استشهاد 33 فلسطينيا بينهم 21 امرأة في قصف للاحتلال الصهيوني لمخيم جباليا    منظمة التحرير الفلسطينية تطالب الأمم المتحدة بالبدء في اتخاذ الخطوات العملية لتنفيذ قراراتها    الجيش الصحراوي يستهدف قواعد جنود الاحتلال المغربي بقطاع البكاري    انهيار عمارة ببشار: وزير السكن يعقد اجتماعا طارئا    بشار: انهيار عمارة سكنية بالمنطقة العمرانية الجديدة "لحمر"    زهانة يعوّل على إنشاء السلطة المينائية    المنفي مدعو لحضور احتفالات نوفمبر    ربيقة يسلّم دعوة لغالي    بروتوكول تعاون عسكري بين الجزائر وموريتانيا    ولاية الجزائر تحيي اليوم الوطني للهجرة    الجزائر تجدّد دعمها لحق الشعب الصحراوي    هكذا استشهد السنوار..    عمراني مدرباً جديداً لبلوزداد    هذه قائمة المدربين الأعلى أجراً في العالم    الاقتصاد الوطني سينمو ب4.5 بالمائة    إلغاء وتغيير أوقات عدّة رحلات    السمنة.. خطر يُهدّد الصحة العمومية بالجزائر    تظاهرات متنوعة وإطلاق مشاريع تنموية بولايات الجنوب    10 مساهمات للمسلمين في العلوم    وزير الصحة يؤكّد ضرورة إنشاء أقطاب خاصّة    كرة القدم/الرابطة الأولى موبيليس (الجولة الخامسة) : مولودية الجزائر ترتقي إلى الصدارة    سطيف: 35 عارضا في الصالون الوطني للفلاحة والإنتاج النباتي    الرابطة الثانية هواة/الجولة 5: مستقبل رويسات ونجم بن عكنون يحافظان على الصدارة رغم تعادلهما    الدورة 149 للاتحاد البرلماني الدولي "فرصة رافعت خلالها الجزائر عن القضيتين الفلسطينية والصحراوية"    السيد بوغالي يشارك بجنيف في الاجتماع الثاني للجنة التحضيرية للمؤتمر ال 6 لرؤساء البرلمانات    غليزان: إصابة أربعة أشخاص بجروح في حادث مرور ببلدية سيدي سعادة    وزير الصحة يشرف على افتتاح أشغال المؤتمر الدولي لأمراض القلب    الجمعية العامة للأمم المتحدة: اللجنة الرابعة تتبنى قرارا يجدد التأكيد على الإطار القانوني لقضية الصحراء الغربية    حماس تعلن إستشهاد رئيسها يحيى السنوار    معرض المؤتمر الدولي للعلوم الغذائية بقسنطينة: المزرعة الذكية والمنتجات الغذائية غير الكيميائية أبرز الابتكارات المعروضة    باتنة..مشاركة أزيد من 500 مختص في الملتقى التاسع لأمراض الكلى    الخطوط الجوية الجزائرية تلغي وتغير أوقات عدة رحلات مبرمجة    الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين الجزائر وموريتانيا    الرئيس الأرجنتيني يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    بنك الجزائر: طالب يستقبل وفدا عن البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد "أفريكسيم بنك"    ربط أكثر من 40700 مستثمرة فلاحية بالكهرباء منذ 2020    حيداوي يبرز دور الشباب في الحفاظ على الذاكرة الوطنية ونقلها إلى الأجيال القادمة    وزيرا الثقافة والتجارة يفتتحان المعارض الفنية والإبداعية الخاصة بتظاهرة "كانكس ويكاند 2024"    اليوم الوطني للهجرة: تظاهرات متنوعة وإطلاق مشاريع تنموية بولايات الجنوب    تنس الطاولة/بطولة افريقيا: تأهل الثنائي جلولي وكساسي لنهائي الزوجي المختلط    8 منتخبات تضمن رسميا تأهلها    فرنسا تسمم زعماء إمارة أولاد سيدي الشيخ    الابتلاء من الله تعالى    والي بومرداس تعد بالتّكفل بانشغالات السكّان    إقبال كبير للنسوة على تخليل الزيتون    المهرجان الدولي للمسرح ببجاية: مسرحية "تيرا مادري" للفرقة الإيطالية "تياترو بلو" أو نداء نجدة الطبيعة    النعامة.. وفاة سبعة أشخاص وجرح 19 آخرين في حادث مرور ببلدية مغرار    منصّة رقمية لتسيير مصالح الاستعجالات    اللجنة الوطنية للأطباء المقيمين في إضراب وطني لمدة 3 أيام    حملة تلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    المنتخب الجزائري لتنس الطاولة في مواجه ساخنة مع النيجيري    الخضر يتاهلون إلى كأس أفريقيا للأمم 2025    المهرجان الدولي للمسرح ببجاية : رقصة السماء.. مزيج ساحر بين المسرح، السينما والفيديو    تنظمه جامعة باتنة.. ملتقى وطني حول التعددية اللغوية في المنظومة التربوية والجامعية    نعمة الأمن لا تتحقق إلا بوجود 4 مقومات    هكذا نزلت المعوذتان على النبي الكريم    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرّحلة الطّويلة للبحث عن الدّولة
نشر في الشعب يوم 20 - 05 - 2014

لم يستطع اللّيبيون أن ينتقلوا من مرحلة "الثورة" إلى مرحلة الدولة، وهذا رغم مرور ثلاث سنوات على الأحداث التي أطاحت بالعقيد القذافي، وتصفيته بطريقة بشعة على يد الميليشيات المدعومة من حلف الناتو، وكان ذلك مؤشّر على غرق البلاد في الفوضى العارمة.
من الجماهيرية إلى اللاّدولة
إنّ النّظام الجماهيري الفريد من نوعه في هذا العالم الذي حكمت به ليبيا لمدة 42 عاما لم يبن دولة مؤسسات بالمفهوم الحديث للدولة المدنية،ولكن مجرد إدارات تسيّر يوميات المواطن الليبي وفق تصوّر القائد الذي أراد تقويض كل المؤسسات لكي يبقى وحده المتحكّم في زمام الأمور، وتثبيت حكمه الذي عمّر لأربعة عقود كاملة. حكم يقوم على شخص وحيد هو الرمز والقائد لثورة استمد منها مشروعية حكمه طوال تلك السنوات.
إنّ هذا التّركيز الصّلب للسّلطات بين يد شخص واحد حوّل "الدولة" الليبية إلى مجرد أداة لخدمة أهداف، وفي بعض الأحيان نزوات العقيد الذي قاد ثورة الفاتح سبتمبر 1969 مع ثلة من الضباط الأحرار ضد الملك إدريس الأول من أجل إقامة جمهورية ليبية تضمن عدالة توزيع الثروات، وإلغاء الاستغلال بكل أشكاله والقضاء على التواجد الأجنبي على الأراضي الليبية. ولا ينكر أحد أنّ هذه الثّورة استطاعت أن تحقّق الكثير للشّعب الليبي في البداية قبل أن تنحرف عن أهدافها وتتحول إلى مجرد مبرر لوجود سلطة فردية ضيّقة ساهمت من بعيد أو قريب في المشهد المأساوي الذي تعيشه ليبيا اليوم، وصعوبة الانتقال لغياب المؤسسات والمؤسسة العسكرية التي حوّلها إلى مجرد كتائب كانت الوحيدة القادرة لو كانت موجودة على مرافقة هذا التحول المفروض والمفاجئ في ظل غياب تام للأحزاب وللمجتمع المدني في هذا البلد على مدار 40 سنة.
مسؤولية حلف النّاتو
عند الحديث عن المأزق اللّيبي الحالي لابد من الكلام عن مسؤولية الحلف الأطلسي الذي استغل اللائحة الأممية 19 / 73، القاضية بفرض منطقة حظر جوي فقط من أجل تنفيذ غارات جوية بقيادة فرنسا استهدفت مواقع حكومية ليبية أدت إلى سقوط مدنيّين. وللإشارة فإنّ الطّائرات الفرنسية شرعت ساعات قليلة بعد مصادقة مجلس الأمن على تلك اللائحة في تنفيذ غارات استهدفت مؤسسات رسمية في العاصمة طرابلس وفي غيرها. كما شرع الطّيران الفرنسي في إلقاء كميات هائلة من الأسلحة والذخائر على "الثوار" المدعومين ميدانيا بأفراد من المخابرات الغربية، التي قامت بتدريبهم خاصة بعد إفلات منطقة شرق ليبيا عن رقابة الحكومة المركزية في طرابلس وبنغازي على وجه الخصوص التي كان لديها دائما وضع خاص في علاقتها مع نظام القذافي، والتي تحوّلت فيما بعد إلى قلعة لبرنار هنري ليفي الذي جاء لينفخ في سيناريو تفكيك وحدة هذا البلد، الذي لديه بناء اجتماعي يقوم على منطق القبيلة وليس الدولة، وقد ظهر ذلك جليا خلال الأحداث التي عرفتها ليبيا وحتى في توزيع حصص السلطة والمناصب خلال حكم العقيد القذافي.
إنّ حلف النّاتو الذي سارع إلى النّجدة المزعومة للشّعب اللّيبي، وإنقاذه من المجازر التي كان سيرتكبها في حقّه القذافي إن وصلت كتائبه المتوجّهة إلى بنغازي، سلّم ليبيا إلى ميليشيات مسلّحة مخترقة من الجماعات الإرهابية القادمة من كل حدب وصوب، وترك الشّعب الليبي إلى مصيره المجهول كما حصل في الحالة العراقية تماما أين تمّ حل مؤسسة الجيش العراقي، وتركت البلاد تغرق في الفوضى والدّمار. ولم يقتصر تدخل الناتو في ليبيا على تعفين الوضع الليبي وحده، ولكن زيادة التّهديدات الإرهابية في كل المنطقة وإعطاء نفس جديد للحركات الإرهابية التي استطاعت أن تحتل شمال مالي بفضل التّرسانة الحربية التي تحصّلت عليها في ليبيا.
حلم الدّولة المجهض
إنّ المنحى الخطير الذي أخذه المشهد الليبي سيرهن بكل تأكيد ما تمّ قطعه من أشواط على بساطتها على طريق بناء دولة ليبية قادرة على بسط الأمن كأولوية، واسترجاع السيطرة على ثروات الشّعب التي تحوّلت عن طابعها الوطني إلى القبلي بعد أن أصبحت القبيلة تحت سلطة القبيلة دون إعلان ذلك صراحة، التي سيطرت على الحقول والموانئ النفطية وأصبحت ثروات الشعب مفتوحة على النّهب والسّرقة أمام مرأى ومسمع السّلطات الليبية الانتقالية، التي لم تستطع فعل شيء سوى التهديد بقصف البواخر النفطية التي تقترب من السواحل الليبية دون إذن من الشركة الليبية للنفط، وحتى ذلك لم تفعله رغم اختراق سفن أجنبية للمياه الإقليمية الليبية، وأكثر من ذلك لم تستطع تلك السلطات حماية رئيس الوزراء علي زيدان من الاختطاف من قبل ميليشيا غرفة ليبيا المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين.
على كل موجة العنف التي تشهدها ليبيا مؤخرا تبعث على القلق حول مستقبل هذا البلد، الذي يعيش أزمة متعددة الأبعاد في ظل غياب قيادة قادرة على جمع الشتات، وكسب ثقة الشعب الليبي التائه بين إرادات سياسية متضاربة
وميليشيات مسلّحة تفرض منطقها، وعنف متزايد كل ذلك من شأنه أن يرهن بناء دولة ليبية تمتلك وحدها حق حفظ الأمن بواسطة مؤسسات أمنية نظامية تخضع للقانون، وليست رهينة ميليشيات مسلّحة تفلت من السيطرة وتفرض منطقها وقوانينها، والتي تتنافى مع منطق الدولة التي لم تر النور بعد.
في الأخير لا بد أن تتحمّل الأطراف التي ساهمت في إيجاد المأزق الليبي الحالي مسؤوليتها في إنهائه، لأنه من غير الممكن ولا المقبول أن يتحول مجلس الأمن الدولي والقرارات الأممية إلى ذريعة يتم بواسطتهما العدوان على دولة عضو في الأمم المتحدة، والقيام بتصفية قيادتها تحت أي مبرر، وتحطيم مؤسساتها وخلق حالات الفراغ ثم الانصراف وترك الشعب الليبي إلى مصيره البائس بعد أن صوّرت له أن نهاية القذافي ونظامه على أنّها بداية عصر الديمقراطية الموعودة التي لم يجن منها هذا الشعب إلا الموت والخراب، لتظهر في الأخير أكاذيب الفيلسوف الفرنسي هنري ليفي الذي وعد الليبيين بفردوس الديمقراطية التي أصبحت مطية لنشر الفوضى
وتحطيم الدولة الوطنية العربية، وإعادة بعث فلسفة القبيلة على حساب الدّولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.