يقف الاقتصاد الوطني على عتبة تحولات مصيرية يتقرر في ضوء نتائجها مستقبل المؤسسة الاقتصادية بين الديمومة، إذا ما تمكنت من كسب معركة التنافسية، أو الاختفاء في حالة التردد وإضاعة فرص النمو التي يوفرها الظرف الراهن المتميز بمشاريع استثمارية ضخمة في شتى القطاعات وإطلاق مسار متجدد للصناعة خاصة من خلال الشراكة مع متعاملين أجانب أحسنوا تفكيك شفرة السوق الجزائرية. ولعلّ معرض الجزائر الدولي ال 46 هو أحد المواعيد العملية لاختبار مدى نجاعة المتعامل الوطني في جذب الشركاء والمستثمرين، ومن ثمة تجسيد إدراكهم لقوة الرهانات والتحديات التي تلوح في الأفق في ضوء تبعات الشراكة الأوروبية من جانب، ومساعي الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ولذلك لا خيار سوى التجدد أو التبدد. لقد جلب المعرض مشاركة قوية محليا ودوليا في إشارة جيدة لجاذبية السوق الجزائرية، غير أنه لا ينبغي أن يتوقف الأمر عند ذلك والاقتناع به، بقدر ما يجب أن يترجم المتعاملون الجزائريون هذه الفعالية إلى عقود شراكة حول مشاريع حقيقية لإنتاج الثروة والتصدير. بلا شك تملك المنظومة الاقتصادية قدرات وموارد جديرة بالتثمين وإقحامها في بناء مسار إرساء اقتصاد ما بعد البترول، الذي لا يزال يلعب دورا متقدما في العملية التنموية في المنظور القصير، لكن ليس إلى الأبد مما يستدعي التزام كافة الشركاء بورقة طريق ما بعد المحروقات لامتلاك الطاقة والإمكانيات المطلوبة لمواجهة المخاطر المحدقة. ولاتعد المهمة مستحيلة على ما فيها من صعوبات يمكن تجاوزها إذا ما انخرطت المؤسسة الجزائرية في ديناميكية الاستثمار وتوسيعه وإعادة الانتشار وفقا لمقتضيات الأسواق المحلية والإقليمية، وذلك بالحرص على كسب معركة المعايير والعمل بها في جوانب لتجاوز عقدة الجودة بكافة جوانبها سواء الخاصة بالنوعية ذاتها أو بالبيئة، والتحكم في بنية الأسعار بالسيطرة على تكلفة الإنتاج. وضمن هذا التوجه الحتمي، لا يمكن للمؤسسة الاقتصادية القفز على أهمية إدراج الرأسمال البشري في عملية التحول من تابع للمحروقات بمعنى مؤسسة ريع، إلى منتج للثروة بمفهوم المؤسسة الفاعلة التي ترتكز على الذكاء البشري القائم على معيار الكفاءة التي توفرها الجامعة الجزائرية، ولطالما قطفتها شركات لبلدان أجنبية تريد أخذ الجمل بما حمل، أي الثروة الطبيعية والبشرية.