تعقد المصالح الفلاحية لولاية تيبازة آمالا كبيرة على شعبة تربية النّحل في مساهمتها الفعّالة على تعويض جزء من صادرات النفط مستقبلا عقب تحقيق مرحلة الاكتفاء الذاتي، التي أضحت ملامحها تتشكّل حاليا في الأفق القريب، بحيث ارتفع الانتاج السنوي لمادة العسل إلى أكثر من 10 آلاف قنطار العام المنصرم مقابل نصف هذا الكم قبل 5 سنوات من الآن. وحسب ما أشارت إليه مصادرنا من الغرفة الفلاحية بالولاية، فإنّ 524 نحّالا يمارسون حاليا هذه الحرفة النبيلة من بينهم حرفيات، ويحوزون إجمالا على 14980 خلية نحل. ومن المرتقب بأن يرتفع هذا العدد لاحقا بشكل مثير بالنظر إلى تهافت أعداد كبيرة من المتربّصين بمراكز التكوين المهني على هذه الحرفة التي لم تعد حكرا على الفلاحين دون سواهم خلال السنوات الأخيرة، وإنما استهوت فئة الأطباء المتخصصين والمهندسين والأستاذة على اختلاف مستوياتهم، ناهيك عن الجنس اللطيف الذي لم يعد هو أيضا يتأثّر بلدغات النّحل الموجعة، ولم يعد يؤمن أيضا بأنّ ذات الحرفة هي رمز للشقاء والتعب ممّا مكّنه من اقتحام الميدان بكل جدارة واستحقاق بمعية العنصر الذكوري، الذي أدرك هو الآخر بأنّ الرجولة تنمو وتكتسب العظمة والشأن بالتوازي مع نمو المعارف المرتبطة بأسرار النحل. ومن ثمّ فقد تحولت هذه الشعبة خلال السنوات الأخيرة الى رقم مهم للغاية ضمن استراتيجية التنمية الفلاحية المحلية. من الدواودة شرقا إلى الداموس غربا وإلى جبال الظهرة بمحاذاة عين الدفلى جنوبا، فضاءات مفتوحة تحتضن مئات المناحل التي يدير شؤونها نحالو ولاية تيبازة، بتقنيات جد متطورة تعتمد في أكثر الأحيان على الاتصال بعالم الأنترنيت لاكتشاف سبل التصرف مع الحالات المستعصية، ناهيك عن اكتشاف التقنيات الجديدة المعتمدة في بلدان أخرى، غير أنّ الذي يدركه النحالون جميعا يكمن في كون معظم المناحل تتمركز بمنطقة متيجة بشرق الولاية بالنظر إلى كثرة النباتات العسلية بها كالبرتقال، الكاليتوس، الزعرور والأزهار المتنوعة، فيما هجرت معظم المناطق الأخرى في أغلب فترات الفصول الأربعة، بحيث أسفرت هذه الظاهرة عن طغيان ظاهرة التشبع إلى درجة أنّ المنطقة لم تعد تحتمل مناحل إضافية، ناهيك عن تفشي ظاهرة السرقة للنحل أو العسل، لأنّ السارق لا يجد عائقا أمامه فيما يتعلق بإنشاء منحل له أو تسويق الخلايا المسروقة لجهات أخرى. وبقدر ما أضحت الظاهرتان تؤرقان النحالين النشطين بقدر ما تولّدت لديهم إرادة لا تكسر ولا تعصر في مسألة تحويل موضوع تربية النحل إلى قطاع منتج يمكن أن يعوّل عليه في المساهمة الفعالة في تعويض عطاء آبار النفط. وبالتوازي مع اعتماد مصالح التكوين المهني بالولاية لتخصص تربية النحل الذي انخرط فيه عدد لا يستهان به من المتربّصين بمراكز الحطاطبة والداموس بداية من سنة 2006، وبمركز حجوط بداية من سنة 2010، فقد أعدّت الغرفة الولائية للفلاحة برامج تكوينية سريعة ومباشرة لفائدة النحالين بالتنسيق مع الجمعية الولائية لهذه الشعبة، وبمساهمة مديرية التكوين المهني بحيث يتضمّن برنامج التكوين 5 حصص من 4 ساعات. وتخرّج من ذات البرنامج مئات الحرفيين خلال السنوات الثلاث المنصرمة، وتأتي هذه المبادرة من الغرفة الفلاحية لإعطاء فرص إضافية للنحالين الذين لم يسعفهم الحظ لمزاولة التكوين بالمراكز المتخصصة، إضافة إلى ربطهم بصفة مباشرة بالجمعية الولائية للشعبة والتركيز على الجانب التطبيقي الذي يمكّن النّحال من حلّ المشاكل المعترضة. العنصر النّسوي يقتحم الميدان بجدارة واستحقاق بالأمس القريب كان تبنّي المرأة لمهنة تربية النحل من الطابوهات التي لا تخطر على بال، ولكن التفتح و التطور الذي حصل على كافة المستويات أرغم أعدادا لا يستهان بها من الجنس اللطيف على الولوج بقوة إلى هذا العالم الساحر، وأضحت المرأة تشارك الرجل في مختلف مراحل إعداد الخلية وتحضير الشمع ونصبها بالمنحل، ناهيك عن التكفل التام بالنحل منذ الوهلة الأولى وإلى غاية مرحلة جني العسل وعصره بالمعصرات الاصطناعية. ومن العاملات بهذا الحقل من زاولت تكوينا متخصصا على مستوى مراكز التكوين قبل دخول عالم الاحتراف،ومنهنّ من كسبت فنيات ممارسة المهنة بالتواتر أو التواصل ما بين أفراد العائلة الواحدة، وأضحت كل المناحل تقريبا على امتداء سهل متيجة الشاسع يشارك العنصر النسوي في التكفل بخلاياه، مع الاشارة إلى أنّ بعضا من ذات المناحل تسيّرها نساء جملة و تفصيلا، بمناطق الحطاطبة والقليعة وما جاورها إلا أنّ تجنّب عديد النّحالين التصريح بمهنتهم لدى الجهات المعنية، لم يمكّن ذات الجهات من تحديد العدد الحقيقي لمربيات النحل اللواتي وقّعن بشجاعتهن على وثائق وفاة جملة من التقاليد الموروثة بمجتمع المنطقة، والتي تشير بعضها إلى جفاف المنابع والآبار عند إطلالة المرأة عليها، وفرار أسراب النحل حين تحدق بها المرأة أيضا، ومن ثمّ فقد شاركت المرأة بمبادرتها هذه ليس فقط في امتهان تربية النحل والاسترزاق منها، ولكنها أيضا ساهمت مساهمة فعّالة في تصحيح المفاهيم وتقويم التّقاليد البالية الموروثة عن الأجداد.