تضع مؤشرات مشروع قانون المالية للسنة المقبلة 2015، كافة الشروط المالية في متناول القائمين على إدارة شؤون التنمية الاقتصادية والاجتماعية برصد إمكانات هائلة من شأنها أن تضمن فرص إنجاز وتيرة نمو معتبرة. غير أن رصد الموارد وتجنيدها لفائدة كافة القطاعات، لا يعني إطلاقا تركها عرضة للارتجال أو اللامبالاة وإنما يحذو أصحاب القرار السياسي إرادة صريحة بضرورة إخضاع تسيير الميزانيات القطاعية لشروط الحوكمة بهدف ترشيدها حتى تحقق الأهداف المسطرة لها في الآجال المرسومة وبالنوعية اللازمة. ومن الآن، تكون الكرة في جناح القائمين على تنفيذ الميزانية السنوية، للمبادرة مبكرا بالانتقال إلى مستوى أفضل وناجع في الأداء والمتابعة، من خلال إدراك حجم وثقل الموارد التي تضخ في دواليب الجهاز الاقتصادي والاجتماعي، في وقت تطلق فيه على صعيد الاقتصاد العالمي، خاصة أسواق المحروقات، مؤشرات تستدعي من كافة الشركاء التزام خيار الحذر واستباق كل احتمال وارد. بلا شك، أن تمكين الموازنة العامة للبلاد من موارد تعطي دفعا لكافة جوانب التنمية بما فيها التحويلات الاجتماعية التي ارتفعت بحجم معتبر، سيوفر العناصر ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي اللازمة لضمان ديمومة النمو والرفع من نسبته، من خلال تسليط الأضواء على المحيط المحلي، بالتركيز على ترقية التصدير خارج المحروقات وتنشيط القطاعات التي تلعب دورا معتبرا في تعزيز الموارد المالية بالعملة الصعبة، وعلى الساحة العالمية بالتحكم في معطيات أسواق المحروقات وحسن قراءة مؤشراتها على المديين القريب والمتوسط، ومن شأن ذلك أن يسمح لمركز القرار اتخاذ التدابير اللازمة في حينها دونما مساس بوتيرة الديناميكية التي يحققها الاقتصاد الوطني، الذي لايزال يحتاج إلى بذل المزيد على مستوى التكامل بين القطاعات والنجاعة في التعامل مع الأسواق الخارجية. وتمثل هذه الأخيرة معضلة تتطلب معالجة اقتصادية يساهم فيها المتعاملون المحليون بالدرجة الأولى، وذلك بالتقليص قدر الإمكان من اللجوء إلى الاستيراد دونما البحث عن البدائل الممكنة في السوق المحلية أو المبادرة بالاجتهاد في إنتاجها، خاصة وأن مناخ الاستثمار يعرف تحسّنا مضطردا ويستفيد من تحفيزات وإعفاءات من خلال مرافقة مالية وجبائية يتضمنها مشروع قانون المالية لفائدة المؤسسات التي تتناغم استثماراتها مع الأهداف الوطنية للتنمية، خاصة بالاتجاه نحو الجنوب والهضاب العليا، حيث تجري المعركة الكبرى للاستثمار وتفجير الطاقات البديلة للطاقة التقليدية. وحقيقة في تلك الفضاءات التي يجب تعميرها وبعث الحياة فيها، يمكن تحقيق حلم المستقبل، بشكل يضع المستثمر والمؤسسة والمجتمع في حالة من الارتياح في مواجهة تهديدات تراجع أسعار المحروقات، الأمر الذي أكد بشأنه وزير المالية محمد جلاب، أمام المجلس الشعبي الوطني، أنه تم التكفل به من أجل تفادي أي طارئ، عن طريق مقاربة مزدوجة تتمثل في قراءة متواصلة ومعمقة للمؤشرات من جانب والحوكمة من جانب آخر، وبالتالي التوصل إلى حماية موارد الميزانية العامة للبلاد.