فضل الدكتور الياس نايت قاسي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة بوزريعة، البدء بالحديث عما أسماه بفلسفة المظاهرات التي لا بد أن تتغير في إشارة لمظاهرات الثامن ماي 1945 التي قوبلت بمجزرة يندى لها جبين الإنسانية، لأن ذلك حسبه يعبر عنها على أساس نظام سلبي يلجأ إليه الشعب. وأضاف أن فلسفة المقاومة هي أرقى فلسفة الكفاح والنضال، قائلا:« حين يخرج الشعب في مواجهة الآلة الاستدمارية، دليل على أن شعبنا وصل إلى درجة من النضج، والآن نتحدث عن مظاهرات الشعب كرمزية لأرقى صور النضج السياسي". أوضح الياس نايت قاسي من منبر ضيف "الشعب" أن الموقع الجغرافي لضربات 8 ماي 1945، بقالمة،و سطيف وخراطة كانت مدروسة من طرف الاستعمار، كون أن هذه المناطق شكلت الوعاء الانتخابي الأكبر لجماعة الاندماجيين على رأسهم فرحات عباس، مبرزا بأن فرنسا حين رأت مطالب الحركة الوطنية سنة 1943، خافت من الانتقال الجذري لجماعة الاندماجيين الذين كانت تراهن عليهم للبقاء في الجزائر من التيار اليميني إلى المطالبة بالاستقلال حتى ولو كان فيدراليا أو ذاتيا.وأضاف محدثنا أن هذا التحول الجذري شكل للإدارة الاستعمارية ضربة موجعة، فقامت بحركة استباقية سنة 1945، وهي ارتكابها لأبشع المجازر في تاريخ الإنسانية، كونها كانت تشعر أن هناك شئ يولد دون أن تراه. وحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، فإن مجازر الثامن ماي هي حادثة خطيرة يتحمل مسؤوليتها السياسيون الذين أمروا الجزائريين بالخروج في مظاهرات سلمية، وكانت نتائجها خسائر بشرية كبيرة جدا في صفوف الجزائريين، داعيا إلى ضرورة إدراج مجازر 8 ماي 1945 من بين المواقف التي يجب أن تدرس بعناية وبكثافة، وأن تكون الدراسة أكاديمية علمية حقيقية. وفي رده على سؤالنا حول مدى توفر الكتابات التاريخية حول موضوع الثامن ماي1945، وإعداد أطروحات جامعية بشأنها، أوضح الدكتور نايت قاسي أن الباحث أو المؤرخ الجزائري ما يزال يعتمد في بحوثه التاريخية على الأرشيف الفرنسي بنسبة 90 بالمائة، كوننا نفتقد للأرشيف الوطني وإحصائيات دقيقة في هذا المجال قائلا أنه لا يمكن كتابة تاريخنا الوطني من العدم، غير أنه لم يخف وجود بعض الاجتهادات. محطة تحول في مسار الحركة الوطنية وأضاف الأستاذ الجامعي أن الباحث ما يزال في معركة البحث عن الأرشيف، مما جعل العديد من المؤرخين يبتعدون عن الكتابة التاريخية خاصة حول موضوع مجازر الثامن ماي 1945، ويلامون أحيانا على ذلك، مشيرا إلى أن الأعمال الأكاديمية وأطروحات الدكتوراه التي تتناول تاريخ الحركة الوطنية لا يستطيع الباحث فيها أن يتناسى ذكر مظاهرات 8 ماي كونها نقطة أساسية في تحول مسار الحركة الوطنية خاصة التيار الاستقلالي، مؤكدا أن المظاهرات هي مشروع ثورة أجهض من طرف الاستعمار الفرنسي لأنها كانت تدرك أن الخطر لا يتأتى إلا من التيار الاستقلالي. زيادة على ذلك قال ضيف"الشعب" هناك مشكل آخر يعاني منه الباحث وهو مسألة طبع الرسائل الجامعية، حيث أنه في العديد من الدول العربية يمنحون لصاحب البحث شهادة تسلم لرئاسة الجامعة، هذه الأخيرة تتكفل بطبع أطروحته الجامعية، على خلاف ما يوجد في جامعاتنا التي تفتقد لمثل هذا التقليد، مما يجعل الرسائل الجامعية حبيسة أدراج المكتبة الجامعية. وبالموازاة مع ذلك، شدّد نايت قاسي على وجوب تدوين الكتابات التاريخية من طرف أساتذة حقيقيين ووفقا للمقاييس العلمية، وأن يكون هناك توظيف حقيقي للتاريخ الذي هو عبارة عن تجارب إنسانية، ولم يفوت الفرصة في معرض حديثه للإشادة بفكر النابغة مالك بن النبي الوحيد الذي انتقد ابن خلدون بطريقة علمية، حيث وظفت أفكاره دولة ماليزيا، وهي الآن في مقدمة الدول الإسلامية المتقدمة، وللأسف نحن أبناء جلدته نجهل أعماله الفكرية التي تمكننا من النهوض بالجزائر حضاريا.