في هذا الحوار يجيب إبراهيم باهنغا، 41 سنة، زعيم حركة التمرد المسلح الجديدة التي يقودها التوارق في شمال مالي، عن كثير من الأسئلة والنقاط الغامضة التي لا زالت تطرح حول مساره الشخصي وأهداف ، عن الهدنة التي أعلنها مع القوات النظامية المالية في 19 سبتمبر الماضي بمناسبة شهر رمضان المبارك وأسرار الوساطات المتلاحقة لمحاصرة الأزمة، عن ما يشاع عن علاقته السابقة مع القاعدة وأمراء الجماعة السلفية بلمختار والبارا الذي نشطوا لسنوات في المنطقة، وعن التنسيق مع ابناء العمومة المتمردين بدورهم في الحركة النيجرية من اجل العدالة. كثيرا من الأحاديث المتضاربة أحيانا، وغير الرسمية، سرت في الأيام الماضية بخصوص اتفاق الهدنة والوساطة التي تمت بينكم وبين الحكومة، ما حقيقة ذلك ؟ وهل لعب الجزائريون دورا ما في هذه الوساطة والهدنة؟ الوساطة جاءت من عدة أطراف، لعب فيها السفير الجزائري في باماكو عبد الكريم اغريب دورا ولعب أيضا عدد من قدماء زعماء جبهة الأزواد وأعيان التوارق وبرلمانيون آخرون دورا ، واتفقنا على إعلان هدنة مؤقتة تمهد لإطلاق المفاوضات المباشرة من أجل حل الأزمة بيننا وبين الحكومة المالية، ولم يكن الاتفاق الذي أقررنا به الهدنة مكتوبا بل مجرد اتفاق شفوي أشرف عليه السفير عبد الكريم اغريب، وباعتبار أننا كنا في شهر رمضان المبارك فقد شكل ذلك حافزا إضافيا مهما لنا لقبول الهدنة، تبع ذلك خطوة تهدئة من طرفنا أطلقنا بها سراح ثمانية من الرهائن الذين احتجزناهم من قبل، ومنهم خمسة أجانب وثلاثة عسكريين ماليين، لكن الطرف الحكومي لم يقم بأي خطوة مقابلة، خاصة مطالبتنا له بالعودة الى خطوط التماس السابق ما قبل شهر رمضان، بسحب الوحدات العسكرية التي أتى بها الى منطقة تنزاواتين، لذلك لم يكن لنا بد من غخطار الوسيط الجزائري مرة اخرى أننا لم نعد ملتزمين بأي شيئ، ويمكن ان أقول لكم بكل وضوح الآن، أننا نعتبر كل مساعي الوساطة والصلح قد فشلت، ولغة السلاح هي وحدها ستكون لغة التفاهم مع باماكو بعد نهاية هدنة رمضان التي أصبحنا في حل منها. هل يبقى اتفاق الجزائر كوثيقة وأسس مطلبية مرجعا لكم في أي مفاوضات مستقبلية مع الحكومة المالية؟ كما ان سبب عودتنا لرفع السلاح هو عدم تطبيق حكومة مالي لبنود اتفاق الجزائر الموقع في جويلية 2006 وبرتوكوله الإضافي الموقع في فيفري 2007 فإننا أيضا لا نعتقد ان اتفاق الجزائر في ظل تعنت وتهرب الحكومة المالية من تطبيقها سيبقى سقفا نهائيا لمطالبنا، لا يمكننا الاحتفاظ بنفس المطالب السابقة كسقف للحقوق السياسية والاقتصادية التي نطالب بها للتوارق، ولا أريد الحديث اكثر عن البديل الذي نحضره لأنه لا يزال محل نقاش وتداول على مستوى قيادات الحركة، ولكني أقول أنه يصب في تمكين التوارق من إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم وقيادة عجلة التنمية بعيدا عن البيروقراطية المركزية للحكومة، ولأجل ذلك نحن على استعداد لسماع أفكار جديدة من أي طرف يهمه المساهمة في حل الأزمة لاحظ الجميع ان أهم القيادات البارزة في التحالف الديموقراطي من اجل التغيير التي قادت وأطرت هجومات العام الماضي ووقعت على اتفاق الجزائر ( إياد أق غالي، حسن فاغاغا، أحمد أق بيبي) سارعت الى انتقاد عودتكم الشخصية الى رفع السلاح دون استشارتها، وقالت أنه تصرف فردي، ألا يزال الشرخ قائما مع قيادة التحالف ؟ هذه مواقف قديمة تعود الى الأيام الأولى التي رفعنا فيها السلاح مجددا، والاخوة في قادة التحالف كانوا يرون من الأجدى لو ان قرار العودة الى السلاح خضع للتشاور والنقاش، أما انا ومن معي فلم نكن سوى سباقين الى تنفيذ ما كان الكثيرون يفكرون فيه بعد ان خاب آمالنا في لتزام الطرف المالي بما اتفقنا عليه في الجزائر، الخطوة الوحيدة التي تجسدت من الاتفاق هي ماق منا به نحن عندما قبلنا مغادرة معسكرات تيغرغر التي تمركزنا فيها وسلمنا السلاح في كيدال بإشراف الوسيط الجزائري، وما سوى ذلك لم يتجسد شيء ومنه رفض حكومة مالي سحب قواتها المعسكرة في كيدال من المدينة والعودة الى الحدود التي كانت عليها قبل الأحداث، وبالعودة الى سؤالكم كما تعلمون فإن القائد العسكري السابق في تحالف 23 ماي من اجل التغيير الكلونيل حسن فاغاغا انضم الينا وهو بحد ذاته رد واضح على من لا زال يعتقد بوجود خلاف بيننا لكن الزعيم التاريخي لجبهة الأزواد، إياد اق غالي، لا زال لم يبد أي موقف مؤيد لكم، مثله مثل أحمد أق بيبي، الناطق الرسمي السابق باسم التحالف والبرلماني حاليا؟ سيلتحقون، انتظر ذلك في الأيام القادمة، وكل شيئ مرهون بمصلحة القضية والدور الذي يمكن ان يؤديه كل واحد لصالحها انطلاقا من الموقع الذي فيه قبل أقل من شهر ضربتم دون إصابتها طائرة أمريكية كانت تمون حامية عسكرية مالية في تنزاواتين، وهو ما اعترف به السفير الأمريكي قبل أيام، هل أشر ذلك على بداية التوتر بينكم وبين الأمريكيين ؟ الحقيقة أن مرور الطائرة الأمريكية فوق تنزاواتين صادف وجود مجموعة من مقاتلينا في المنطقة، كانوا يعسكرون هناك في إطار دوريات المراقبة والتفتيش التي نقوم بها بانتظام على طول الشريط الصحراوي، وتأكد لنا أن الطائرة تقوم بعمليات إمداد ونقل لصالح القوات النظامية المالية المعسكرة في تنزاواتين، لذلك اتخذنا قرار بضربها من الأرض، لا شك اننا كنا نريد اصابتها في العمق من اجل اسقاطها، والحقيقة أننا كنا نعتقد انها طائرة تابعة للجيش المالي، وعندما وصلنا ان الطائرة أمريكية وليست مالية اتصلت شخصيا بالسفير الأمريكي في مكتبه بباماكو وشرحت له الموقف حيث وضحت أولا اننا لم نكن نعلم ان الطائرة امريكية وتساءلت ثانيا عن المهمة التي كانت تقوم بها طائرة امريكية في منطقة توتر مثل تلك، خاصة في ظل استمرار المواجهة المسلحة بيننا وبين القوات النظامية، وأخبرته اننا في مثل هذه الظروف لا يمكننا ان نميز ما بين جنسية الآليات الحربية الموجودة هناك، ومضطرين للضرب على كل ما يتحرك هناك ونظن انه يدخل ضمن وسائل الدعم اللوجيستي والحربي للقوات النظامية، ورد السفير الأمريكي أنهم ليسوا في أي حال من الأحوال طرفا في الصراع وملتزمين بالحياد التام وأن مهمتهم لا تتعدى الإشراف على برامج تدريب قديمة مع دول المنطقة في إطار التنسيق لمكافحة الإرهاب، قلت له هذا ما نرجوه. كيف تنظرون الى التواجد العسكري الأمريكي المتزايد في المنطقة ؟ ناقشنا هذا الموضوع مرارا، نحن لا نريد ولا يهمنا فتح جبهات متوترة مع الجميع ولا نعادي من لا يعادينا صراحة وبوضوح، من جهة أخرى نحن طرف بين عدة أطراف إقليمية يعنيها التواجد العسكري الغربي هناك، كما أنه لا شك أن ما نسمعه عن التنسيق والدعم العسكري الأمريكي لحكومة مالي يزعجنا، قد يكون هذا الأمر مقبولا في وقت سابق عندما لم يكن هناك نزاع مسلح وكان الأمر يندرج ضمن برامج دولية او ثنائية محددة مكانا وزمانا، الأمر الآن اختلف .. باختصار هذه العناصر الثلاثة التي قدمتها سابقا هي التي تحدد طريقة تعاطينا مع المسألة التي ذكرتموها وتطور هذا التعاطي. في كل مرة يعود صراع التوارق مع حكومتي مالي والنيجر يطرح من جديد وضع ونشاط عناصر القاعدة والجماعة السلفية الجزائرية في المنطقة، التي شكلت لهم لسنوات قاعدة خلفية للتدريب والتجنيد والدعم اللوجيستي، واسمح لي ان أتحدث عن ما يشاع عن شخصكم تحديدا حول "علاقة سابقة مفترضة" معهم؟ بلمختار والبارا وغيرهم من عناصر وأمراء الجماعة السلفية الذين كان لهم حضور في شمال مالي في السنوات الماضية، استوطنوا شمال الساحل الإفريقي في ظروف فراغ سياسي وأمني حيث تخلت كثير من دول المنطقة عن دورها في مراقبة أراضيها وحدودها وتواطأ بعض مسئوليها في ذلك، هذه حقيقة، كثير من المسؤولين المدنيين والعسكريين الحكوميين في شمال الساحل الإفريقي وفروا بشكل او آخر دعما وغطاء للإرهاب، قبل أربع او خمس سنوات كان تواجد وتنقل عناصر الجماعة السلفية في شمال مالي والنيجر واختلاطهم بسكان المنطقة جزءا من روتين الحياة اليومية التي لم تكن تطرح إشكالا جديا لحكومتي البلدين، وعندما تحول الموقف الدولي والأمريكي كله بدأ الجميع يصرخ وينسب للتوارق تهما لا أساس لها من الصحة عن علاقة مفترضة مع الإرهاب، هذا يدخل فقط ضمن الحرب الدعائية من أجل تشويه صورتنا، وتمييع المطالب السياسية والاقتصادية الشرعية التي نرفعها منذ عقود. لكن هل اتخذتم موقفا واضحا من المجموعات التي تتحرك في المنطقة مثل تلك التابعة لمختار بلمختار، بمعنى موقفا مبدئيا يتجاوز مجرد المناوشات المسلحة الظرفية كما وقع العام الماضي؟ منذ إقرار اتفاق السلام سنة 1992 وحل جبهة الأزواد التي كانت تضم تحت لوائها كل فصائل الحركة الترقية المسلحة لم نترك أي إطار تنظيمي سياسي او عسكري يتكتل فيه التوارق ليستطيعوا القول نعم أو لا لأي شخص أو ظاهرة جديدة فوق أراضيهم، قلت لك كان عناصر الجماعة السلفية جزءا من روتين الحياة اليومية عندنا بعلم وتواطؤ مسؤولين حكوميين هناك، و عندما شكلنا التحالف الديموقراطي من اجل التغيير بعد أحداث كيدال وميناكا في 23 ماي 2006، كاول إطار يجمع ويدافع عن مصالح التوارق، وجهنا العام الماضي رسائل تحذيرية واضحة الى عناصر الجماعة السلفية نطالبهم بمغادرة أراضينا بسبب الشبهات و المشاكل التي سببوها لنا مع كثير من الدول والأصدقاء، قلنا لهم بوضوح اخرجوا من أراضينا وافعلوا ما شئتم بعيدا عنا، لأننا لا نسمح بأي تواجد مسلح أجنبي في المنطقة، ولم يكن تحذيرنا مجرد كلام، بل قمنا بخطوات عملية لذلك، كان من بين نتائجه المواجهات المسلحة الدامية التي جمعتنا مع عناصر الجماعة السلفية العام الماضي، قتلنا منهم وقتلوا منا، وسالت الدماء ليصبح العداء بيننا وبينهم باقيا إذا ما أصروا على البقاء فوق أراضينا وتسميم علاقاتنا مع كثير من الأطراف. والحقيقة أنه منذ ذلك الوقت بدأت المنطقة تخلو من المظاهر السابقة، وغادرها ما تبقى من العناصر المسلحة الأجنبية غالى مناطق أخرى بعيدة عنا وعن فضاء انتشار التوارق كلهم. يجري الحديث أيضا عن عدد من الرحلات قادتكم الى باكستان وأفغانستان قبل أربع سنوات حيث أقمتم لمدة هناك، ويتردد أنكم التقيتم هناك عناصر من طالبان والقاعدة؟ هذه الرحلة بالخصوص، التي أقول أنها قادتني إلى باكستان وليس إلى أي مكان آخر، هي التي تستثمرها أطراف في الحكومة المالية من أجل تشويه صورتي واتهامي زورا بعلاقة مع الإرهاب والقاعدة كما يقولون، و بكل صراحة أقول أنني سافرت فعلا باكستان ما بين سنتي 2003 و 2004 الى دولة باكستان مع جماعة الدعوة والتبليغ حيث أقمت أولا أربعة أشهر، ثم زرتها حيث أقمت سنة واحدة من اجل طلب العلم ودراسة علوم القرآن، ولم ألتق خلال هذه الرحلة أي شخص من طالبان أو القاعدة أو غيرها من الجماعات المسلحة التي يتحدثون عنها، تقريبا بقي تنقلي محصورا داخل المجموعة التي سافرت معها ومكان الدراسة الذي أقمت فيه، وعندما عدت إلى مالي التقيت في باماكو عدد من الدبلوماسيين منهم القنصل الأمريكي من اجل أن أبين لهم حقيقة الرحلة وأقطع كل الإشاعات التي أعرف ان الحكومة ستروج لها أعلنتم أنكم تسعون لاقامة تحالف والتنسيق مع عناصر الحركة النيجيرية من اجل العدالة الذين يقودون بدورهم تمردا مسلحا مماثلا ضد حكومة نيامي منذ مطلع العام؟ التنسيق بيننا وبين الحركة النيجرية من اجل العدالة أمر طبيعي، نظرا للطبيعة الجغرافية في الصحراء التي تجعلنا نتحرك في نفس الفضاء وعلى نفس الأرض، اضافة الى المطالب التي تبقى في جوهرا واحدة حتى وإن اختلف الطرف الآخر بيننا وبينهم، الى حد الآن لا يوجد أي اتفاق على التنسيق فيما بيننا من أجل قيادة مفاوضات مشتركة مع حكومتي مالي والنيجر، لكن هناك حديث أن نترك الخيار قائما لذلك مستقبلا، الأحداث السابقة بينت أن التوتر أو الاستقرار في المنطقة واحد. حوار عبد النور بوخمخم