إن لله في أيام دهرنا لنفحات... تستروحها القلوب التي طالما أضناها الشوق إلى لذة الوصال... فتذوب في علاقة حميمة نسجت من الحب والخوف والرجاء، تروي شجرتها التقوى والإخبات... فتتأصل جذورها في الروح؛ ليكون وصالاً أبديًّا لا تطويه السنون، وينأى هؤلاء عمن قصدهم قوله تعالى "فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم"؛ إذ إن الدنيا ما تكاد تتكالب عليهم حتى يرتشفون عبير نفحات جديدة تعود بهم مرة أخرى إلى ارتقاء الروح في سماء الوصال إلى أستار رحمة المولى سبحانه وتعالى. وها هي نسمات شهر الرحمات وزاد النفحات الربانية تدعونا لأن نستعد لاستقبالها، حيث تصفد الشياطين وتغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة وتقبل الدعوات، فضلاً عن ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وشهر هذا فضله حقيق بنا ألا نضيعه أبدًا وأن نأخذ بكل الأسباب لنحسن استقباله، ولكي نفعل فعلينا أن نتدبر معًا في مقاصد فريضة هذا الشهر (الصيام). في آية التكليف رحمات كثيرة، فالصيام عبادة شاقة؛ لذا جاء في ثنايا الآية عدة رحمات، قال القفال رحمه الله: انظروا إلى عجيب ما نبَّه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف: - قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ..." أحب الأسماء إلى الناس وأكرم النداء نداء الإيمان، ولذة النداء هنا أنست مشقة التكليف!. - وقوله "كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" في هذا التشبيه قولان أحدهما: أنه عائد إلى أصل إيجاب الصوم، يعني هذه العبادة كانت مكتوبة واجبة على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم، ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم، فما فرضها عليكم وحدكم، وفائدة هذا الكلام أن الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عمّ سهُل تحمله. - ثم بيان النتيجة والثمرة يهوّن الصعب، فقال عن محصول الصيام "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، فالصوم عمل له ثمر، فمحصوله التقوى، وهي أثمن ما يملك العبد. - ثم (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) مقدرات بعدد معلوم، والمقصود من هذا الكلام كأنه سبحانه يقول: إني رحِمتكم وخففت عنكم حين لم أفرض عليكم صيام الدهر كله، ولا صيام أكثره، ولو شئت لفعلت ذلك، ولكني رحمتكم وما أوجبت الصوم عليكم إلا في أيام قليلة. الفطر للحامل المرضع.. بشروط يباح الفطر للحامل و المرضع إذا خافت كل منهما على نفسها أو ولدها لحديث أنس بن مالك الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى وضع عن المسافر شطي الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم" أخرجه أحمد والترمذي واختلف الأئمة في لزوم الفدية عليهما فقال الأحناف يباح الفطر للحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما أو ولدهما وعليهما القضاء عند القدرة ولا فدية عليهما لعدم النص عليها وقال المالكية لا تجب الفدية على الحامل ولكن تجب على المرضع مع وجوب القضاء على كل منهما. وقال الشافعية إذا خافت الحامل والمرضع بالصوم الضرر الذي لا يحتمل سواء كان الخوف على أنفسهما وولدهما معا أو على أنفسهما فقط أو على ولدهما فقط وجب عليهما الفطر وعليهما القضاء في الأحوال الثلاثة وعليهما أيضا الفدية مع القضاء في الحالة الأخيرة وهي حالة الخوف على الولد فقط وكذلك قال الحنابلة إلا أنهم قالوا لا يجوز للمرضع الفطر إذا وجدت من ترضع ولدها أو وجدت ما تطعمه به.