أجمع عدد من المسؤولين في الحكومة أن الجزائر تملك من القدرات المالية ما تمكنها من انجاز المشاريع المبرمجة طيلة السنوات القادمة، وذلك بفضل الفوائض المالية المتأتية من ايرادات النفط المرتفعة طيلة الخمس سنوات الماضية، والتي ستعرف في المرحلة القادمة نقصا محسوسا بسبب التراجع المستمر في اسعار النفط منذ حوالي خمسة أشهر. وإن كان الاجماع حاصلا بشأن الحجم المعتبر للفوائض المالية، فإن الاختلاف يسود بعض المسؤولين في الحكومة حول مدة الانتفاع بهذه الفوائض في تمويل المشاريع التنموية بين متفائل ومعتدل وحذر، ففي العشرة الأيام الماضية، لما اشتد النقاش والتساؤل حول امكانية صمود المشاريع التنموية الجاري تنفيذها في الميدان في وجه العاصفة الخارجية أي انعكاسات الأزمة المالية الدولية على الاقتصاد الوطني عموما ومشاريع المخطط الخماسي على وجه التحديد صدرت ثلاثة تصريحات رسمية متتالية حول هذا النقاش للحد من التأويلات التي قد تكون في بعض الأحيان مبالغ فيها، وكان أول تصريح جاء على لسان وزير المالية السيد كريم جودي الذي أكد أن الفوائض المالية التي تتوفر عليها الجزائر ستمكنها من تغطية احتياجاتها لمدة تصل الى ثلاث سنوات ونصف دون أن تكون في حاجة الى الاقتراض الخارجي مستبعدا أن تكون الحكومة قد فكرت في اعادة النظر في مخطط العمل الجاري تنفيذه. وفي نفس الوقت تكون قد صدرت تصريحات من قبل بعض مسؤولي سوناطراك على أنه تمت اعادة النظر في بعض المشاريع المبرمجة في القطاع والتي لم تنطلق بعد، خلافا لما جاء على لسان وزير المالية. أياما قلائل بعد تصريح جودي، الوزير الأول السيد أحمد أويحيى وفي عرضه لمخطط عمل الحكومة بدا أكثر ارتياحا وتفاؤلا وهو يعلن أمام المجلس الشعبي الوطني على أن الأزمة المالية الخارجية لن تؤثر على قدرة التمويل الداخلية، وأن تداعيات تذبذب اسواق النفط تبقى محدودة الى حد ما، ولن ترسل المشاريع الهامة بفضل ما وصفها الوزير الأول بالسياسة الحكيمة لرئيس الجمهورية والتدابير الحذرة لدعم الاقتصاد الوطني داخليا وخارجيا والاجراءات الشجاعة التي اتخذت على مستوى المديونية بفضل سياسة الدفع المسبق... كل هذه التدابير والفوائض المالية الهامة التي توجد في خزينة الدولة ستمكن من مواجهة متطلبات التنمية على المدى المتوسط الذي حدده بخمس سنوات. أما التصريح الرسمي الثالث والأخير، فقد جاء على لسان التقنقراطي وليس السياسي، أي محافظ بنك الجزائر الذي أكد في مداخلته أول أمس أمام اطارات المؤسسات المصرفية حول الدروس المستخلصة من الأزمة المالية الدولية وانعكاساتها على النظام المصرفي في الجزائر، أن الاستقرار المالي الذي ميز سنة 2008 واحتياطي الصرف والموارد المتراكمة يسمح للاقتصاد الوطني مواجهة آثار الأزمة والصدمات الخارجية، وذلك بالنظر الى قدرة الادخارات المالية على مستوى صندوق ضبط الايرادات وفائض السيولة لدى البنوك ب 4192,5 مليار دج و 2418 مليار دج على التوالي، واجمالا فإن مجموع هذه الفوائض المقدرة بأكثر من 6600 مليار دج تسمح بتمويل نفقات الاستثمار للدولة وتغطية تدفقات القروض البنكية لأكثر من سنتين. لكن المحافظ يعد الوحيد من المسؤولين الذين أشار الى التداعيات السلبية على الاقتصاد الوطني، وهي أن الانخفاض الكبير في اسعار النفط سيؤدي الى تخفيض قدرة الدولة على الادخار أي قدرة الادخار الميزاني وذلك بانخفاض احتياطات الصرف، فضلا عن أن عائد توظيف احتياطي الصرف الموجود في البنوك الخارجية ولاسيما الامريكية ستعرف تراجعا ملحوظا بعد أن لجأت العديد من الحكومات الغربية الغربية الى تقليص معدلات الفائدة على نحو قياسي قارب الصفر في هذه الدول مما يعني أن احتياطي الصرف الذي يزيد عن 40 مليار دولار والموجود في الخارج ستتقلص فوائده وذلك على غرار العديد من الدول المتأثرة بالأزمة المالية الدولية، مما يعني أن التصريحات المتعلقة بانعكاسات الأزمة على الداخل ، وأن الجزائر في منأى يجب أن تؤخذ بمزيد من الحذر والحيطة دون الوقوع في فخ التفاؤل المفرط. ------------------------------------------------------------------------