ارتفع الإقبال على شراء الخبز التقليدي بولاية تيزي وزو في شهر رمضان، حيث يتصدر موائدها العديد من العائلات طيلة أيام الشهر الفضيل وترفض التخلي عنه، فمهما اختلفت التسمية من منطقة لأخرى ما بين خبز الفطير، خبز الطاجين، الكسرة، المطلوع، ثامثونت وغيرها، فإن هذا النوع من الخبز لا يمكن أن يزيحه عن مكانه أي نوع من أنواع الخبز الأخرى التي يتفنن في إعدادها الخبازون. «الشعب» تنقل التفاصيل. ما يلفت الانتباه أكثر هو الإقبال المتزايد للمستهلكين على الخبز التقليدي خلال هذا الشهر، ما يجعل العديد من النساء يقمن بفتح محلات خاصة بصنع الخبز التقليدي، إذ نجد هؤلاء النساء ينافسن المخابز، حيث انتشرت عبر أرجاء الولاية هذه الصنعة التقليدية التي تعتبر تجارتها مربحة ويزداد انتعاشها خلال شهر الصيام مقارنة بسائر أشهر السنة الأخرى، لاسيما وأن نوعية هذا الخبز التقليدي وذوقه يتماشى مع جميع الأطباق دون استثناء. ورغم توفر الخبز التقليدي في الأسواق إلا أن الغالبية العظمى من ربات البيوت يحرصن على تحضيره في المنزل لإعطائه نكهة خاصة أو شرائه من المحلات الخاصة بصنع الخبز التقليدي خاصة بالنسبة للنساء العاملات والتي لا يسعهن الوقت لتحضيره بأنفسهن. فالنساء الماكثات بالبيت رغم ارتفاع درجة حرارة الجو ومشقة العطش والجوع، إلا أنه لا شيء يحول بينهن وبين إعداده في البيت، فالخبز العادي طيلة شهر رمضان لا يعرف طريقه إلى طاولة الإفطار، فيتمنى الصائمون لو يعود رمضان عاجلا حتى ينعموا بنكهة ما تعدّه النساء في المنزل من الخبز التقليدي، وذوقه المميّز الذي ليس له منافسا. بعض النسوة تستعملن مادّة الفرينة في إعداده وتمزجها مع القليل من الماء والملح وتتركها تتخمر إلى حين وضعها في الفرن، بينما تقوم أخريات بمزج السميد مع الفرينة وتضيف الكثيرات له زيت الزيتون لإعطائه نكهة مميّزة، فلكل سيدة طريقتها الخاصة في عجن الخبز التقليدي ليكون جاهزا على مائدة الإفطار. ويعتبر طبق الكسكس بلبن البقر سيّد مائدة السحور طيلة أيام شهر رمضان، فسكّان تيزي وزو يعتمدون عليه كثيرا نظرا لفوائده التي لا تحصى ومن بينها حسبهم مساعدتهم على مقاومة الإحساس بالجوع والعطش ليوم كامل لاحتوائه على الطاقة والفيتامينات. حيث تقوم النسوة بتحضير الكسكسي وفتله في البيت أسابيع قبل حلول هذه المناسبة الدينية خصيصا لوجبة السحور. وقد أجمع العديد ممن تحدثنا إليهم على أنه يعتبر أهم طبق تقليدي مفضّل، فمهما تنوعت الأطباق الأخرى العصرية منها أو التقليدية، إلا أنّ الطبق الرئيسي والوحيد في السحور هو الكسكسي باللبن الذي يتربع على عرش موائد السحور في الكثير من البيوت وعادة ما يرافقه الزّبيب مباشرة بعد الإفطار تباشر ربات البيوت في إعداده ليكون جاهزا وقت السحور ولا يغادرن المطبخ قبل الانتهاء من تحضيره وهذه العملية تمتد إلى آخر يوم في شهر الصيام. الشيء المميز في هذا الطبق عند العائلات تناوله مع لبن البقر الطبيعي الطازج، ويحرص أرباب الأسر على اقتنائه رغم ارتفاع أسعاره، فمذاقه حسبهم أفضل بكثير من غيره كما أن منافعه لا تضاهى. من بين العادات الراسخة لحد اليوم في قاموس تقاليد عائلات منطقة القبائل هي تكريم الصبي أو الصبية اللذان يقدمان على الصيام لأول مرة في حياتهم، حيث يحظى الصغار بوجبة إفطار خاصّة بهدف تشجيعهم على تحمّل مشقّة الجوع والعطش والتعوّد على فريضة الصّوم، ويحتوي هذا الطبق الذي يتناولونه عادة فوق سطح البيت أو القرميد على بيضة مسلوقة، وما يسمى ب»المسمّن»، إلى جانب شربهم الماء من إناء بداخله قطعة من الفضّة، وتقول الجدّات أن هذه العادة الموروثة منذ القدم تحبّب الصيام لدى البراعم الصغار، كما أن الفضة ترمز إلى الصفاء والبياض ليكون صوم الصغار صاف كالفضة وأيامهم كلها بيضاء. ومن جهة أخرى تعم الفرحة بين أفراد العائلة وتحتفل بحدث إقدام ابنهم على مرحلة أولى في حياته وهي تحمّل الصيام ليوم كامل بسهرة رمضانية مميزة تجمع بين الجيران والعائلة حول مائدة الشاي التي يحتسونها مع «الخفاف» أو حلوى والمكسّرات، ويتبادل الجميع الأحاديث ويتسامرون في لحظات لا تنسى تمتد عادة إلى وقت السحور، ويعتبر ذلك حافزا للأطفال على أداء الفرائض الأخرى كالصّلاة والاعتماد على النفس لتحمل المسؤولية مستقبلا، ويحاول الجميع الحفاظ على خصوصية هذه العادة المميزة مهما تعاقبت الظروف والتغيّرات التي طرأت على بعض العادات والتقاليد الأخرى.