انطلق أمس الأربعاء، بفندق السفير بالعاصمة، الملتقى العلمي حول "المؤثرات الشرقية والغربية في المسرح الجزائري"، والذي يدخل ضمن فعاليات الطبعة العاشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف. واعتبر أكاديميون بأن هذا الملتقى هو ثمرة تعاون بنّاء بين الجامعة والقطاع الثقافي ممثلا في محافظة المهرجان، كما رأى فيه آخرون أداة للتغطية العلمية للتظاهرة، وفرصة للتراكم المعرفي الضروري من أجل تطوير المسرح الجزائري. افتتح اللقاء الأستاذ الدكتور شريف مريبعي، عميد كلية الآداب بجامعة الجزائر 2، حيث أعرب عن سعادته بهذا التعاون المثمر بين قطاع الثقافة والجامعة، وبالخصوص كلية الآداب واللغات، والذي تجسد في هذا الملتقى العلمي، وشارك فيه أساتذة جامعيون من جامعات الجزائر، مستغانم، سطيف.. كما نقل اعتذار مدير الجامعة حميدي خميسي عن الحضور. "هذا الملتقى أصبح قارّا ودائما، ومصاحبا للمهرجان كل سنة"، يقول مريبعي. من جهته، اعتبر رئيس الملتقى العلمي، علاوي حميد، أن الأسئلة تكون أحيانا أهم من الإجابة في مجال الثقافة، فمن يمتلك الحقيقة؟ كما تطرق إلى انفتاح المؤسسات الثقافية والجامعية على المجتمع وعلى بعضها البعض، ودعا إلى التحلي بجرأة أكبر وبواقعية انتقادية، للقول إن النقد الجزائري نام طويلا، واصفا إياه بأنه نقد "آنيّ قليل الغوص في الأعماق.. نحن نحتاج نُقادا لدرجة صناع الأسماء الفنية (...) تطمس أسماء زائفة وتبرز أسماء واعدة لم تتح لها الفرصة"، يقول علاوي، الذي واصل في لهجة قوية مباشرة: "النقد فعل جريء ورؤية شفافة تعيد الكلمة إلى بدئها والمنجز إلى فكرته.. ماذا فعل النقد والنُقاد؟ نحن لا نحفل بشقاء المبدع في فنه". وخلص علاوي إلى إننا في حاجة لمن يؤسس للنظريات، وأن الإبداع الجزائري يحتاج إلى عمل أكبر. وبعد الكلمة الترحيبية التي ألقاها الزميل فيصل مطاوي نيابة عن محافظ المهرجان محمد يحياوي، كان الموعد مع المحور الأول "المثاقفة: ماهيتها وقضاياها في مجالات الفنون والثقافة"، بحضور ثلاثة محاضرين (الدكتور سليم بركان، الدكتور غريبي عبد الكريم من جامعة مستغانم، والأستاذة منى برهومي من جامعة تبسة) في جلسة علمية أولى ترأسها البروفيسور مريبعي، وفيما تطرق الدكتور بركان للحدود التكوينية لمصطلح المثاقفة في الخطاب النقدي، والسيرورة من الثقافة إلى المثاقفة، ركزت الأستاذة برهومي على "جدلية المثاقفة وتناسج الثقافات في المسرح. وفي مداخلتها، تقترح أ. برهومي مصطلحا آخر هو تطويع التراث، إذ ترى الباحثة بأن المثاقفة مصطلح لم يضبط بعد، فقد يعني التفاعل بين ثقافتين أو أكثر، كما قد تعني السيطرة أكثر، حيث يقوم جانب بالسيطرة على جانب آخر وتنتج عن ذلك علاقة غالب ومغلوب. أما حسن حنفي فيرى أن المثاقفة سدّ لعقم في المسرح الأوروبي، الذي التجأ إلى المسرح العربي لينهل من تراثه ولكنه في نفس الوقت يقتله و«يؤوربه" (أي يجعله أوروبيا). أما التناسج، فهو قد جاء بديلا عن المثاقفة، ولكن الباحثة ترى بأنه لم يخرجنا من هذه الأخيرة، لذلك تقترح مصطلح "تطويع التراث". وتضيف الباحثة بأن المسرحي العربي في حاجة إلى تأسيس يعود إلى المنابع، وتجربة علولة في "مسرح الحلقة" تجربة "وحيدة"، حيث يقول الراحل علولة إن "الحلقة" تعمل على تغيير الفضاء والإخراج والمكونات المسرحية، ما يدفع إلى إعادة النظر في العرض المسرحي جملة وتفصيلا، وقد أكد المسرحي الراحل أن لدينا تراثا قصصيا ذا طبيعة مسرحية. وفي تصريح ل«الشعب"، قال الدكتور عبد الحميد بورايو، إن هذا الملتقى يأتي في ضوء علاقة قوية للمسرح الجزائري بالمسرح العالمي، مثل مسرح برخت أو تجارب أخرى، وجاءت هذه الندوة لتبين طريقة هذا التفاعل. المؤثرات الشرقية هي متميزة بالنظر إلى الحضارات الشرقية، بما في ذلك اليونانية، أما الحضارة الغربية فنقصد بها الحديثة والمعاصرة. ويضيف د. بورايو هي إثارة لموضوع مكونين حضاريين مختلفين، هناك أسماء شابة متخصصة في المسرح تشارك، وهي فرصة للقاء وتبادل التجارب والمعارف، كما أن الموضوع داخل في الدراسات الثقافية كالما بعد الكولونيالية، ولا نعرف سوى مصطلحات محدودة كالاقتباس ولكن هناك مصطلحات ومفاهيم أخرى تعبر عن تكييف المسارح الأخرى مع حاجات المسرح الجزائري. «هذه الندوات أساسية وركيزة في مثل هذه المهرجانات، فهي تسمح بالتأمل، بالتفلسف أو بالتفكير في هذه المواضيع، وبالتراكم المعرفي.. نحن في حاجة لهذا التراكم لأن الجانب العملي أي العروض المسرحية شيء أساسي، ولكن في نفس الوقت نؤكد على ضرورة المعرفة. وتأتي هذه الندوة لتؤدي دورها في التغطية المعرفية لهذه التظاهرة"، يقول د. بورايو.