زيارة المتحف الوطني للمقاومة بالشهيد الحافظ شيئ ممتع ومفيد، لكن الكتابة والتحقيق عنه امر صعب وشاق, ذلك ان الموضوع يتعلق بتاريخ الشعب الصحراوي منذ سنة 1433 حتى يومنا هذا, وهي فترة زمنية طويلة لن يغطيها بأمانة تامة تحقيق صحفي في عدة صفحات مهما كانت شموليته ودقته. جلت في أجنحة المتحف, تفحصت الوثائق, حملقت في الصور, قرأت ما أستطعت, دونت الملاحظات, سألت بجرأة وفضول ,تحسست بعض المعروضات وتلمستها و فتحت بعض الصناديق والحافظات. حاولت دراسة أفكار بعض الرجال أمامي وتفسير شخصياتهم والتقطت صورا فوتوغرافية رغم ان التصوير ممنوع. رجعت بالذاكرة إلى الوراء وقدمتها إلى الإمام واستعنت بمخزوني الفكري العلمي والثقافي رغم تواضعه ,عللت وفسرت وفي الأخير تأكدت إنني لن أوفي الموضوع حقه. كيف لي وأنا أتجول في جناح المقاومة أن أصور للقارئ مدى القوة الجسمانية والإيمانية التي كان يتمتع بها المجاهدون الصحراويون الأوائل وهم يجوبون طول البلاد وعرضها دفاعا عن الوطن وبحثا عن الشهادة وقتال الكفار, بعضهم مسلح ببندقية تكرارية وبعضهم بخنجر واغلبهم يأمل ان يغنم سلاحه من عدوه ؟ وهل بمقدوري ان أصور لكم قوة عزيمة الشهيد الولي وعدم قبوله بالمستحيل الذي ينكره في بعض خطبه قائلا:- ” هذا الذي تقول له الناس المستحيل”؟ وهل سيحالفني الحظ في تحديد مدى قوة ذكائه عندما انظر في جناحه بالمتحف الى صورة له مع الجنرال جياب يقف مشدوها أمام صغر سن هذا الشاب الاسمر طويل القامة الحاد الذكاء؟
المتحف الوطني للمقاومة لن استطيع بالطبع ان انقل لكم قوة ايمان ال17 نفرا الذين نفذوا عملية الخنكة إذا أطلعتكم على تسليحهم المتواضع الذي نفذوا به العملية, ولن افكك طلاسم السر وراء نمو هذا العدد عدة وعتادا وصموده المنقطع النظير امام اسبانيا التي كان يروج لها انها ربحت 99 حربا ثم لاحقا أمام قوتان استعماريتان في أن واحد . لا أخفيكم سرا أن عيناي اغرورقت بالدموع عندما دخلت جناح الشهداء ورأيت صورا لقادة شهداء لازالوا في ريعان الشباب ,عرفت بعضهم فيما مضى وقاتلت تحت إمرته, وبعضهم الاخر سمعت الأساطير عن شجاعته ونبوغه , فهل بمقدوري مثلا وانا احملق في صورة الشهيد حمادة محمد الوالي قائد سابق للناحية العسكرية الخامسة ان أصف لكم شجاعته التي يقال انه من فرطها كان عندما يحمى وطيس المعركة تحمر عيناه وينتفخ جسمه ولم تعد ملابسه تتسع له فتتمزق بل وقيل لي انه رغم عدم دخوله مدرسة تعليمية او أكاديمية عسكرية كان يتمتع بمستوى عالي من الفطنة ومعرفة التفاصيل الدقيقة للمعركة فيحاسب بعد الانسحاب قائد تلك الفصيلة على تأخره او رامي ذاك المدفع او سائق تلك السيارة على عدم ادائه لمهامه, وقد استطاع هو وغيره من القادة العسكريين أمثال سيدي حيذوك وسعيد الصغير وغيرهم بحنكتهم الفطرية أن يمرقوا بالتراب معلومات ضباط مغاربة تخرجوا ودرسوا التكتيك الحربي في مدارس عسكرية مرموقة. هذا من جهة ومن جهة أخرى لن استطيع مهما حاولت ان أعبر لكم عن مدى الحقد الذي كان يكنه الاعداء لهذا الشعب البدوي الصغير وأنا أتجول في جناح الأسلحة المغنومة من دبابات ومدفعية وشاحنات وأسلحة رشاشة وهاونات بمختلف الأشكال والإحجام , ولا عندما اطلعت على تفاصيل خطط عسكرية مغربية معدة ومصدقة على مستوى عال هدفها الإبادة, أو عندما رأيت مجسما لجدار الاحتلال المغربي وصورا التقطت له من الفضاء وكلها تظهر ما يحتويه من أسلاك شائكة وألغام أرضية وتسليح, و الممتد على مسافة 2700كلم. أخيرا ورغم كل شيء حزمت أمتعتي ولملمت إغراضي وانطلقت في رحلة مضنية امتدت من القرن الثالث عشر الميلادي حتى القرن الواحد والعشرين , توكلت على الله واستعنت بدليلي ومرشدي مدير المتحف الوطني للمقاومة السيد محمد اوليدة محمد عالي, الذي أخصه بالشكر الجزيل.
جناح المقاومة الوطنية يعتبر بمنطق التسلسل التاريخي أول الأجنحة التي يمر من خلاله الزائر الى المتحف حيث تقابلك لوحة زيتية كبيرة رسمها فنان صحراوي , ترمز الى المراحل التاريخية التي مر بها سكان الصحراء الغربية مذ كانوا مجتمعا بدويا إلى أن كونوا كيانهم السياسي الحديث الجمهورية الصحراوية, وتبرز للزائر في هذه اللوحة شخصيات سياسية تركت بصماتها في التاريخ الحديث للشعب الصحراوي وهم في يمين اللوحة الفقيد سيدابراهيم بصيري مؤسس المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء ,وتتوسط اللوحة صورة مفجر ثورة 20 ماي الشهيد الولي مصطفى, ثم في يسار اللوحة صورة لرئيس الدولة الامين العام لجبهة البوليساريو السيد محمد عبد العزيز. الجناح كذلك يضم خريطة كبيرة للصحراء الغربية ونبذة عن السكان وديانتهم كما زين بالعديد من اللوحات ذات الحجم المتوسط دونت فيها كرونولوجيا المقاومة المسلحة للمجاهدين الصحراويين ضد المحاولات الاستعمارية لاحتلال أرضهم منذ القرن 14. اللوحات المعلقة على جدران القاعة تعكس المحاولات البرتغالية والاسبانية والفرنسية والمغربية لاحتلال الصحراء الغربية في فترات زمنية مختلفة, كما تبين اسماء وتواريخ المعارك التي شنها المجاهدون الصحراويون ضدهم, وهذه اللوحات مدعمة بترجمة لتقارير ووثائق صادرة حينها عن ضباط فرنسيين تعترف ببسالة المقاومة الصحراوية وحجم الخسائر التي تكبدها الغزاة رغم عدم تكافؤ القوى بينهم والمجاهدين. معارك كبيرة خيضت ضد الاستعمار الفرنسي واخرى ضد المحاولات الاسبانية وصد مستمر لمحاولات سلاطين المغرب السيطرة على الصحراء الغربية وقد طالت هذه المعارك التواجد الفرنسي حتى في الدول المجاورة . في إحدى الوثائق الموجودة بالجناح إعترف الرائد الفرنسي نمورو بشراسة المقاومة الصحراوية فكتب في مذكرة له يقول:- ” انه الى سبتمبر 1908 سجلت125 معركة كانت نتائجها موت200 فرنسي منهم 3ضباط و5 ضباط صف وخسائر كبيرة في الممتلكات الفرنسية خاصة الجمال.” كما يعترف العقيد الفرنسي موري بضخامة خسائر القوات الفرنسية في معركة خاضها ضدهم المجاهدون الصحراويين في “ابيرات أحميم”, يناير1913 تم فيها غنم 105 بندقية و20000 طلقة و500 جمل, وقد دفعت هذه الهزيمة النكراء العقيد مورى الى تجريد حملة عسكرية كبيرة للانتقام من المجاهدين وقامت بتمشيط العديد من المناطق ومرت بمدينة السمارة قبل أن يتصدى لها المجاهدين ويخوضون معها معركة مشهورة عرفت بمعركة “أكليب أخشاش” في مارس 1913 استمرت لثلاثة ايام, قتل فيها الكثير من الفرنسيين بينهم العقيد جيرهارد, ولم تنتهي المعركة الا بعد انسحاب المجاهدين بعدما علموا أن قوة فرنسية تهاجم المدنيين بمنطقة ” الوس”. كرونولوجيا احداث المعارك والمحاولات الاستعمارية تتطرق كذلك الى المحاولات الاسبانية المتكررة لاحتلال المنطقة وتعرض قواتها لكثير من الهجمات في مناطق عديدة كالداخلة وبوجدور وغيرها من المعارك التي منعت اسبانيا من احتلال الاقليم بالقوة مما دفعها الى انتهاج أساليب أخرى أكثرليونة كالمفاوضة والتجارة حتى تتمكن من بسط سيطرتها على الإقليم الذي كان من نصيبها في التقسيم الاستعماري لمناطق النفوذ الذي اقره مؤتمر برلين 1884.
هذا عن الحملات الفرنسية والاسبانية ,اما محاولات السلاطين المغاربة لاحتلال الصحراء الغربية فقد بدأت بحسب وثائق المتحف مع السلطان المغربي مولاي أمحمد الذي أرسل قواته سنة1566 لاحتلال الساقية الحمراء ولكن قواته منيت بهزيمة نكراء على يد المجاهدين الصحراويين, لتتوالى المحاولات من السلطان احمد منصور الذهبي المعروف بالسلطان لكحل ثم محاولة من الحسن الاول سنة 1886 الذي حشد حوالي 70,000 مقاتل لغزو الصحراء الغربية ولكنه تراجع عن الفكرة بعد علمه باستعدادات الصحراويين لمواجهته.