كشف معرض الجزائر الدولي لهذه السنة، والذي يسدل ستاره غدًا، عن قدرات وإمكانيات اقتصادية جزائرية يمكن الرهان عليها في بناء اقتصاد متنوع وإنتاجي خارج المحروقات، تكون فيه المؤسسة بمثابة القاطرة التي تدفع بالمنظومة بكاملها (مؤسسات ومتعاملين) إلى بلوغ أهداف النمو المسطرة. لقد بدت المؤسسة الجزائرية على درجة من المسؤولية في التعاطي مع المؤشرات التي برزت بفعل انهيار أسعار المحروقات (بترول وغاز) وأدت إلى تراجع إيرادات الخزينة العمومية، بإجماع القائمين عليها على ضرورة إعادة ترتيب المشهد الاقتصادي الوطني من خلال إرساء مسار واقعي يرتكز على روح المبادرة والشراكة المحلية كحافز لجلب اهتمام وثقة المتعاملين الأجانب الذين تغريهم مزايا وتحفيزات الاستثمار المنتج في السوق الجزائرية. لا يمثل هذا المعرض (و ليس الصالون كما تتداوله بعض وسائل الإعلام) غاية بحد ذاتها، إنما هو محطة أخرى متجددة تمنح للمؤسسة و«المناجير" الاقتصادي الفرصة المواتية لعرض المشاريع الاستثمارية والعثور على أخرى في ظل مناخ استثماري، ما فتئ أن يعرف تحسينات وتحفيزات، ينبغي أن تغتنمها المؤسسة الجزائرية قبل غيرها، في وقت يحقق فيه متعاملون أجانب مكاسب متجاوزين الجدل "السطحي" بشأن قاعدة الشراكة 51/49، وكذا حق الشفعة. في هذا الإطار، من واجب المتعامل الجزائري وبالدرجة الأولى المنضوي في القطاع الخاص الوطني أن ينتقل إلى درجة عالية في التعامل مع مقتضيات الاستثمار برؤية تتعدى الحسابات الضيقة، ومن ثمة الانخراط في مسار إقامة اقتصاد تنافسي محلي تكون فيه المؤسسة بمثابة القلب النابض بعقيدة اقتصادية مجردة تهدف إلى إنتاج الثروة وتحقيق القيمة المضافة، وبالتالي إعادة تصحيح معادلة الاستيراد بتغليب التصدير بتجاوز الموانع التي تعترض هذا المسار عن طريق احترافية العمل. حقيقة سقطت الاعتبارات الإيديولوجية التقليدية لتعوّض بعقيدة الواقعية الاقتصادية لتتضمن في أدبياتها- إلى جانب حرص المؤسسة على تحقيق الربح والتنافسية النزيهة- المساهمة في التنمية الاجتماعية الموجهة لفائدة الإنسان بالدرجة الأولى، ويتعلق الأمر بحتمية التزام صاحب المؤسسة بمعايير التسيير الحديث والتركيز على معايير الإنتاج، خاصة من حيث الجودة والتقليص من الكلفة لتجاوز معضلة الأسعار التي لا تزال تعيق تسويق المنتوج الجزائري في الخارج. لم يعد ممكنا أن تستمر المؤسسة الجزائرية بتلك الذهنية المتميزة بالحماية والانفرادية التي لطالما عزلتها عن الأسواق التنافسية حيث تتوفر فرص الديمومة والتخلص من هاجس تقلبات أسعار المحروقات، وحانت الفرصة- على ما فيها من تحديات تتطلب مضاعفة الجهود وشحذ الهمم- لأن تواكب التحولات المحلية والعالمية بالتزام ورقة طريق تقود إلى الأسواق الخارجية عن طرق رفع تحدي التصدير، خاصة نحو إفريقيا والبلدان العربية مع التصميم على تجاوز المعوقات وكسب شراكات أجنبية ذات احترافية.