تحركت آلة الموت الاستعمارية مرة أخرى عن طريق أساليبها الجهنمية، لحصد المزيد من الأرواح الجزائرية البريئة، فبعد احتلال فرنسي عمّر قرنا ونيف، لم يكن أمامه سوى الرضوخ أمام إرادة شعب لا تخيفه الطائرات ولا قوات الحلف الأطلسي، لأنه شعب يموت ليحيا ويحيا ليموت، شعب متشبع بقيم الوطنية والذود عن الحمى، يدعو إلى التحرر،الاستقلال وتطهير أرض الأمجاد والشهداء من المعمرين والخونة والمرتزقة. فرنسا الاستعمارية المدافعة عن حقوق الإنسان في المحافل الدولية والمنابر العالمية، لا تستحي عندما تتنكر لماضيها المدنس بأرواح الملايين من البشر الأبرياء عبر مستعمراتها في إفريقيا وآسيا. ولعل الجزائر أكبر متضرر من أعمالها الاستدمارية مقارنة بالمدة التي عمّرت فيها، تاركة خلفها الأسلاك الشائكة المكهربة على الحدود الغربية والشرقية أو ما كانت تطلق عليه خطوط الموت، وهما خطا شال وموريس، اللذين زرعتهما بآلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات، خوفا من مرور الأسلحة إلى جنود جيش التحرير الوطني. فبعد ستين سنة عن اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 واثنتين وخمسين سنة على استقلال الجزائر، مازالت فرنسا الاستعمارية تقتل أبناءنا جهارا نهارا يستوي في ذلك الصغير والكبير والإنسان والحيوان، فألغام الموت المزروعة في الأراضي الممتدة من الغرب إلى الشرق مازالت تحصد الأرواح يوميا. بالأمس فقط، لقي زوجان في الأربعينيات من عمرهما حتفهما بينما أصيب 04 آخرون بجروح خطيرة، منهم طفلان إثر انفجار لغم تقليدي يعود إلى الحقبة الاستعمارية. جاءت العملية بعد أسبوع من تسليم الأراضي منزوعة الألغام من طرف السلطات العسكرية والمدنية. وقد سجلت المناطق الحدودية الشرقية آلاف الحالات، مخلفة بتر أعضاء الأطراف السفلية أو العلوية، ناهيك عن المعاناة النفسية التي تتبع مثل هذه الحالات. وإذا كانت منطقة تلمسان وحدها سجلت 200 ضحية، فإن الحديث عن مناطق تبسة والطارف وسوق أهراس وبشار والنعامة يفوق بكثير. أمام هذه الأرواح التي تسقط يوميا، وفي غرة الاستقلال، فهل تعي فرنسا أن أرواح أبنائنا لا تموت بالتقادم، وأن هذه الجرائم هي جرائم في حق الإنسانية، كما جاء في اتفاقية أتاوة. فمتى تعود فرنسا الاستعمارية إلى صوابها وتفرج عن خرائط الموت التي زرعتها في الجزائر؟؟؟ وإلى متى تظل فرنسا تتقمص دور الجلاد والضحية؟؟؟