قدمت أول سفينة للصيد البحري سنة 1980 بحوض ميناء زموري، ثم تلتها ثانية تحت اسم «عبد الحفيظ « سنة 1982، بمساعدة أبنائه الذين توارثوا هذه الحرفة مثلما ورثها هو أيضا أبا عن جد، بعد سنوات قضاها في مقارعة أمواج البحر المتلاطمة من أجل كسب رزق أبنائه بيده وبعرق جبينه، إنه البحار أو الصياد و عاشق البحر علي شاوش المشهور بين الصيادين باسم «عمي علي» صاحب الابتسامة العريضة ومحبوب البحارة وعمال مؤسسة كوريناف التي أسسها وقام بتطويرها حتى صارت من أهم شركات بناء وإصلاح سفن الصيد البحري بمختلف الأحجام على مستوى الشريط الساحلي الجزائري. نزلت «الشعب» إلى ميناء الصيد لزموري المفتوح على مصراعيه وفي حركيته المعهودة، حيث كانت لحظتها مجموعة من السفن تجر شباكها في طريقها نحو الرسو وأخرى على أهبة الاستعداد للإبحار مساء وإعداد المركب من طرف البحارة، ورغم هذه الحركية داخل الميناء من جهة وزرقة البحر الهادئ ذلك اليوم، إلا أن تفكيرنا كان منصبا أكثر على هدفنا وهو مؤسسة بناء وإصلاح سفن الصيد المعروفة اختصارا باسم «كوريناف» لصاحبها عمي علي. وقد سمعنا عنه كثيرا قبل هذا اللقاء الذي جاء بلا موعد أو إذن بإجراء المقابلة، وأسئلة كثيرة حول سر نجاح المؤسسة واحتلالها مكانة متقدمة بين المؤسسات التي استفادت من برنامج الدعم الحكومي في إطار الإنعاش الاقتصادي الذي خصصته الدولة بداية من سنة 2004 عن طريق منح قروض بنكية لإعادة بعث الروح في عدد من الهياكل التي تآكلت مع مطلع التسعينيات وبداية بوادر الأزمة الاقتصادية مع تراجع محسوس لنشاط قطاع الصيد البري وإنتاج الثروة السمكية، ورغم كل هذا الاهتمام الاقتصادي من طرف الدولة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لانتشالها من الاضمحلال والزوال ، إلا إن القليل منها ثبت أمام هذه الوضعية وأحسن استغلال الظرف المناسب بفضل الحكمة في التسيير والتبصر لما قد تحمله سياسة الدعم والإنعاش من فضل ومزايا وتثبيت أقدام ودعائم كل مؤسسة تحمل تصورا واضحا ورؤية مستقبلية لطبيعة الاستثمار في قطاع الصيد البحري وآفاقه المستقبلية الواعدة، وهي القناعات التي جعلت القائمين على مؤسسة كوريناف يثبتون على نفس المسار التنموي في تطوير النشاط وتوسيعه. البداية الأولى ..وسر سفينة عبد الحفيظ استقبلنا عمي علي رفقة مدير المؤسسة المكلف بالشؤون الإدارية بوعلام حدوش في مكتب متواضع متواجد بالطابق الأول من الورشة المخصصة للبناء وإصلاح السفن بعد أن تم إرشادنا إليه من طرف أحد العمال، وبمجرد أن عرف أننا من جريدة «الشعب» حتى بدت علامة الارتياح جلية عليه، لأنه وببساطة يملك عدة تجارب مع الصحافة البعض منها تحمل طابعا سلبيا نتيجة التضارب في الأرقام المتعلقة بحجم النشاط لما بعد فترة الإنعاش الاقتصادي، وقد بدأ عمي علي في سرد بدايته الأولى مع حرفته المفضلة وهي بناء السفن التي تتطلب مثلما قال موهبة ومهارة يدوية غير متاحة للجميع..»لقد كانت أول سفينة صيد قمت ببنائها سنة 1980 رفقة بعض أبنائي ثم كانت سفينة ثانية باسم عبد الحفيظ سنة 1982، وهم اسم اختاره أحد الزبائن لإطلاقه على السفينة كما جرت عليه العادة لدى البحارة والصيادين الذين يتفننون في اختيار أسماء العلم وأحيانا أسماء لأماكن وأخرى لمحبوب أو شخص قريب، لتنطلق بعد ذلك المسيرة وتتطور إلى إنشاء مؤسسة ذات الشخص الوحيد «أورل» ثم تطورت لاحقا مع توسع النشاط لتتحول إلى مؤسسة ذات أسهم «صارل»، وخلال كل هذه التحولات شهدت المؤسسة العديد من العقبات والمشاكل بعضها إداري والبعض الآخر مرتبط بطبيعة النشاط الذي بدأ يشهد تراجعا مستمرا في الإنتاج وتذبذبا في عملية التوزيع، وهو ما انعكس سلبا أيضا على المهنيين وأصحاب السفن، حيث اضطر الكثير منهم إلى تغيير المهنة أو توقيف النشاط مؤقتا، وبالتالي بدأ حجم الطلب على بناء السفن وإصلاحها يتراجع باستمرار، ما عدا بعض النشاطات المتعلقة بالتنظيف الداخلي والخارجي للسفن المعروف لدى المهنيين «بالكاريناج»، إلى غاية صدور برنامج الإنعاش الاقتصادي سنة 2004 من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفائدة المؤسسات الحرفية العاجزة أو تلك التي واجهتها صعوبات مالية، حيث قدم دعما قويا لإعادة بعث بعض المؤسسات الاقتصادية التي استفادت من جرعة أنسولين إضافية استغلتها عديد المؤسسات بطريقة ايجابية في استمرارها وتطوير نشاطها. 5 مليار سنتيم للإنعاش وتوسيع النشاط أخذ مدير المؤسسة ومسيرها بوعلام حدوش على عاتقه مسألة الحديث عن الجانب التقني وخصائص الشركة بشقيها بناء السفن وإصلاحها قائلا..مؤسسة كوريناف تتفرع إلى شقين، الأول خاص ببناء السفن المعروف سواء بمادة الخشب، لا ريزين، أو الألياف الزجاجية وتشمل كل الأنواع منها المعروفة «الساردينيي» المتخصصة في صيد السردين، الشالوتيي، إضافة إلى سفن المهن الصغيرة، والسفن الصغيرة التي يستعملها الصيادون كملاحق لنقل العتاد وشبكة الصيد، وهناك أيضا نوع آخر خاص بسفن الترفيه ولو بنسبة أقل، في حين يتراوح حجم أو طول السفن التي تقوم المؤسسة ببنائها ما بيم 4 إلى 25 متر، كما تحرص كوريناف على تزويد سفن الصيد بمحركات «بودوان» الفرنسية المشهورة التي يفضلها مالكو سفن الصيد، باعتبارنا الممثل الحصري لهذه الشركة على المستوى الوطني، مع ضمان خدمات ما بعد البيع وكل أشكال الصيانة وأنواع قطع الغيار. أما الشق الثاني فيتمثل حسب مدير كوريناف في عملية تصليح جميع أنواع سفن الصيد التي لا يتعدى وزنها 150 طن، تماشيا مع طاقة العمل الخاصة بآلة الرفع المستعملة في جر ورفع السفينة بغرض إصلاحها وإعادة تهيئتها وتجديدها للإبحار مرة ثانية، وقد ساهم برنامج الإنعاش لسنة 2004 حسب ذات المسؤول، في دعم المؤسسة بحوالي 5 مليار سنتيم عبارة عن قروض بنكية مباشرة لإعادة تفعيل كوريناف وضمان استمرارها في الميدان، إضافة إلى دعم غير مباشر قدر بنسبة 60 بالمائة لشراء آلة الرفع بقيمة 6 مليار سنتيم وهي آلة من النوع الرفيع أمريكية الصنع تابعة لماركة «مارين ترافلين»، ومساعدات مالية أخرى بنسبة 40 بالمائة لاقتناء مجموعة من الأدوات والوسائل التقنية حسب حجم الطلب المقدم، معترفا في نفس الوقت أن الدولة لم تدخر جهدا في تقديم الدعم اللازم للمساعدة على توسيع النشاط وخلق مزيد من فرص العمل لدى الشباب. تراجع الثروة السمكية يعيد الأزمة من جديد لم يكن «عمي علي» مالك مؤسسة كوريناف لبناء وإصلاح السفن يدرك أن مرحلة الرخاء والبحبوحة المالية التي عرفتها الشركة من خلال برنامج الإنعاش الاقتصادي وتوسع مجال النشاط واليد العاملة الشغيلة، قد يأتي عليها زمن تنكمش فيه المؤسسة ويتراجع معها حجم النشاط، وذلك ليس راجعا لسوء التسيير وعدم تقدير مخارج الأموال التي ضُخت لإعادة انتشال كوريناف، إنما الحقيقة مثلما عرضها عمي علي تعود إلى الأزمة العميقة التي دخلها قطاع الصيد البحري نتيجة تراجع الثروة السمكية وارتفاع الأسعار، مع توقيف تسليم رخص الاستغلال وبناء السفن من طرف الدولة لفائدة الصيادين والمهنيين، بحجة أن عدد سفن الصيد الموجودة حاليا قيد النشاط تفوق قدرة استيعاب الموانئ والمرافئ الطبيعية، وهو القرار الذي قسم ظهر كوريناف وأصابها في الصميم نتيجة تراجع الطلب ولم يعد يقتصر إلا على عملية التهيئة والتنظيف»الكاريناج» أو الإصلاح. في هذا الصدد يقول عمي شاوش..»خلال مرحلة الإنعاش الذي يحبذه عمي علي وكرره أكثر من مرة على مسامعنا، وصل عدد السفن المتراصة داخل ورشة الإصلاح 18 سفينة مرة واحدة، إضافة إلى 60 عاملا، لكن هذا العدد تراجع حاليا ليصل إلى 38 عاملا فقط، ونفس الأمر بالنسبة لعملية البناء والإصلاح، رغم ذلك فإن المؤسسة تحرص على الاستمرارية والعودة من جديد وبقوة أكبر، والدليل في ذلك أن عدد سفن الصيد التي تم إصلاحها سنة 2013 وصل إلى 250 سفينة وبناء 18 أخرى في الفضاء المفتوح، أما الورشة فلا تتسع سوى لسفينتين من الحجم الكبير واثنتين من الحجم الصغير، بمعنى أن قدرة الإنتاج قد تصل إلى 60 سفينة صغيرة الحجم و5 سفن من كبار الحجم في السنة. قبلة للشباب حاملي شهادات التكوين المتخصص شكلت مؤسسة إصلاح وبناء السفن «كوريناف» بزموري ملجأ مفضلا وأحيانا وحيدا بالنسبة للشباب المتربصين على مستوى مراكز التكوين المهني والتمهين حتى قبل إنشاء المركز المتخصص في الصيد البحري وإصلاح شباك الصيد الذي افتتح مؤخرا بزموري، نظرا لتعدد العروض المقدمة من طرف المؤسسة لفائدة الشباب، يقول بوعلام حدوش الأكثر إلماما بالجانب التقني في هذا الشأن..» أغلب العمال المتواجدين حاليا بالمؤسسة هم من خريجي معاهد التكوين المهني، خاصة وأن كوريناف تعرض ثلاثة تخصصات أساسية أمام المتربصين وطالبي العمل، وهي تخصص مصمم»شاربونتيي»، تخصص نجارة عامة، وتخصص لحام وهي مهن ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها في عمليات البناء وحتى الإصلاح، وبالتالي فإن كوريناف تحولت إلى قبلة للشباب من حاملي شهادات التكوين في التخصص، لكن تراجع نسبة الطلبات من طرف الصيادين حال دون توسيع النشاط واستقبال مزيد من اليد العاملة المؤهلة رغم استعدادنا للرفع من طاقة الإنتاج ونفس الأمر بالنسبة لعروض العمل، كما نقوم في الوقت الحالي أيضا بتشغيل عاملين مستقدمين من طرف وكالة التشغيل الولائية «انام»، حيث تمنح الشركة راتبا مضاعفا وأحيانا أكثر على ما هو محدد من طرف وكالات التشغيل المحلية لتشجيعهم على العمل والاندماج المهني. كما فتحت كوريناف أبوابها للشباب حاملي المشاريع الاستثمارية في مجال الصيد البحري في إطار الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، حيث فتحت الدولة استثناء لفائدة هذه الفئة عملية الترخيص ببناء سفن الصيد من أجل تشجيعهم على النشاط وخلق مؤسسات استثمارية، وقد أكد بوعلام حدوش كذلك أن كوريناف تقوم بتقديم تسهيلات كثيرة لأصحاب الطلبات عن طريق التقسيط وأحيانا يتم التعامل مع شباب « اونساج» بضمانات فقط مقدما مثالا عن عشرة شباب استفادوا من هذا الامتياز، مع اقتراحه مراجعة نسبة القرض المقدم للشاب المقدر بمليار سنتيم، خاصة وأن سعر السفينة العادية حاليا يصل إلى 950 مليون سنتيم، وشبكة الصيد ب 200 مليون سنتيم وبالتالي فان حجم القرض لا يلبي تكاليف إنشاء مؤسسة بكامل تجهيزاتها الضرورية، كما دعا أيضا إلى مراجعة بنود عقود مؤسسات التشغيل ورفع نسبة القسط الأول من 10 بالمائة إلى 30 بالمائة على الأقل تماشيا وحجم التكاليف المتزايدة للمواد الأولية الأساسية في بناء سفينة صيد، وتمديد مدة الإنجاز من 4 أشهر إلى سنة من أجل منح الوقت الكافي لبناء سفينة خاضعة للمعايير الدولية وتستجيب لطبيعة المهنة. تفاؤل بالمستقبل ولكن.... لم يشأ عمي علي أن يتركنا نغادر المكان دون أن يأخذنا في جولة داخل الورشة المغطاة بمساحة 600 متر، والأخرى المفروشة على الهواء الطلق بمساحة 3500 متر، لاطلاعنا على الظروف الصعبة التي تعاني منها المؤسسة في ظل الضغط وصغر المساحة التي ينشط فيها العمال، مقابل فوضى التسيير داخل الميناء وعدم قدرة مؤسسة تسيير موانئ الصيد على بسط نفوذها، واحتلال عدة فضاءات من قبل مؤسسات وصفت بالمفلسة..نريد منكم توجيه رسالة إلى والي الولاية ووزير الصيد البحري من أجل التدخل لتمكيننا من توسيع ورشة بناء وإصلاح السفن وإيجاد فضاءات إضافية للاستجابة للطلبات المزايدة من قبل المهنيين الراغبين في إصلاح سفنهم أو تجديدها يقول عمي علي، الذي أضاف قائلا..أنظر إلى رصيف الميناء هناك عدة سفن تنتظر دورها في عملية الكاريناج لكن صغر الفضاء لم يسمح لنا بذلك، مقابل تعمد البعض الآخر ترك سفنهم التي استفادت من الإصلاح، مشيرا بيده إلى سفينة لصيد السردين مولت من طرف مؤسسة «اونساج» تركها أصحابها في الرصيف بلا عودة. كما طرح صاحب مؤسسة كوريناف مشاكل أكثر حدة تتعلق بالمواد الأولية خاصة منها مادة الخشب التي تدخل في بناء السفن، حيث يتم استيرادها من دولة الكونغو عن طريق فرنسا، وهي مواد أصبح يتحكم فيها الخواص بعد عجز مؤسسة صناعة الخشب للرغاية عن تلبية الطلب منذ أكثر من خمس سنوات، وهو ما أدى حسب قوله إلى مضاعفة السعر من 5 مليون سنتيم للمتر المكعب إلى 10 مليون سنتيم للمتر لدى المستوردين الخواص، معبرا عن استعداد شركته لاستيراد هذه المادة في حالة الاستفادة من مساحات إضافية للتخزين، ونفس الأمر بالنسبة لعملية الاستثمار في بناء يخوت الترفيه الموجه لقطاع السياحة، وهي من المشاريع المستقبلية التي تسعى إليها مؤسسة كوريناف لتوسيع وتنويع نشاطها، لكن كل ذلك يتوقف على مدى استجابة السلطات الوصية لهذه الرغبة.. في الختام لم يخف مالك شركة كوريناف ومديرها بوعلام حدوش رغبتهما في أن يتفضل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، بمسح ديون المؤسسة لدى البنوك مثلما حدث مع فئة الفلاحين وبعض المؤسسات الأخرى، من أجل إعطائها ديناميكية اقتصادية جديدة وانطلاقة قوية نحو الأمام.