يبدو جليّا أنّ المقاربة الجزائرية لإقرار الوفاق والاستقرار في دولة مالي بدأت تأتي ثمارها، وتثبت بأنّ طريق الحوار والمصالحة هو الأنسب لحلحلة الأزمات مهما كان حجمها أو شكلها، وتؤكّد بأن المسار التفاوضي السّلمي يمثّل في كلّ الأحوال جسر عبور نحو الأمن والأمان، ويحفظ الوحدة ويصون الدمّ الذي نرى شلاّلاته المتدفّقة تغرق العديد من الدول التي ضلّت طريقها، وراهن أبناؤها على القوة والسّلاح في صراعهم المحموم على السّلطة . بنجاح باهر تمكّنت جهود الجزائر التي تتولّى قيادة الوساطة الدولية في الأزمة المالية، من تتويج الجولة الخامسة من المفاوضات التي جمعت حكومة باماكو وحركات الأزواد، بإعلان يمهّد الأرضية لاتّفاق سلام شامل يطوي فصول التوتّر الأمني والسياسي بالشمال، ويحفظ الوحدة الترابية والشعبية لدولة مالي، ويعيد الاطمئنان للتوارق من خلال الاستجابة لمطلبهم في التنمية والمشاركة السياسية، ويبعد خطر الارهاب والجريمة المنظمة التي تستغل الأوضاع المضطربة لتتغلغل وتفرض عنفها وهمجيتها. وتتجلى أهمية الاعلان الموقّع بين حكومة باماكو والحركات الشمالية الستة، من خلال بنوده التي تشدّد على مواصلة الحوار والمفاوضات إلى غاية الوصول إلى اتفاق نهائي، وتهيئة الأجواء لنجاح المسعى السلمي بوقف فوري لكل العمليات المسلّحة وأشكال العنف، والتصدّي لأسباب التوترات الميدانية، والامتناع عن القيام بأي أعمال أو الإدلاء بأي تصريحات استفزازية تقوّض مبادرات السّلام وتجهضها. طريق الخلاص بالنسبة لمالي تحدّدت معالمها بعد أن تضافرت جهود جميع الأطراف، وتقاطعت حول هدف واحد وهو حلّ الخلاف وإنهاء التوتّر عبر الحوار. المطلوب بعد تحقيق هذا الانجاز العظيم، أن يتحلى الموقّعون على إعلان الجزائر بروح المسؤولية، ويلتزموا بتنفيذ بنوده، ومواصلة المسار التفاوضي إلى غاية تتويجه باتفاق نهائي شامل يعيد قطار الأمن والاستقرار إلى سكّته الصّحيحة. وبالتأكيد سيكون الحلّ السّلمي في مالي نموذجا للاقتداء به، خاصة بالنسبة للدول التي تعيش في دوامة العنف والارهاب والاقتتال على السلطة. وفي الأخير وإذا كان لابدّ من الاشادة بالدّور الجزائري في حلحلة الأزمة المالية، فلا بدّ أيضا من الثّناء على التعاطي الايجابي لكل أطراف الأزمة في مالي، التي آثرت مصلحة البلاد على مصالحها الضيّقة، وتمسّكت بصون وحدة البلاد واستقرارها.