خلال ثمانية أشهر أو أكثر بقليل، تحولت ليبيا من بلد مستقل ومستقر إلى بلد مستعمر ومدمر، وهنا لا بد من الإشارة أولا إلى مسؤولية العقيد المقتول القذافي في المآل الذي وصلت إليه ليبيا لأنه حكمها أزيد من أربعة عقود من الزمن. لا يتحمل القذافي وحده المسؤولية، لأن الذين خلفوه في السلطة، وعلى رأسهم مصطفى عبد الجليل واللواء المقتول عبد الفتاح يونس وكذلك عبد الرحمان شلقم وآخرين، ليسوا سوى رجال العقيد لسنوات طويلة أيضا. إذن ما الذي حدث في ليبيا؟ المراقبون منقسمون بين من يقول بأن ما جرى في ليبيا كان ثورة شعبية كسابقاتها في مصر وتونس، وبين من يؤمن بنظرية المؤامرة، في ظل مؤشرات عديدة تدل على دور فرنسي في الانقلاب على القذافي، قاده برنار ليفي مستشار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. لكن هناك قطاع واسع أصبح مقتنعا اليوم -بعد سقوط نظام العقيد القذافي ومقتله مع عدد من أفراد عائلته وأركان نظامه- بأن ما جرى في ليبيا هو ثورة تم الاستيلاء عليها مبكرا من طرف ''أعداء'' العقيد القذافي، بدليل سرعة تنفيذ ضربات عسكرية عن طريق حلف الناتو، في وقت كان من الممكن توسيع هامش المفاوضات مع القذافي، كما يجري الآن مع الرئيس السوري بشار الأسد. وفي التفاصيل، يشير المراقبون إلى نقطة مهمة في ظروف اندلاع الأزمة الليبية بمنطقة بنغازي تحديدا، وهؤلاء يشيرون إلى ''حقد'' قديم بين سكان هذه المنطقة الشرقية وبين العقيد القذافي، تمظهر في إهمال المنطقة تنمويا لفائدة منطقتي سرت وطرابلس العاصمة، فضلا عن قضية الانقلاب على الملك إدريس السنوسي. ولهذا انطلقت شرارة الأزمة من بنغازي بعنف ضد نظام القذافي، وهناك من يحب القول إن هؤلاء المنتفضين ضد القذافي، تحركوا من مبدأ ''تقليد'' المتظاهرين في مصر وتونس. ومن الناحية العملية، لم تعش بنغازي أجواء الحرب سوى شهر واحد مقارنة بمدينة مصراتة القريبة من طرابلس بحوالي 200 كيلو متر، فهي المدينة الوحيدة التي انتفضت عسكريا ضد القذافي، وشهدت أعمال عنف مدمرة من الجانبين. على الطرف الآخر، يرى ملاحظون أن ما جرى في ليبيا كان ''ثورة تحت الطلب''، أو ''ثورة تم السطو عليها''، وأيا كان الوصف، ففي النهاية برز جليا الدور الغربي (وتحديدا الفرنسي منه) في إسقاط نظام العقيد القذافي، بداية من الدعم اللامشروط الذي حظي به قادة المجلس الانتقالي الليبي لدى قصر الإلّيزي، في بداية الأحداث، وأيضا خلال الأشهر الصعبة التي تلت الشروع في حرب بقيادة حلف شمال الأطلسي على ليبيا. وكانت تصريحات مسؤولين فرنسيين، باختلاف مستوياتهم، آخرهم برنار ليفي تؤكد تورط باريس في دعم الثوار الليبيين بالسلاح والمدربين العسكريين. وهنا يتضح أن التدخل الأجنبي كان بارزا بقوة في الحالة الليبية على عكس الحالتين المصرية والتونسية، اللتين فاجأتا الجميع وجرى فيهما التغيير داخليا، ولم تؤد الثورة إلى انقسام كبير في المجتمع وفي المؤسسات، بحيث عمل الجيش دور ''حامي الشعب''، في حين انفلتت الأمور في ليبيا وتسلح الجميع ضد الجميع، في مشهد لا يحدث إلى في الأفلام.