برز خيار الشراكة الاقتصادية بين القطاعين العام والخاص من خلال النسيج المؤسساتي المنتشر على الساحة الوطنية والمحلية لمواجهة المنافسة الأجنبية والدفاع عن حظوظ المؤسسة في السوق المحلية والتطلع حقيقة إلى دخول أسواق إقليمية ودولية تهيمن عليها تكتلات الشركات العالمية الكبرى التي تكتسح كل مساحة استثمارية وتجارية تتاح لها. دعت الحكومة والشركاء في إطار الثلاثية مبكرا إلى تفعيل هذا الخيار ضمن المعايير الاقتصادية الواضحة بالارتكاز على مشاريع دقيقة وذات جدوى قابلة للنمو، ذلك أن جمع الموارد وتظافر الجهود في ظلّ الفرص الاستثمارية الكبرى مضمونة الربح، من شأنه أن يعزز الاقتصاد الوطني ويدفع بالمؤسسة الاقتصادية الجزائرية إلى مستوى تنافسي في الأداء من خلال تنمية الاستثمار المنتج وتعزيز حصصها في السوق التي تعرف منافسة أجنبية مفتوحة، يبدو أن تأطيرها ومراقبتها أصبحت ضرورة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالنظر لتغير المؤشرات أمام انهيار أسعار المحروقات. ولذلك تهدف آلية الشراكة بين المؤسسات العمومية والخاصة ذات المعايير السليمة إلى تشكيل قوة إنتاجية متكاملة تنعكس مباشرة وبشكل ايجابي على الاقتصاد الوطني من أجل أن يحقق موارد إضافية تحصّنه من تأثيرات التقلبات العنيفة في الأسواق الخارجية ذات التنافسية الشديدة، والأهمّ أن يتوصل المتعاملون المنخرطون في هذا المسعى إلى حماية مناصب العمل وتحسين الإنتاجية. وفي هذا الإطار، تبلورت الفكرة لتصبح قناعة يتقاسمها أطراف الثلاثية لكن شريطة أن تتجسّد وفقا لمعايير تضبط المسار وتقلل من مخاطر محتملة قد يتسبب فيها بعض المحسوبين على المؤسسة الجزائرية من ذوي الأطماع في التراث الاقتصادي العمومي لما يتوفر عليه من وسائل إنتاج وعقارات صناعية تسيل اللعاب. ولذلك ينبغي التركيز منذ البداية على وضع ميثاق لأخلاقيات الشراكة الجزائرية من أجل حماية أملاك الشركاء وإضفاء الشفافية على المشاريع المسطرة بحيث لا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن تختلط الذمة المالية وأصول المؤسسات خارج موضوع الشراكة المحدّد سلفا في اتفاقيات الشراكة. وقد رحبت المركزية النقابية على لسان أمينها العام بهذا التوجه الواقعي داعيا في أكثر من مناسبة إلى تحرير المبادرات البناءة والجادة من خلال جمع المسيرين من القطاعين حول طاولة عمل واحدة ترتكز على قناعة يتقاسمونها من أجل إثبات الكفاءة في التسيير والقدرة على الابتكار، بشكل لا يقل أهمية وثقلا عن نظرائهم الأجانب، ومن بين هؤلاء المتعاملين الأجانب من أدركوا جدوى الخيار بالعمل دون عقدة بقاعدة 51/49 التي تقوم عليها عدة مشاريع شراكة إنتاجية. ويتم السعي حاليا إلى جذب القطاع الوطني الخاص للانخراط في التزام العمل بالقانون والشفافية من خلال إبرام اتفاقيات التصريح بالعمال لدى صناديق الضمان الاجتماعي. ويمكن للصيغة الوطنية عام / خاص، أن تنجز العديد من مشاريع الشراكة في مختلف القطاعات إذا ما ارتقى المعنيون إلى مستوى ذهنيات فعالة وثقافة مبادرة ايجابية وتخلوا عن ترسبات متراكمة أضاعت الكثير من الفرص الناجحة التي كان بإمكان الاقتصاد الوطني من خلال المؤسسة أن يستغلها ولا يزال الوقت مناسبا لتدارك الأمر. ومن أولى ضمانات نجاح المسعى انطلاق مثل هذه الشراكة ذات البعد الوطني أن ينطلق من أرضية تقوم على احترافية الشركاء والتزامهم بالعمل من أجل المصلحة الوطنية عن طريق الدفع بالمشاريع إلى الأمام في سوق محلية وإقليمية لا مجال فيها للتردد أو التهاون. ويفرض هذا أن تؤطر العملية بما يلزم من الضمانات وآليات المراقبة والمتابعة بإقحام حتى البنوك التي توفر التمويلات المطلوبة واستحداث أدوات من شأنها أن تمنع أي انحرافات محتملة، بل وتحقّق مساحة واسعة للشفافية من شأنها أن تُطمئن الشركاء. وتتوفر قطاعات عديدة قابلة لبناء شراكة استثمارية عمومية وخاصة على غرار القطاع السياحي الذي لا يزال بمثابة الحلقة الضعيفة في النمو والمشاركة في تنمية الدخل الوطني الخام، وكذا الصناعة الغذائية والفلاحة الإستراتيجية والصناعة التحويلية إلى جانب المناجم والمحاجر وغيرها من المجالات المرتبطة مباشرة بالسوق الوطنية من حيث التبعية حاليا لمعضلة الاستيراد المبالغ فيه، والمدعو لإعادة صياغة ورقة طريق للتعامل مع الأسواق التجارية الخارجية، بحيث ينبغي التقليص من الاستيراد والتدقيق في إمكانيات الإنتاج الوطني المطابق للمعايير طبعا. وبالطبع أصبحت المؤسسة الاقتصادية الجزائرية ذات مفهوم واحد بعد أن انتهى الجدل التقليدي بين العمومية منها والخاصة لتتحول إلى خلية ضمن النسيج الاقتصادي الوطني مطالبة بأن تتدارك التحولات وتغير المؤشرات من خلال التعامل مع الوضع الجديد بروح المسؤولية وذلك عن طريق العمل بمعيار المتعامل المدرك لحقيقة السوق والفرص الاستثمارية التي توجد في ميدان القطاع العام. هذا الأخير، أي القطاع العام المشكل من نسيج لمؤسسات قابلة للانتعاش والنمو، استفاد مؤخرا من إرساء الدولة لتنظيم هيكلي جديد يضع المؤسسة في صدارة المشهد كفاعل منتج للثروة في السوق المحلية مع التطلع إلى التصدير، بحيث يصبح المسيّر العمومي مرتبطا بعقود نجاعة وفقا لجملة من الأهداف، في ظلّ مرافقته بإجراءات تحفيزية للمبادرة، وكذا التوجه إلى ترتيب إجراءات رفع التجريم عن أفعال التسيير ذات الصلة بالرفع من وتيرة نشاط المؤسسة. ومثل هذا المناخ سوف يحفّز على التوجه الى إبرام شراكات مع المؤسسات الخاصة التي تعمل في نفس النشاط والتي تتوفر على مؤشرات ايجابية تؤكد احترافيتها وقبولها الخضوع للقانون.