في القرارة منطقة الأصالة والعلم والصلاح الواقعة بولاية غرداية، ولد إبراهيم بيوض بتاريخ ال 21 أفريل 1899، مكّنه ذكاؤه من استكمال حفظ القرآن الكريم في سنّ مبكرة لم يتعد ال12 سنة، ثم شرع في دراسة المبادئ الأساسية في المعارف الدينية واللغوية، وكان حظه وافرا إذ تتلمذ على شيوخ ذوي بسطة في العلم والصلاح فاغترف من مناهلهم، ولازم مجالسهم حتى ارتقى إلى درجة أهلته لينوب عن شيخه الحاج عمر بن يحي، في تدريس بعض علوم اللغة عندما يدعوه الواجب إلى الغياب عن البلدة. لم ينج الشيخ بيوض من بطش الاستعمار، الذي امتدت يده الآثمة إليه فساقته مجبرا إلى التجنيد بعد الحرب العالمية الأولى، مثلما فعلت مع شباب الجزائر بتسخيرهم في الأعمال الشاقة والخطيرة، مما جعل الشاب بيوض بعد إنهاء الخدمة العسكرية الإجبارية يسارع إلى الاحتجاج الشديد فاضحا هذا الاعتداء السافر على شبابنا. وفي عام 1922، بدأ حياته العملية بالتدريس والتوجيه وبالعضوية في حلقة العزابة التي انتخب لها، وهو أصغر الأعضاء سنا، وقدوته في مجمل نشاطه العالم الجليل الشيخ أمحمد بن يوسف اطفيش، وبعد ثلاثة أعوام من العمل الدؤوب بادر إلى تأسيس معهد الحياة الذي أصبح على مرّ السنين قبلة للراغبين في التحصيل العلمي، فتخرّج منه عدد كبير من الطلبة بعضهم ينوّه برتبته العلمية، وشعار هذه المؤسسة العلمية المختصة في التعليم الثانوي»الدين والخلق قبل الثقافة ومصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد». ويندرج بناء هذه المؤسسة العلمية في الحركة التعليمية التي انتهجتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بإقبالها على بناء المساجد والمدارس في كل أرجاء الوطن، وعندما حلّت سنة 1931 شارك مع نخبة من العلماء منهم الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكان واحدا من فريقها الإداري. ومن نشاطه كذلك في هذه الفترة مبادرته بإنشاء جمعية الحياة، التي لها الفضل في النهوض بالتعليم والعناية بالنشاط الرياضي والفني، ولما بلغ أشدّه انتخب رئيسا لحلقة العزابة تقديرا لكفاءته واعترافا بقدرته على حسن التدبير والتسيير. وفي عام 1940، حكمت عليه الإدارة الاستعمارية بالإقامة الجبرية في «تيقرار» لمدة أربع سنوات، فلم تزده هذه القيود إلا إقبالا على العمل والنشاط فكون ثلة من الرجال كانوا خير، خلف لخير سلف، كان للشيخ بيوض اهتمام بقضايا الوطن والعروبة والإسلام أبرز آراءه ومواقفه في مقالاته التي ينشرها في الصحافة، وامتد اهتمامه الوطني والسياسي لمناصرة الشعب الفلسطيني. وفي سنة 1948، انتخب في المجلس الجزائري ممثلا لوادي ميزاب فأدى واجبه نحو وطنه ودافع عن الجنوب باعتباره جزءا لا يقبل الانفصال عن الشمال، وبذلك انتصر على مكيدة الاستعمار بيقظة وحزم، وباندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 أشرف إبراهيم بيوض على عمليات المساندة والمؤازرة ، ورسخ الصلة بقادة جبهة التحرير الوطني وجنّد طلبته في مجالات خدمة للثورة. وغداة الاستقلال ترأس مجلس «عمي سعيد» الذي يعدّ الهيئة التشريعية العليا يتألف من قضاة وعلماء وهو أسمى سلطة دينية واجتماعية في كل وادي ميزاب، من مهامه إصدار القوانين والاتفاقيات وتحديد كيفيات التعامل في التجارة وتنظيم الأسواق. لم تقتصر رسالة الشيخ بيوض على محيطه الجغرافي في وادي ميزاب، بل كان شخصية وطنية امتد إشعاعه إلى خارج الوطن، وكان من العلماء الذين تعاونوا مع وزارة الشؤون الدينية بشكل فعّال في المسائل الدينية المختلفة، لاسيما في مجال التقويم الهجري وتحديد المواسم الدينية وإرشاد الحجّاج الجزائريين، وفي هذه المرحلة اتجهت جهود الشيخ إلى ملازمة تفسير القرآن الكريم أسوة بالأسلاف من العلماء العاملين، ونموذجه في ذلك الشيخ محمد عبده. كان مدرسة تخرّج منها الرجال كان الشيخ إبراهيم بيوض مدرسة وجامعة تخرّج منها رجال لهم مواقع مرموقة في كل القطاعات الحيوية، سخّر وقته لتكوين الرجال والاعتناء بمشاكل المجتمع، ولم يمنعه ذلك من كتابة بعض المقالات الاجتماعية ذات الطابع التحليلي في العشرينيات والثلاثينيات نشرت في صحافة أبي اليقظان، كما ترك فتاوي كثيرة ومراسلات ذات أهمية قصوى طبع بعضها ونشر وبعضها الآخر ما يزال مخطوطا. غير أن أهم ما ترك الشيخ بيوض هو تفسيره القيّم لكتاب الله، مستخدما المنهج الإصلاحي الذي عرفت به المدرسة الاصلاحية العبدوية، فكان يعرض المجتمع علة كتاب الله تربية وتوجيها، وقد استمر مواظبا حريصا على تلك الدروس لا يتخلف عنها إلا لمرض أو سفر، وأهم مؤلفاته المكتوبة هي رحاب القرآن: تفسير القرآن الكريم، فتاوى الإمام الشيخ بيوض، أعمالي في الثورة، مقالات وفتاوى وأشرطة تعد بالمئات، توفي بتاريخ ال14 جانفي 1981، ودفن في مسقط رأسه. قال عنه رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية يوسف بن خدة: «إن الشيخ بيوض كان يسعى دائما لتوحيد الشعب الجزائري سواء في توجيهاته التربوية أو في دروسه العامة، ووضع نفسه رهن إشارة جبهة التحرير الوطني إبان الثورة، وكان يعمل بجد وإصرار لوحدة التراب الوطني رافضا بذلك فصل الصحراء عن بقية الوطن». س . ب