ونحن بصدد إجراء هذا الحوار، اقترب منّا عضو في إدارة إنتاج الفيلم التاريخي مصطفى بن بولعيد، وقال: «اكتشفنا سليم، بعد أن اتّصلنا بالموسيقار الإيراني الشهير، علي غولي محمد رضا، لتأليف موسيقى الفيلم، فأجابنا لم تطلبون منّي ذلك ولديكم مؤلف شاب ومتميز اسمه سليم دادة؟»، وهذه شهادة تؤكّد وجود مواهب وكفاءات جزائرية نكتشفها من الخارج. ❊ الشعب: استدعيتم للمنتدى الدولي «فكرة» بفتك أحد ألمع المواهب الجزائرية في الفن الموسيقى، بينما يجهل كثيرون وجود فنان وموسيقار اسمه سليم دادة؟ ❊❊ سليم دادة: أنا مؤلف موسيقي وباحث في العلوم الموسيقية، بدأت عصاميا في الجزائر وتخصّصت في الدراسات الطبية ونلت الدكتوراه من كلية الطب، وكنت في نفس الوقت مهتم بالموسيقي وأعمل على تطوير مهاراتي فيها، وأسّست العديد من الفرق الموسيقية والإنشادية في مختلف الطبوع العربية، الجزائرية والأندلسية، بالبليدة، الأغواط وسكيكدة، وانتقلت بعدها إلى التأليف ودرست الكتابة الموسيقية بالمدرسة العليا للأستاذة بالقبة والمعهد الوطني للموسيقى. ومنذ 2006 صرت مؤلفا موسيقيا مقيما لدى الاوركسترا السنفونية الوطنية. ثم سافرتُ إلى إيطاليا، وقمتُ بقيادة الأوركسترا بعدما تحصّلتُ على منحة من الحكومة الايطالية، ومنها وفي فرنسا عملت على البحث الموسيقي في جامعة السربون التي تحصلت منها على شهادة الماجستير. وأواصل هناك دراستي العليا لنيل الدكتوراه، وأنا الآن مؤلف موسيقي مقيم في الاوركسترا السنفونية «ليفيتمونتو» الباريسية. ❊ اخترتم إذا الاشتغال على التأليف الموسيقي على الطب وعلاج المرضى؟ ❊❊ نعم..بالموسيقى أداوي الأذهان، فهي علاج للنفوس، وبألحان الأوركسترا السيمفونية نستطيع أن نقدم للمرء ما يجده في ميادين أخرى، فالفن من الأشياء التي يبحث عنها الإنسان دائما بحسّه وذوقه. ❊ تعملون على تحضير رسالة دكتوراه حول الآذان وأبعاده الفنية والثقافية، ماهي الدوافع التي جعلتكم تشتغلون على موضوع كهذا يبدو للوهلة الأولى متميزا وغريبا في آن واحد؟ ❊❊ أاشتغل في بحثي عن الآذان في مجال البحر الأبيض المتوسط، أين توجد ثقافة التعلم كأساس نظري، ولدي ميدانان للبحث لتقصي مصادر تعلم المؤذن، فإما عبر التواصل أو التعلم من جامعة الأزهر أو جامعة القرويين بفاس، وأعمل على الأبعاد التاريخية الثقافية والجمالية لأن طريقته تختلف من منطقة إلى أخرى وتعبّر عن هوية المجتمع الذي يعيش فيه المؤذن. وأحاول في البعد الفني، إبراز كيف يكون الآذان وسيلة للتعبير ومصدر إلهام في التأليف الموسيقي، فأعتقد فهو لا يخلو من هذا البعد، فالرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الآذان، طلب من عبد بن زيد أن ينادي بالآذان بلال، لأنه أندى صوتا منهم، ولم يقل أنه أتقى أو أسبق منهم إلى الدين، بل ذهب مباشرة للصوت. وصحيح قد يبدو هناك احتكاك، ولكني أريد أن أفتح هذا المجال دون الدخول في القضية العقائدية، فما أريده هو الهوية والجانبين الاجتماعي والانثربولوجي وهذه يعرفها من عاش في أوروبا، حينما يفتقد سماع الآذان، فيما لا يمكن تخيل الجزائر أو اسطنبول أو أي مدينة إسلامية دون آذان، فهو منبه للوقت وركن راسخ في ثقافتنا الإسلامية. ❊ قمتم بتأليف موسيقى فليم «مصطفى بن بولعيد» الذي يعد من أكبر الأعمال السينمائية الجزائرية، كيف تصفون هذه التجربة؟ ❊❊ فيلم «مصطفى بن بولعيد»، أول عمل كبير أقوم به، رغم أنه سبق لي تأليف موسيقى أفلام ومسلسلات صغيرة، ولكنها تجربة مهمة ومفيدة بالنسبة لي، استغرقت شهرا في الكتابة بولاية الأغواط، وسجلتها مع إيطاليين في منطقة على الحدود النمساوية وقمت بالتركيب، واحترمت دفتر الشروط كما ينبغي. أما الأهمية الخاصة لهذا العمل بالنسبة لي، تكمن في أنه ولأول مرة في تاريخ السينما والأفلام الجزائرية، يكون المشرف على الموسيقى من التأليف إلى التركيب جزائري. ❊ رأينا بعض أعمالكم المستنبطة من الموسيقى الجزائرية التقليدية، ماذا تريدون أن تنقل عبر الأوركسترا السنفونية؟ ❊❊ أنجزت سلسلة أعمال «اسمها مناظر جزائرية»، ركّزت فيها على الهوية الموسيقية الجزائرية، وقمت باختيار بعض الألحان البدوية التي لم يتم تناولها يوما في إطار سيمفوني، مثل أغنية بنت الصحراء للراحل خليفي احمد، وأردت إيصالها إلى العالمية، فالطبوع الشاوية، النايلية والبدوية ظلت لسنوات وعقود منغلقة محليا، وحاولت إخراجها ونقلها للعالم عبر الاوركسترا السيمفونية. وأعمل حاليا أيضا في الوقت الحاضر على مشروع بحث حول آلة موسيقية جزائرية إسمها الكويطرا، أسميته «نوبة الكياطري»، فأريد دائما نقل وإخراج كل ما يعتبر تراثا وتقليدا إلى العلن وتقديمه بطريقة متميزة موسيقية تمزج بين الحداثة والأصالة. ❊ ما هي أهم القيم والمعاني التي تحملها موسيقى الأوركسترا السيمفونية التي بقيت ميدانا مبهما لدى الجمهور العام؟ ❊❊ الأوركسترا السيمفونية تنقل قصصا وروايات، وبالتالي لها معاني عميقة وقيم وأفكار تسعى لنشرها، وسأقوم بعمل في مارس المقبل يشارك فيه 96 عازفا من 6 إلى 16 سنة، فيه مجموعة القصص تروى بواسطة الآلات الموسيقية والألحان.