انتقل الاستثمار بالشراكة خاصة العربية إلى مرحلة جديدة من خلال وضع حجر الأساس لإنجاز مركب بلارة للحديد والصلب الذي يرتقب أن يدخل الإنتاج بداية 2017 ليستجيب إلى الطلب الداخلي والتحضير للدخول لاحقا مرحلة التصدير. وهو بحق خطوة ملموسة تجسد مدى القدرة على بناء تكامل وتعاون بمعايير اقتصادية تحقق للرأسمال العربي فرصا للنمو في ظل مناخ جذاب وآمن. هذا الاستثمار الثقيل بمبلغ 2 مليار دولار من شأنه أن يعطي دفعا للصناعة الوطنية التي انطلقت في النمو على صعيد عدة فروع من أبرز الصناعة الميكانيكية، غير أنه يتطلب متابعة دقيقة من خلال إضفاء رصد للسوق المحلية والخارجية قصد التحكم في الكلفة وتجاوز المنافسة. في هذا الإطار ينبغي مرافقة المشروع ببرامج استشرافية مندمجة تسعى إلى تزويد القائمين على المركب بالمؤشرات والأدوات ذات الطابع الاقتصادي والمالي والفني من أجل ضمان جانب النمو والتحسين المعتبر للمنتوج وتقليص كلفته تحسبا للتحولات التي يحتمل أن تعرفها سوق الحديد والفولاذ. بلا شك أن المشروع مربح وقابل للتطور في المديين المتوسط والطويل، لكن يتطلب هذا، وبشكل مبكّر، اعتماد مقاربة واقعية تندرج في سياق الحرص على ديمومة المصنع، وهو ما أكّده الوزير الأول بالدعوة إلى تنشيط مشاريع إنجاز برامج توسيع شبكة السكك الحديدية ضمن ورقة الطريق لإعادة التهيئة الإقليمية وفقا للمقتضيات الاقتصادية والاجتماعية. وبالفعل يمكن لهذا التوجه بإرساء قاعدة عريضة للسكك الحديدية باتجاه الجنوب وعلى امتداد الهضاب العليا حيث يتم التركيز على هذه المناطق ذات الأهمية التنموية لإقامة الاستثمارات الإنتاجية خارج المحروقات والتي تعززها بالضرورة إجراءات التوجه إلى ترقية عدد من البلديات إلى ولايات منتدبة وتحضيرها لتتحول في المدى المتوسط إلى ولايات قائمة بذاتها في ظل الانسجام والتكامل. وتحسّبا لكل ذلك يرتقب أن تنتقل الشبكة الوطنية للسكك الحديدية إلى مستوى أكثر نجاعة ومساهمة في التنمية بحيث يمكنها الحصول على المادة اللازمة من الفولاذ، للتمدّد إقليميا من جهة، ومن ثمة توفير قاعدة نقل أكثر صلابة وفعالية لفائدة المستثمرين من جهة أخرى. وهكذا يكون مركب بلارة الذي ينقل منطقة جيجل وما حولها إلى درجة متقدمة على مسار التنمية الشاملة التي تضع الإنسان في جوهرها باعتباره الغاية والهدف والحلقة القوية لإنتاج القيمة المضافة التي تحسم معركة المنافسة. ولعل من أبرز الأدوات التي تساعد هذا المركب على تحقيق سرعة في الادعاء الاقتصادي بالمعايير الدولية تواجده في محيط يتميز بوجود ركائز للتكوين المهني المتواصل، الذي أصبح يتجه أكثر فأكثر نحو عالم الشغل والاستثمار من أجل تمكين المؤسسة والمتعامل من إدراك الجودة والسيطرة على كافة الجوانب ذات الصلة بتحسين المنتوج أو الخدمة وفي مقدمتها قطاع الصناعة، الذي تمكّن بفضل إرادة الدولة من التربع على المشهد التنموي والتطلع لأن يكون القاطرة التي تجر منظومة اقتصاد بديل للمحروقات.