لابد من ترقية مهنة تربية النحل والاهتمام بتسويق المنتوج محليا عند الحديث عن العسل تتجه الأنظار عادة إلى البحث في القيمة الغذائية لهذا الغذاء وفوائده العلاجية دون الاكتراث لمن يتولون مهمة الإشراف على جعل هذا الغذاء الرباني جاهزا ومعدا للاستهلاك مباشرة، ''المساء'' وعلى غير العادة تقربت من بعض النحالين وأبت إلا أن تسلط الضوء على بعض المشاكل والانشغالات التي يعانيها النحالون الذين شاركوا بقوة بمعرض العسل الذي أقيم ببلدية بوزريعة، بهدف تقريب العسل من المواطنين وتغيير ثقافتهم اتجاه هذا المنتج من الثقافة العلاجية إلى الثقافة الغذائية. كان من بين العارضين السيد محمد حمزاوي رئيس جمعية مربي النحل بالبليدة مارس مهنة تربية النحل لأكثر من 30 سنة، ''المساء'' اقتربت منه ودردشت معه حول تربية النحل وما تحمله هذه المهنة من متاعب ومشاكل حيث قال ''أنشط كمربي نحل ضمن جمعية مربي النحل بالبليدة التي تسعى إلى حماية النحالين من جهة، والعمل على كسب ثقة المستهلك إلى ما ينتجه النحالون من عسل عن طريق التكثيف من المعارض عبر مختلف ربوع الوطن، من جهة أخرى وعلى الرغم من أن الجزائر لم تصل بعد إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج العسل إلا أننا - يضيف المتحدث - لا نزال إلى حد الساعة نعاني من مشكل التسويق الذي يرجع بالدرجة الأولى إلى غياب التنظيم'' ويشرح المتحدث قوله ''بأن المقصود بغياب التنظيم هو أنه عند البحث عن تسويق العسل المستورد نجد الكثير من الناس قد اهتموا به وجعلوه في المتناول بالأسواق، وفي المقابل لم نجد من أعطى أهمية لتسويق العسل على المستوى المحلي، وهو ما يجعل بعض المواطنين عند القيام بمعارض يقتربون منا ويسألوننا قائلين: نبحث عن العسل الحر، ولكننا لا نعرف أين نبحث عنه؟ وذلك لعدم وجود أماكن معينة لبيع العسل الحقيقي في الجزائر، ولا نجد في الأسواق إلا العسل المستورد، من جهة أخرى يردف المتحدث قائلا اليوم نعمل مع بعض الوزارات لأجل وضع آليات حتى نتمكن من وضع شبكات تعني بتوزيع العسل الحر، اذ يشرف عليها النحالون المهنيون من أصحاب الخبرة وإن تم إنشاء مثل هذه الشبكات يتم القضاء على مشكل التسويق في الجزائر. ولأن العسل يعتبر مادة مهمة للطاقة يقول مربي النحل ''نسعى جاهدين من أجل تحسين استهلاك هذه المادة الغذائية لدى المواطنين عوض السكر، وبالتالي نقلل من استيراد مادة السكر من خلال تعميم ثقافة استهلاك العسل الحر كمادة غذائية''. ولعل من بين المشاكل المطروحة للنقاش اليوم - يقول ذات المتحدث - تخص مربي النحل، إذ ينبغي على النحالين المهنيين أن يتنظموا، وعلى السلطات المعنية أن ترافق المهنيين من النحالين من خلال إدماجهم في مراكز التكوين وجعلهم يشرفون على تكوين النحالين ومقاسمتهم لخبرتهم، ومن خلال هذا الإجراء نحول النحال المكون إلى مهني، أي أن النحال يجعل من تربية النحل مهنة يعيش منها، وبالتالي يهتم بها ويدافع عنها، والنتيجة إنشاء قوة من النحالين المهنيين، مما ينعكس إيجابا على تربية النحل وبالتالي على إنتاج العسل. غياب التنسيق بين الفلاح ومربي النحل يضر بالمهنة حدثنا السيد قندوز سحنون مربي النحل عن مشكل آخر بات يعاني منه مربو النحل مؤخرا، وانعكس سلبا على إنتاج العسل وعلى مردودية الإنتاج الفلاحي بالنسبة للفلاحين، حيث قال ''إلى جانب مشكل التسويق الذي رغم تطور مهنة تربية النحل لا زلنا نعاني منه ظهرت لدينا مشكلة جديدة تخص النحلة في حد ذاتها، إذ من المفروض أن النحلة تساعد الفلاح حتى يأتي مردوده وفيرا'' ويشرح ''لا يخفى عليكم أن النحلة تلعب دور الملقح للأشجار التي لا تطالها عملية التلقيح، كوجودها في البيوت البلاستيكية، أو لقلة الرياح، إلا أن ما يحدث اليوم هو أن الفلاحين يقومون بقتل النحل عن جهل من خلال الأدوية السامة التي ترش بها الأشجار''، ويضيف معلقا ''من المفروض عندما يقرر الفلاح مداواة الأشجار أو محصوله أيا كان، وكان بالقرب منه مشتلة لتربية النحل أو كان النحل يرعى بأشجاره، أن يقوم بإبلاغ المربي ليقوم باتخاذ الإجراء المناسب، إما بغلق الخلية أو من خلال إبعاد النحل، إلا أن هذا الإجراء غير ممارس من طرف الفلاحين، وهو الأمر الذي يضر بمربي النحل، خاصة وأن هذه المواد السامة تقتل أعدادا كبيرة من النحل''. من جهة أخرى يشرح المربي قندوز أهمية النحل بالنسبة للأشجار قائلا ''يساهم النحل بنسبة 78 بالمئة في إنتاج المحاصيل الزراعية خاصة الأشجار المثمرة منها، حيث يأتي المحصول وفيرا، وما أعتقد أن الفلاحين لا يكترثون له هو أن الفواكه وبعض الخضار الملقحة من طرف النحلة تجعل الفاكهة أو الخضر الملقحة صحية وينصح بها بعض المرضى، ففي الدول الأوربية يقوم الفلاحون بكراء النحل من أجل أن يأتي منتوجهم جيدا ووفيرا، أما نحن على الرغم من أننا لم نصل بعد إلى ثقافة كراء خلايا النحل، إلا أننا - يقول - نطلب من الفلاحين أن يتقربوا منا كمربي نحل حتى نجعل الاستفادة عامة. ونعمل بالتنسيق إذ يقومون بإعلامنا بتواريخ معالجة الأشجار حتى نحمي النحل، وفي المقابل نجعل النحل في متناولهم حتى يأتي محصولهم وفيرا ويتمكن النحل من الرعي وإنتاج العسل''. بينما تعرض المربي حميدو لطرش وهو عضو في اتحاد النحالين العرب إلى مشكل آخر يعاني منه النحالون، ويتمثل في الحرائق حيث قال ''أصبحنا نعاني من قلة المساحات الغابية التي تؤمن للنحل أماكن متنوعة نباتيا لترعى فيها بفعل أعمال الحرق العشوائي لبعض الغابات، ما أضر ببعض الأشجار وحتى بعض النباتات التي لم تعد موجودة، فمثلا أشجار الكاليتوس وكذا نبات الضرو أصبحت قليلة، وهذا ينعكس سلبا على منتوج العسل، ولعل هذا واحد من بين الأسباب الذي حول بعض مربي النحل إلى الصحراء لترعى على بعض الأشجار ولاكتشاف أنواع جديدة من العسل''. غياب تقنين يحكم مهنة تربية النحل واحد من مشاكل المهنة لأن تربية النحل تحولت إلى مهنة أنشئت لأجلها العديد من الجمعيات من أجل أن تتكفل بمشاكلها ومتطلباتها، ظل القانون الذي يحكمها غائبا، وهو ما حدثنا حوله المربي محمد مالكي مربي النحل من دائرة العفرون، حيث قال ''لعل أول مشكل ظهر لنا هذا الموسم وأضر بنا كمربين هو تأخر موسم الربيع، مما جعل بعض الزهور تحرق بفعل الجليد الذي أحرقها، وبالتالي قل غذاء النحل، من جهة أخرى نواجه اليوم - يقول - مشكلا كبيرا يتمثل في تعرض خلايا النحل للسرقة، إذ في الماضي كان يسرق العسل، ولكن اليوم أصبحت الخلية تسرق بكاملها، وهو ما يدفعنا إلى وضع حارس في كل مكان نأخذ إليه خلايا النحل لترعى، ولكم أن تتصوروا مدى صعوبة أن يوضع لكل خلية حارس وما يتطلبه الأمر من نفقات. من جهة أخرى نحاول أن نقوم بتقنين بعض المشاكل الخاصة بالتسويق'' ويضيف ذات المتحدث قائلا ''تحدثنا مؤخرا مع وزارة التجارة من أجل تصدير العسل الجزائري إلى بعض الدول المجاورة بعد أن اطلع خبراء على العسل الجزائري وأثبتوا جودته العالية، ومن أجل أن تنظم المهنة نحاول أن نضع قانونا داخليا يحكم المعارض التي تقام في مختلف ربوع الوطن، بحيث يتسنى فقط لمربي النحل المهنيين القيام بالعرض بحكم أن تربية النحل أصبحت مهنة قائمة بذاتها من أجل تعزيز ثقة الناس بما ننتجه من عسل، وعلى العموم - يضيف المتحدث - إنتاج العسل في الجزائر يسير بوتيرة جيدة بفضل مساعدة الدولة للنحالين، ففي سنة 2000 مثلا قدمت لمربي النحل 600 ألف مشتلة موجهة لتربية النحل، واليوم لدينا مليون و200 ألف خلية على المستوى الوطني، وهذا مؤشر جيد يساعدنا على العمل من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج العسل وتمكين الأسر الجزائرية من استهلاكه كغذاء''.