كشفت المؤشرات الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2015، الذي يعرض على مصادقة نواب الشعب بحر الأسبوع الجاري، على مواصلة الدعم الكبير للقطاع الاقتصادي بضخ أموال معتبرة لا يقل حجمها عن سقف 811.9 مليار دينار، حيث رصد برنامج خاص مازال لم يعلن عن خطوطه العريضة، علما أن الدولة خلال هذا المشروع الجوهري عكفت على تخصيص إعانات لتسيير المؤسسات العمومية ناهزت حدود 777 مليار دينار بزيادة تصل إلى 3.8 بالمائة، لذا من المفترض في المرحلة المقبلة أن يعود الاقتصاد الوطني إلى واجهة خلق الثروة والمساهمة في تحقيق نسب نمو محسوسة، لأنه يستحيل أن يستمر في الدعم دون أن تحقّق المؤسسات الاقتصادية والصناعية وحتى تلك التي تنشط في مجال الخدمات وتيرة نمو وإنتاج معقولة. إن كان مشروع قانون المالية الذي انتقد كونه سجل مجددا عجزا إضافيا في الميزانية ويفتح المجال نحو الاستمرار في الاعتماد الكلي على ثروة النفط التي تراجعت أسعارها وتقلص إنتاجها، لكنه يعد السنة الأولى من تجسيد البرنامج الخماسي المقبل الذي سطر على ضوء توقعات دقيقة من أجل استكمال تشييد البنى التحتية وتأهيل الآلة الإنتاجية ومواصلة تجسيد الإنجازات التي تنعكس آثارها على الجبهة الاجتماعية سواء تعلق باستحداث مناصب الشغل أو تحسين القدرة الشرائية. وتؤكد الأرقام أن احتياطات الصرف ناهزت خلال نهاية السنة الفارطة إجمالي 194 مليار دولار، حيث سجّل بالموازاة مع ذلك تراجع في نشاط قطاع المحروقات بنسبة (-6 بالمائة)، وهذا ما انعكس بصورة تلقائية وأدى على صعيد التجارة الخارجية إلى غاية شهر سبتمر الفارط إلى انخفاض في عائدات تصدير المحروقات أي ب(-1.2 بالمائة). استمرار الإنفاق لتفعيل النمو الاقتصادي تضمّن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة غلاف مالي معتبر لدعم الاقتصاد الوطني وإعادة تأهيل الآلة الإنتاجية والرفع من تنافسيتها بشكل يجعلها مستحدثة للثروة وتسرع من وتيرة النمو خارج قطاع المحروقات بشكل يسمح للجزائر في السير في رواق الدول الناشئة والتي لا تتوفر العديد منها على الإمكانيات المادية والبشرية التي تزخر بها الجزائر، علما أن هذه الدول تمكّنت مجتمعة من تحقيق نسبة نمو لا تقل عن 5 بالمائة في ظلّ التقلص والمخاطر التي يكابدها الاقتصاد العالمي. والدولة رغم عجلة التنمية البطيئة للمؤسسة الصناعية، إلا أنها مازالت مصرّة ومن خلال مشاريع قوانين المالية، على دعم الاقتصاد كاستثمار حقيقي للمرحلة المقبلة، حيث رصدت خلال مشروع قانون المالية 2015 الذي تمت مناقشته في المجلس الشعبي الوطني وينتظر المصادقة نحو 811.9 مليار دينار من شأنها أن تقدم دعما وتأهيلا للمؤسسات وتساهم في إنشاء المزيد من النسيج الصناعي خاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولعلّ الاستمرار في تحديث البنى التحتية له أثره على صعيد تفعيل الاستثمار وجذب المستثمر الأجنبي الذي يمكنه أن يساهم في خلق الثروة وخلق منافسة داخلية والتصدير من الجزائر إلى الأسواق الخارجية. عودة القرض الاستهلاكي وغلق الصناديق الخاصة ومن أهم الإجراءات التي أدرجت في مشروع قانون المالية عودة القرض الاستهلاكي عن طريق الترخيص للبنوك في منح قروض لاقتناء مواد منتجة محليا، ويأتي هذا الإجراء حسب تأكيدات سابقة للمسؤولين من أجل تشجيع الإنتاج المحلي، ودعم القدرة الشرائية بطريقة غير مباشرة. وما تجدر الإشارة إليه، فإن إجراء إعادة بعث القروض الاستهلاكية الذي ينتظر أن يكون مرفوقا ببند يتضمن إعادة بعث التعاونيات الاستهلاكية على مستوى المؤسسات، بهدف تسهيل منح قروض للعمال كما تجسد العمل به في السابق، على أن يتم تحديد حجم القرض الذي يستفيد منه العمال ويكون على ضوء أجر كل عامل. وستكون الفرصة للعديد من المؤسسات الصناعية، خاصة تلك الناشطة في المجال الالكتروني والكهرومنزلية وما إلى غير ذلك لتسويق منتوجاتها التي تشهد منافسة شرسة خاصة مع المنتوجات المستوردة التي تغرق السوق وتعرف بجودتها العالية. وعلى صعيد آخر ينتظر الكثير من عملية التقليص من حجم الصناديق الخاصة في إطار تطهير الأموال العمومية، فمن 75 صندوق خاص قلّص إلى 67 صندوقا ومن خلال قانون المالية للسنة المقبلة تمّ تقليصها إلى 55 صندوقا، عقب إدماج وجمع 25 صندوقا في 15 صندوقا، مع إقفال صندوق واحد. ويذكر أن الإجراءين آثارا جدلا كبيرا من طرف العديد من النواب عقب طلب التوضيح والتحديد لطبيعة المنتوج الذي يسري عليه القرض الاستهلاكي إن كان محليا فقط، أم يشمل جميع المنتجات بما فيها المستوردة. التحذير من نمو تصاعدي للاستيراد يبقى تنامي حجم الاستيراد الظاهرة المخيفة التي تستنزف احتياطات الصرف، خاصة إذا فاق بكثير حجم الصادرات خارج قطاع المحروقات، وعلى ضوء مشروع قانون المالية حذّر الخبراء والنواب من التزايد المتصاعد للواردات، وحسب ما أكده وزير المالية محمد جلاب خلال عرضه لمشروع قانون المالية، فإن واردات المواد الغذائية ارتفعت إلى سقف 43.8 مليار دولار بزيادة تصل إلى 17.6 بالمائة خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2014. ويشكّل إلغاء المادة 87 مكرر امتصاصا آخر للموارد المالية، حيث يرجع جزء كبير من عجز الميزانية إلى الزيادات في الأجور، لكن الحكومة مازالت حريصة على الرفع من القدرة الشرائية للعديد من الفئات وتلبية لمطالب الجبهة الاجتماعية عقب الاتفاق على هذا الإلغاء في آخر قمة ثلاثية جمعت بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين والاقتصاديين.