأة القبائلية وعن غناء النساء القبائليات، غير أنني لا أعرف الكثير عن الكتاب الجزائريين، وجل ما قرأته كان للكاتبين رشيد بوجدرة، وياسمينة خضرة.