كشفت الأرقام الأخيرة حول هيكلة التجارة الخارجية، ولا سيما في شقها المتعلق بالواردات بوجود نوع من الاختلال حول الارتفاع الملفت للانتباه والخطير في نفس الوقت لفاتورة استيراد مواد أساسية كالغذاء والدواء، حيث قاربت الأولى 8 ملايير دولار وبلغت الثانية 85,1 مليار دولار، وهي أرقام تعكس الى حد كبير الأعباء الثقيلة التي تتحملها ميزانية الدولة. هيكلة الواردات على العموم، عرفت ارتفاعا محسوسا خلال السنة الماضية مقارنة مع السنة التي سبقتها، وإن كانت تكاليف بعض مجموعات المنتوجات المستوردة قد عرفت زيادة هامة كالتجهيزات الصناعية بنسبة تفوق 52٪، وهي تكاليف مبررة بالنظر الى احتياجات المشاريع الضخمة المفتوحة، فإن ارتفاع فاتورة استيراد مجموعات أخرى كالغذاء والدواء لا يمكن تبريرها بالكامل حتى لو أخذ بعين الاعتبار ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية الذي لا يبرر زيادة نسبة تكاليف الاستيراد بأزيد من 55 ٪ في سنة 2008 مقارنة مع سنة .2007 واستحوذت منتوجات مثل الحبوب على حصة الأسد، بحوالي مليار دولار في سنة 2008 مقابل 98,1 مليار دولار في سنة ,2007 أي بزيادة 100 ٪، بينما قفزت فاتورة استيراد الحليب من 06,1 مليار الى 29,1 مليار دولار خلال نفس الفترة وبزيادة ناهزت 22 ٪ واجمالا، فإن حجم المواد الغذائية المستوردة تمثل 39 مليار دولار خلال السنة الماضية. ومن جهة اخرى، فإن استيراد الدواء عرف هو أيضا زيادة ليست بالهينة من 44,1 مليار دولار عام 2007 الى 85,1 مليار دولار في السنة الماضية، حيث انتقلت كمية الدواء المستوردة من 262,29 طن الى 000,58 طن أي تقريبا ضعف الكمية من سنة 2007 الى سنة .2008 الامر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول استراتيجية استيراد الدواء ومدى ارتباطها بالخطابات الرسمية حول تشجيع الانتاج المحلي لتقليص الكلفة والكمية المستوردة وفق الاحتياجات الفعلية، وهل زاد عدد المرض الى حد مضاعفة الكمية المستوردة لمواجهة الطلب المرتفع؟؟ أسئلة كثيرة تطرح بالحاح حول ارتفاع فاتورة ما يستورد خاصة من مواد غذائية وأخرى استهلاكية وتذهب مباشرة الى المواطنين، وعلى الحكومة ليس فقط ابداء الانشغال والتخوف من الارتفاع المتواصل لفاتورة الاستيراد أو كما عبر عنها وزير التجارة السيد الهاشمي جعبوب في مناسبة سابقة على أن الدولة تبيع المحروقات لشراء الغذاء والدواء وانما تقع كل المسؤولية على الحكومة الحالية لترجمة مخاوفها من هذه الزيادة في مستوى الاستيراد باجراءات عملية لعقلنة هيكلة الواردات التي لا يمكن أن يغطيها الفائض التجاري الذي بلغ مستوى مرتفعا ناهز 40 مليار دولار بفضل صادرات النفط بنسة تفوق 97٪. وارتفاع فاتورة الاستيراد لا تعني فقط هدر للمخزون من العملة الصعبة، وانما يعني أيضا اهمال لأي مجهود قد يبذل من أجل رفع مستوى الانتاج طالما أن العملة الصعبة تسهل عملية الحصول على ما نريده مباشرة عن طريق الاستيراد، عوض استغلال هذه الأموال لتشجيع المنتوج المحلي، وهي أولى الانعكاسات السلبية التي بدأت تظهر للعيان منذ أن بدأت الواردات ترتفع من سنة الى أخرى، حيث بلغت سنة 2004 حوالي 20 مليار دولار لترتفع الى 21 مليار سنة 2006 والى 63,23 مليار سنة 2007 لتقفز الى 15,39 مليار دولار في السنة الماضية، أي أنها تضاعفت خلال الأربع سنوات الماضية.