يعد المتحف العسكري للمقاومة بمخيّمات اللاّجئين الصّحراويين واحدا من المعالم المهمة التي تعكس صمود ووقوف الشعب الصحراوي في وجه الاحتلال المغربي، ومن لم يزر هذا المتحف خلال فترة تواجده بالمخيمات يكون قد ضيع على نفسه فرصة مهمة للتعرف على تاريخ نضال شعب متمسك بالحرية ومصرّ على تقرير مصيره مهما كان الثمن .. بمجرد الدخول للمتحف الوطني للمقاومة الواقع بمخيم الشهيد الحافظ، تقابلك جدارية عملاقة مرسوم عليها صور الرئيس الحالي محمد عبد العزيز والشهيد الولي مصطفى السيد، إضافة إلى أقدم مفقود صحراوي وهو محمد سيد إبراهيم بصيري الذي خطف من طرف قوات الاحتلال المغربية في سنة 1970 و لحد الآن يجهل مصيره إن كان حيا أو ميتا. الشهيد الولي الشخصية الأكثر حضورا انتقلت إلى جناح آخر من المتحف الوطني للمقاومة وهو الجناح الذي يحمل الكثير من الدلالات والرمزية ويجسد الشخص الأكثر حضورا في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والغائب بجسده وروحه، إنه مفجر ثورة العشرين من ماي وقائدها الشهيد الولي مصطفى السيد. الرجل حاضر في المتحف بصوره وبطاقاته الشخصية والجامعية ... ببندقيته القتالية ... برسائله و أوامره وتوجيهاته، وباختصار حياة الرجل القصيرة (28عاما) كاد يعكسها بالكامل جناحه بالمتحف الوطني للمقاومة. وتتواجد في جناحه أيضا بطاقة تعريفه التي تعد أول وثيقة هوية صحراوية تصدر في التاريخ، وجواز سفره الليبي الذي كان يستعمله في تنقلاته وسفرياته الخارجية....كما احتوى الجناح على الكثير من الصور الفوتوغرافية التي تعكس العديد من أنشطته أبرزها لقاءاته مع الرؤساء هواري بومدين ... ومعمر القذافي .... وتبقى الصورة الأكثر تعبيرا تلك التي تجمعه بالزعيم الفيتنامي المعروف الجنرال جياب وبعض ندواته الصحفية . في الجناح أيضا أوراق بخط يد الشهيد تتضمن بعض التعليمات والأوامر التنظيمية التي أصدرها لبعض القيادات، إضافة إلى بعض المذكرات والرسائل التي قدمها باسم جبهة البوليساريو إلى العديد من المؤتمرات الجهوية والقارية، ومنها رسالة إلى مؤتمر أغادير الذي انعقد يوم1973/05/19 بحضور الرئيس الراحل هواري بومدين والموريتاني المخطار ولد داداه والملك المغربي الحسن الثاني، ومنها مذكرة إلى مؤتمر الوحدة الإفريقية الذي انعقد بمقديشو يوم 1976/05/26 . غنائم عسكرية وبقايا حطام طائرات مغربية انتقلت بعدها إلى جناح الأسلحة التي غنمها الجيش الصحراوي في المعارك الطاحنة التي خاضها ضد الجيش المغربي المحتل . نماذج الأسلحة المعروضة متعددة الأشكال والأنواع والمصادر... فيها بقايا طائرات ومدفعية ثقيلة ودبابات وعربات مصفحة، منها ما صنع في الاتحاد السوفيتي السابق بينما صنع بعضها من قبل نظام "الابارتيد" في جنوب إفريقيا. وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها من الدول الكثيرة التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في سياسة الإبادة الجماعية للشعب الصحراوي التي انتهجها الجيش المغربي منذ سنة 1975. تجولت بين الأسلحة المعروضة التي خصصت لها قاعات كبيرة ونظمت بشكل جيد وعلقت على كل آلية منها أعلام الدول التي صنعتها، وكل الأسلحة فيما يبدو في حالة فنية جيدة . ومن بين الأسلحة المعروضة يوجد: دبابة أس كا105 ملم صنع مشترك ألماني فرنسي نمساوي . مدفع ذاتي الحركة عيار 155 ملم من صنع فرنسي وهو قوة ارتكاز مدفعية مغربية وقد غنم في معركة جرت في خلف دفاعات الجدار المغربي بحوالي 10 كلم. . مدفع هاون عيار 105 ملم من صنع إسباني وفرنسي .مدفع 85 ملم صنع في الاتحاد السوفياتي السابق . مدفع 105 ملم صناعة أمريكية . مدفع 106 ملم من صنع إسباني وأمريكي . . عربات مصفحة من نوع أ.م.ل 90 وهي من صنع نظام "الابارتيد " في جنوب إفريقيا . عربات مصفحة للقيادة والسيطرة من نوع بان هارد أم 3 وهي من صنع فرنسي ناقلات جنود فرنسية من نوع فاب . . جناح الغنائم إحتوى أيضا على سيارات وشاحنات مختلفة من صنع أمريكي وفرنسي . وعموما كل الغنائم المعروضة تثبت لجوء الجيش المغربي في تسليحه إلى انتقاء أجود الأسلحة وأكثرها قدرة على الحرب في الأماكن الصحراوية ... بغض النظر إن كانت هذه الأسلحة مصنوعة في الشرق أو الغرب أو كان مصدرها أنظمة معزولة دوليا كنظام "الأبارتيد" في جنوب إفريقيا فغاية الجيش المغربي كانت تبرر وسيلته . وقد لعبت أنظمة عربية سابقة دورا بارزا في شراء الكثير من هذه الأسلحة أو توسطت لدى الدول المصنعة لتزود بها المغرب وذلك قصد كسر شوكة جيش التحرير الشعبي الصحراوي والحد من تفوّقه الميداني . قاعة الوثائق السرية قاعة الوثائق من القاعات المهمة في المتحف، وقد احتوت على الكثير من الوثائق الإدارية والحربية بعضها غاية في السرية تم غنمها في العديد من المعارك التي خاضها الجيش الصحراوي ضد الجيش الإسباني أو الجيش الموريتاني والمغربي . من بين الوثائق السرية المعروضة وثيقة تحتوى على تعليمات ملكية تحدد التشكيلات العسكرية المغربية في الصحراء الغربية صادرة يوم . و وثيقة ملكية أخرى وسرية تتضمن أوامر من الملك الحسن الثاني ، إلى القادة العسكريين حول اتفاقية الدفاع المشترك بين الجيش المغربي والموريتاني شهر 05/11/ 1976. بعض الوثائق المعروضة عبارة عن خطط عسكرية ووثائق فك الشفرة المغربية، ومشاريع مناورات تدريبية وتقارير سرية عن هجمات لمقاتلي الجيش الصحراوي على الوحدات العسكرية المغربية . القاعة تحوي أيضا سجلات وملفات تضمنت متابعات قضائية لبعض الجنود والضباط ودفاتر آليات ودفاتر صحية، ودفاتر شيكات وتراخيص مرور وبطاقات تعريف وبطاقات عسكرية مغربية وموريتانية لبعض الجنود والضباط، كما عرضت في القاعة شهادات تخرج لضباط مغاربة من أكاديميات ومدارس عسكرية أمريكية وفرنسية . كما توجد في القاعة أيضا نياشين وميداليات ورتب عسكرية مختلفة لضباط وضباط صف مغاربة وموريتانيين احتواها صندوق في القاعة، وبجانبه صندوق آخر يضم صورا لطيارين مغاربة وقعوا أسرى في قبضة الجيش الصحراوي بعد إسقاط طائراتهم الحربية . "مجسم لجدار العار" وخطف المجسم الموضوع للجدار العازل المغربي الأنظار نظرا لضخامته وكيفية وضعه، وهو الأمر الذي يؤكد الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش المغربي رغم قلة الإمكانيات المتوفرة لدى الشعب الصحراوي . القاعة احتوت أيضا صورا التقطت له من الأرض والجو، ومن خلال تفحص المجسم والصور يتمكن الزائر من معرفة مكونات هذا الجدار الدفاعي، والمتمثلة في البداية بالأسلاك الشائكة ثم حقول الألغام فالحائط الرملي يأتي بعده خندق عميق يحول دون مرور الآليات والمشاة متبوعا بجدار مبني من الحجارة .... وتأتي بعده الوحدات الأمامية الثابتة وبعدها بحوالي 15 كلم في الخلف توجد قوات الدعم والإسناد، وقوات التدخل السريع وهي وحدات متحركة تضم الدبابات والمصفحات والسيارات القتالية ..... وتقوم بتقديم الدعم والإسناد للوحدات الثابتة حال مهاجمتها، وبعدها مباشرة تأتي مراكز القيادة وبطاريات المدفعية، ثم تليها الرادارات التي تقوم بمسح متواصل للأرض وتستطيع كشف كل جسم متحرك على بعد 60 كلم وتحدد إحداثياته وتمد بها المدفعية التي تقوم بضربه قبل أن يصل إلى الحائط الدفاعي . تلكم كانت هي مكونات الجدار المغربي الذي بناه الاحتلال، بعد دراسة معمقة واستشارة عسكرية ساهم فيها ضباط كبار من الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وإسرائيل . .....ومولتها دول عربية كثيرة، وكان الهدف من هذه الفكرة الجهنمية هو شل فعالية قوات الجيش الصحراوي، والحد من هجماته المتكررة على الوحدات المغربية . وقد شكل هذا الأسلوب الدفاعي عائقا كبيرا أمام الجيش الصحراوي، وقضى القادة العسكريون الصحراويون ردحا من الزمن في دراسة الحائط المغربي ....وإيجاد طريقة للتعامل معه واختراقه، وكان كل مكون من مكونات هذا الحائط مشكلة في حد ذاتها. فالتعامل مع الألغام مشكلة، ومع الأسلاك الشائكة مشكلة، والجدار الرملي والحائط الحجري ثم الرادارات والمدفعية، كل واحد منها يشكل التعامل معه والحد من فعاليته انشغالا كبيرا، وعقدة تحتاج إلى الكثير من التفكير والشجاعة ونوعا من المخاطرة والمغامرة. ولهذا السبب لجأ الجيش الصحراوي لانتهاج أسلوب حرب الاستنزاف للتعامل مع جدار الدفاع المغربي، وهذا الأسلوب يعتمد على الغارات الليلية ومحاولة نزع الألغام والأسلاك الشائكة ودك الحصون بالمدفعية الثقيلة، ومحاولة تدمير الرادارات وتكثيف الحركة أمامها ليلا ونهارا لتتعود عليها، وغيرها من الأعمال القتالية التي تقوم بها وحدات صغيرة وخفيفة الحركة . السجل الذهبي شخصيات مرت من هنا قبل أن أنهي جولتي في المتحف الوطني للمقاومة، دفعني الفضول الصحفي إلى إلقاء نظرة على سجل الزيارات، فقمت بتفحصه وقرأت شهادات وانطباعات الكثير من الزوار من مختلف دول العالم ... ومن مختلف الرتب والمناصب من ساسة وسفراء، وعلماء دين ورياضيين وأساتذة جامعات، ورؤساء أحزاب وممثلين من المجتمع المدني، وحتى طلاب مدارس زاروا المتحف وكتبوا انطباعاتهم في سجل الزيارات . شخصيات من الجزائر، وموريتانيا وجنوب إفريقيا وتونس ولبنان والكويت واليمن والبيرو واسبانيا، وغيرها من الدول زاروا المتحف وتركوا انطباعات جيدة عما شاهدوه . قرأت انطباعات رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي السابق جان بينغ، ورئيس حزب قوى التقدم الموريتاني محمد ولد مولود، كما قرأت شهادة وزيرة التعليم الجنوب افريقية واللاعب الجزائري رابح ماجر والبطلة العالمية حسيبة بولمرقة وغيرهم . كل الانطباعات والشهادات أشادت بالقيمة الفنية والتاريخية للمتحف، وعكست إعجابها بمحتوياته وعبرت عن تقديرها لتاريخ الشعب الصحراوي الحافل بالصمود والمقاومة، وصد المحاولات الاستعمارية المتكررة لاحتلال أرضه . كما عبرت هذه الشخصيات عن تضامنها ودعمها للشعب الصحراوي في كفاحه من أجل الحرية والاستقلال . وبعد استئذان مدير المتحف كتبت هذه العبارات : " تشرفت بزيارة متحف المقاومة، واطلعت على التجربة التاريخية العظيمة للشعب الصحراوي ومقاومته للاحتلال، وبهذه المناسبة أتقدم بتحية إكبار وإجلال للشعب الصحراوي ولشهدائه، ولقيادته متمنيا لهم النجاح في مهمتهم النبيلة ...... ولكم من الشعب الجزائري أخلص عبارات التضامن ، ودامت الأخوة الجزائرية الصحراوية ".