الجيش الوطني وريث جيش التحرير في المرتبة ال 38 عالميا يحتفي غدا الشعب الجزائري بالذكرى ال 59 لاندلاع الثورة التحريرية التي جسّد فيها أروع صور التضحية، حيث ضحّى بالغالي والنفيس، واستشهد فيها مليون ونصف مليون شهيد من أجل نيل الحرّية، وبهذه المناسبة ارتأت (أخبار اليوم) أن تتطرّق إلى الجانب العسكري خلال هذه الثورة المجيدة التي ثمثّلث في جيش التحرير الوطني الذي قاد الجزائر إلى النصر في غضون ثماني سنوات عرفت فيها الثورة جيشا نظاميا طرد فرنسا من أراضيه التي تربّعت عليها لمدّة قرن و30 سنة، والذي شكّل بعد الاستقلال النواة الأولى لنشأة الجيش الشعبي الوطني الذي يسهر على حماية وحدة وتراب الجزائر. شكّل فشل المقاومات الشعبية في استرجاع حرّية الشعب الجزائري تحوّلا كبيرا في سياسة الجزائريين مع المستعمر الفرنسي، حيث تحوّل النضال الشعبي في نضال سياسي هو الآخر عرف فشلا ذريعا بسبب مجازر 08 ماي 1945 لتنطلق مرحلة التفكير في الحلّ العسكري بعدما أصبحت فكرة أن ما يؤخذ بالقوة لا يسترجع إلاّ بالقوة شعار جميع طبقات الشعب، حيث كان تأسيس جيش التحرير الوطني حلما ومطلبا من الحركة الوطنية منذ نشأتها وإعلانها عن هدفها المتمثّل في استرجاع حرّية الجزائر وسيادتها استكمالا لما أنجزته المقاومات الشعبية خلال القرن ال 19 وبداية القرن ال 20. وقد تبنّى فكرة إنشاء جيش وطني جزائري لأوّل مرّة حزب نجم شمال إفريقيا لمؤسسه مصالي الحاج سنة 1927 واستطاع غرس تلك الفكرة في سياق ثوري وطني سارت على ذلك الطلائع الأولى النضالية ومنها حزب الشعب الجزائري، غير أن الظروف الاستعمارية حالت دون ذلك، لكن بعد مجازر 08 ماي 1945 بدأ التحضير الفعلي لإنشاء جيش التحرير الوطني، حيث تمّ تشكيل المنظّمة السرّية التي تعتبر بمثابة النواة الأولى لأوّل جيش جزائري. فقد عمل أعضاء المنظّمة التي أسندت قيادتها ل (محمد بلوزداد) على تدريب أكبر عدد من المناضلين عسكريا وسياسيا قبل أن تطلق أولى عملياتها العسكرية سنة 1949، غير أن قوات الاحتلال قامت بحلّها لكن المناضلين استمرّوا في العمل العسكري بكلّ سرّية ليكون الفاتح نوفمبر 1954 أوّل انطلاقة للثورة المجيدة. جيش ينطلق ب 1200 مجاهد و400 قطعة سلاح كانت انطلاقة جيش التحرير الوطني حسب المؤرّخين بفئة قليلة العدد والعتاد، فكان عدد المجاهدين ليلة أوّل نوفمبر حوالي 1200مجاهد مسلّحين بحوالي 400 قطعة سلاح ما بين بنادق صيد ومسدسات جلّها موروثة من الحرب العالمية الثانية، كانوا موزّعين على المناطق الخمس التي أقرّها اجتماع 23 أكتوبر 1954. وقد تكوّن جيش التحرير في هذه المرحلة من الأفواج الأولى من المسبّلين والفدائيين والأشخاص المتابعين من قِبل السلطات الاستعمارية، وقد وضعت شروط وضوابط الانخراط والتجنيد ضمن صفوف جيش التحرير، حيث كانت أوّل تشكيلة وضعت لوحدات جيش التحرير الوطني على الشكل التالي: الزمرة مكوّنة من 5 مجاهدين، الفوج يضمّ من 11 إلى 13 مجاهدت، أمّا الفضيلة فقد كانت تضمّ من 35 إلى 45 مجاهدا، كما كان يضمّ 03 أفواج يرأسها 6 جنود برتبة جندي أوّل و3 برتبة عريف وعلى رأس الكتيبة التي تضمّ من 105 إلى 110مجاهد مساعد ونائبان أحدهما مكلّف بجمع السلاح. وقد كان هذا العدد القليل من الجنود والذخيرة كافيا لانطلاق ثورة زلزلت العالم ووضعت فرنسا الاستعمارية في ورطة، خاصّة أمام تصميم الجيش على نيل الحرّية وكسبه تأييد الشعب، حيث ضاعف من صنع القنابل التقليدية وجمع المزيد من الأسلحة والذخيرة من المواطنين ونصب الكمائن للمستعمر والاستيلاء على سلاح جنوده، حيث كان الجيش في هذه الفترة معروفا بحرب العصابات التي جسّدتها هجومات 20 اوت 1955. لتنطلق في سنة 1956 مرحلة جديدة بأحدث الوسائل والأسلحة دامت إلى غاية الاستقلال، حيث جاءت القفزة النّوعية في التنظيم بعد صدور قرارات مؤتمر الصومام 1956 التي أوجدت هيكلة دقيقة لجيش التحرير الوطني، سواء من حيث التنظيم، والأمر المهمّ في قرارات مؤتمر الصومام هو أن جيش التحرير أصبح مضبوطا ومرتبطا بمصالح متكاملة تؤدّي مهامها على أحسن ما يرام في مواجهة العدو. فقد كان جيش التحرير كمؤسسة شرعية للثورة المسلّحة أداة تحرير ووسيلة للدفاع عن حقوق الشعب الجزائري، حيث خضع منذ تأسيسه ودخوله ساحة المعركة لقوانين وتأطير وتنظيم وتخطيط وكانت له مهام واضحة يقوم بها طبقا لأوامر قادته وتطوّرات أساليب ومناهج عمله ومهامه اتجاه أهداف محدّدة وواضحة. حيث كان جيش التحرير الوطني صمّام الأمان لوحدة الثورة ووحدة القرار ووحدة المصير، لذا عملت القيادة على جعل تسيير الثورة تسييرا جماعيا من خلال أهمّ مؤسساتها في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ولجنة التنسيق والتنفيذ ثمّ الحكومة المؤقّتة وقيادة الأركان العامّة. وظلّ التنسيق قائما بين القيادات الميدانية فيما بينها وفيما بينها وبين القيادة السياسية في الخارج، وأنشأ الجيش مراكز لتركيب وصنع بعض الأسلحة الخفيفة وأقام ورشات عديدة لصناعة الألبسة الحربية وبعض الأواني وأحدث مؤسسات لتعليم الكوادر فنّ الاتّصال والإعلام والاستخبارات والبثّ الإذاعي وكان يقوم بدور إنساني واجتماعي هامّ في تكفّله بالمواطنين في مجال العلاج والقضاء وغيره وامتدّت جهوده إلى الفلاحة أحيانا سعيا إلى الاكتفاء الذاتي من المواد الاستراتيجية. ورغم الحصار وإحاطة الحدود الغربية والشرقية بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام ضد الأفراد من خلال خطّي موريس وشال والتنصّت عن بعد والمناطق المحرّمة كان جيش التحرير يدخل السلاح إلى ساحات القتال بطرق غاية في التستّر والتخفّي واستطاع أن يضيّق الخناق على العدو ويشتّت اهتمام جيوشه بتوسيع مجال المعارك إلى المناطق الجنوبية للبلاد وأعالي الجبال بفتح جبهات جديدة متعدّدة والضغط الذي كانت تمارسه عليه وحدات في الحدود الشرقية والغربية بما كان لديها من أسلحة شبه متطوّرة وإعداد هامّة من الجنود، ممّا أفشل مخطّط الحصار محاولة عزل الداخل عن الخارج وتجمّع قواته الضاربة، لا سيّما بعد سنة 1958 وما تبعها من معارك لايزال التاريخ يحكي عنها. وقد تطوّرت أساليب وطرق وأدوات جيش التحرير في المواجهة مع تعاقب الأعوام وصار ذا خبرة في إدارة المعارك والتنسيق مع ممثّليه في الخارج، حيث كان يحوز عشية الاستقلال على ورشات لصناعة الأسلحة، كما ارتفع تعداد الجنود إلى 25 ألف جندي بالحدود الشرقية و10 آلاف وراء الأسلاك الشائكة، وهي عمليات تدريبية ليس إلاّ للجنود الذين بلغ عددهم 50 فيلقا بمجموع 30 ألف جندي عند الاستقلال، في حين بلغ عدد جيش الحدود بتونس يوم وقف القتال 27 ألف جندي، كما كان يحوز على أسلحة جدّ متطوّرة منها مدافع الهاون عيار 82، مدافع عيار 57-85-75،ومدافع عيار 107- 120 - 122 وأسلحة الديسيا، فان فلاك، الدوشكة، موزير، رشاشات وكاربيل. من جيش التحرير.. إلى جيش شعبي من أقوى جيوش العالم بعد خروج فرنسا الاستعمارية قرّرت الحكومة الجزائرية أن تعيد تنظيم نفسها على جميع الأصعدة، حيث أولت للجانب العسكري اهتماما كبيرا من خلال إعداد جيش نظامي أطلق عليه اسم الجيش الشعبي الوطني، وهو سليل جيش التحرير الوطني الذراع العسكري لجبهة التحرير، وقد التحق به عدد كبير من المجاهدين كضبّاط وجنود للإشراف على إعداد هذا الجيش الذي يعدّ اليوم من أقوى جيوش العالم، حيث يحتلّ المرتبة ال 38 عالميا حسب آخر تقرير أمريكي والثانية عربيا بعد الجيش المصري، تلاه الجيش السوري في المرتبة التاسعة والثلاثين، ثمّ اليمن في المرتبة الثالثة والأربعين والأردن في المرتبة السادسة والخمسين، تليه الإمارات في المرتبة السابعة والخمسين، ثمّ العراق وليبيا على التوالي، فيما احتلّت الكويت المرتبة الثالثة والستّين وقطر المرتبة الخامسة والستّين، يليها لبنان. يضمّ الجيش الوطني الشعبي كلّ الفروع العسكرية المسلّحة ممثّلة في القوات البرّية والقوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوي عن الإقليم تحت إشراف قيادة هيئة الأركان برئاسة أحمد فايد صالح. وتخصّص الجزائر سنويا ميزانية ضخمة لوزارة الدفاع فاقت في سنة 2013 10 ملايير دولار، حيث تعتبر أضخم ميزانية بمنطقة شمال إفريقيا ومؤشّرا حقيقيا على رغبة قوية للجزائر في حشد وتعزيز قدراتها العسكرية لحماية وحدة ترابها، خاصّة بعد الأحدات التي شهدتها دول الجوار ودول الساحل. وقد مرّ الجيش الشعبي الوطني بعدّة مراحل كانت الأحداث الدائرة على الساحة الدولية والعربية كفيلة بأن تجعله في مقدّمة جيوش العالم، فمحاولة احتلال تندوف من طرف الجيش المغربي ومرحلة التصحيح الثوري كفيلة بأن تؤدّي بالمسؤ،لين الجزائريين إلى التفكير الجادّ في إعادة بناء جيش عصري حديث مجهّز بكلّ الأسلحة الحديثة عزّزته علاقة الجزائر بالاتحاد السوفياتي، حيث مكّنتها هذه العلاقة من التزوّد بأحدث الأسلحة وتعزيز ترسانته العسكرية، حيث لم تترك فرنسا سوى ترسانته العسكرية 10 دبّابات تي 34 و100 مدفع عيار 1931/37 122 مم، كما أهداه المغرب 6 دبابات AMX-13/Model-51 استلمت منها 4 فقط و44 من نفس النّوع تركتها فرنسا وكاسحتي الغام YMS أهدتها إيّاه مصر، ليرتفع تعداد الجيش الجزائري بعدها وتمّ تطوير العتاد ليشمل 100 دبابة تي-34 أخرى و40 دبابة تي-54 وعربات مصفّحة من نوع بي تي أر-152، وكذلك مدافع SU-100 وهونات M-43 وراجمات من نوع BM-14-16. جيشنا يتطوّر سنة 1965 بدأ بتطوير الجيش الجزائري وهذا بإبرام صفقات مع الاتحاد السوفياتي، حيث أرسلت الجزائر سنوات الستينيات والسبعينيات آلاف الضبّاط للدراسة هناك قبل أن تبني أكاديميات عسكرية في الجزائر، وصار الجيش في فترة 1965-1969 أكثر تطوّرا وأكثر خبرة وبعتاد جيّد، حيث دخلت دبّابات تي-55 الخدمة وكذلك راجمات BM-24 وعربات نقل الجنود بي تي أر-60 و60 مدفع M-1938. تمّ إصدار قانون التجنيد الإجباري العام يوم 18 أفريل 1969 وتمّ توجيه أفراد الجيش بعدها إلى الأعمال المدنية التي أهمّها شقّ طريق طريق الوحدة الإفريقية سنة 1971 وبناء السدّ الأخضر سنة 1974، والذي امتدّ على طول 1560 كليومتر، إضافة إلى بناء العديد من الجسور والسدود والمنشآت القاعدية المختلفة دون إغفال تطوير الجيش. في بداية السبعينيات بدأت الجزائر النّظر إلى المستقبل، حيث بدأت مشاورات مع الاتحاد السوفياتي من أجل تطوير الجيش بأسلحة جديدة، وهذا ما حصل. حيث حصل الجيش في أوائل السبعينيات على حوالي 26 بطارية فروج-7 وصواريخ AT-3 Sagger المضادّة للدروع، وقامت بعدّة إضافات للجيش وهذا بمضاعفة عدد القوات وإدخال أسلحة جديدة لسدّ الثغرات، حيث اقتنت بداية 48 راجمة BM-21 و130 بي تي أر-50 و610 بي تي أر-60 لنقل الجنود، كما اقتنت 360 دبابة تي-62 690 عربة بي إم بي-1 ومدافع D-74، كما دخلت الدبّابة تي-72 الخدمة سنة 1979 وطوّرت عربات بي أر دي إم-2 بصواريخ AT-5 Spandrel وتمّ اقتناء عربات M-3 VTT الفرنسية وإضافة قطع D-30 إلى سلاح المدفعية. وفي ثمانينيات القرن الماضي قامت الجزائر باقتناء أسلحة كصواريخ مضادّة للدبابات AT-4 Spigot بعدد 2250 وعربات بي إم بي-2 و200 دبابة T-72M1. وكانت فترة التسعينيات سنوات صعبة على الجزائر والقوات البرّية التي حاربت الإرهاب الذي يعتمد في حرب العصابات غير المعتاد عليها الجيش، خاصّة بعد فرض العالم حصار غير معلن على الجزائر، لكن رغم ذلك قام الجيش بالقضاء على الجماعات الإرهابية ودخلت الجزائر سوق العالم للأسلحة من بابه الواسع لتجديد عتاده العسكري. وفي سنة 2006 عقدت الجزائر صفقة مهمّة مع روسيا ومن بين ما شملته إمداد الجزائر ب 300 دبابة تي-90 و100 مجنزرة بي إم بي-3 وتحديث 250 دبّابة تي-72، إضافة إلى 8 أنظمة دفاع جوي أس - 300 و38 بطارية بانتسير. تحدّيات بالجملة بعد نجاحه في التحوّل بسلاسة من جيش للتحرير إلى جيش للشعب، وبعد أن وضع أولى لبنات الاحترافية والعصرنة ونجح في تبوّؤ موقع ضمن أفضل وأبرز وأهمّ جيوش العالم، يواجه جيشنا جملة من التحدّيات الخطيرة التي تجعل يقظته الدائمة أمرا أكثر من ضروري. ولعلّ التحدّي الأبرز الذي يواجهه الجيش الوطني الشعبي هو تأمين الحدود الطويلة للبلاد، وهي مهمّة بالغة التعقيد والحساسية والخطورة في آن واحد بالنّظر إلى الفوضى الأمنية التي تشهدها العديد من البلدان المجاورة، خصوصا ليبيا ومالي وبدرجة أقلّ تونس. ورغم صعوبة التحدّيات التي يواجهها يبدو الجيش الوطني قادرا على أداء واجبه على النحو المطلوب.