أقرت الحكومة، بصعوبة الوضعية الاقتصادية الحالية، التي تمر بها البلاد جراء انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية، وتتوخى في الوقت ذاته، تفادي الصدمة الخارجية بتوجهات مبنية على تشجيع الاستثمار المحلي وترشيد النفقات العمومية، وإشراك كل الطاقات للخروج إلى شاطئ الأمان، متجاهلة الخطابات التشاؤمية التي تتحدث عن انهيار وشيك للاقتصاد الوطني. يحاول الجهاز التنفيذي، التعاطي مع أزمة تدني أسعار النفط التي بدأت شهر أوت من السنة الماضية، بصراحة كبيرة مع المواطنين، من خلال الحديث عن المخلفات السلبية لفقدان سعر البرميل الواحد من الذهب الأسود ل50٪ من قيمته في ظرف وجيز، وشرح الخطوط العريضة للتدابير المتخذة للانحناء للضربة. ولا يختلف الخبراء مع الحكومة، عندما تقول، «إن هامش المناورة كبير، والوقوع في أزمة خطيرة مستبعد خلال السنتين المقبلتين على الأقل»، لكن السؤال الذي يطرح، يتعلق بمدى نجاعة الإجراءات التي سيتم اتخاذها؟ وما الفارق الذي ستصنعه الأوراق التي مازالت بحوزتها كي تلعبها؟ الوزير الأول، عبد المالك سلال، أعلن، وبكل ثقة، أول أمس، في اجتماع الحكومة بالولاة، عن هدف تحقيق نسبة نمو تقدر ب 4.61٪، سنة 2016، بفارق نقطة عن نسبة نمو السنة الجارية، وهو المسعى الذي يخالف كافة التوقعات التي تتحدث عن وضع أسوأ العام المقبل في حال استمرت أسعار النفط في هذا المستوى. غير أن الحكومة تبني رهانها على خفض الإنفاق العمومي بنسبة 09٪، في إطار سياسة ترشيد النفقات المعلن عنها بداية السنة، ووقف المشاريع الكبرى، وتشجيع الاستثمار في القطاع العمومي والخاص، ومنح الأولوية للبنوك في تمويل المشاريع، والنهوض بقطاعات الفلاحة، الصناعة والسياحة، لضمان تنويع الاقتصاد الوطني وتجاوز الضعف المسجل على مستوى السوق الخارجية. ويرى الجهاز التنفيذي، أن منطلق الحلول الرامية ليس لتجاوز الأزمة الحالية فقط، وإنما إلى بناء اقتصادي وطني قوي، يبدأ من المستوى المحلي أي «الولاية»، وذلك بتحريك عجلة الاستثمار، وإزالة العراقيل البيروقراطية، ونفض الغبار عن عديد الملفات المودعة لدى الشبابيك الولائية للوكالة الوطنية لترقية الاستثمار وتطويره. وهذا ما شدّد عليه وزير الداخلية نور الدين بدوي، حينما قال مخاطبا الولاة «المبادرة الاقتصادية موجودة بدليل عدد طلبات الاستثمار المسجلة»، مشيرا إلى أن الرهان «يكمن في قدرتهم على مرافقتها وتوجيهها نحو الطريق الصحيح برفع العراقيل وتذليل الصعاب». فمحاربة البيروقراطية وتحرير المبادرة أمام الاستثمار، تعد نصف الطريق نحو الحل والخروج بالسفينة إلى بر الأمان، كما قال الوزير الأول، الذي أكد في أكثر من مناسبة أن الجزائر تملك القدرات اللازمة لبناء اقتصاد قوي خاصة الشباب المتعلم، ويكفي استغلال ذلك، بتغييرالذهنيات. فالتحديات الحالية، تفرض انخراط الجميع بدءا بالمنتخبين المحليين وصولا إلى ولاة الجمهورية، في الحركية التنموية، وعدم الاكتفاء بتقديم النسب المئوية لتقدم المشاريع والحرص على تسريع وتيرة الإنجاز. من جانب آخر تحاول الحكومة، إدخال السيولة المالية المعتبرة الموجودة، في السوق الموازية والمقدرة بحوالي 40 مليار دولار، بحيث سيتيح إدخالها للبنوك، مقدرات أكبر تسهل عملية تمويل المشاريع وتقليص فاتورة الإنفاق العمومي. وبالأرقام، نجد هامش المناورة الذي تملكه الحكومة، لمواجهة أزمة سقوط أسعار النفط، في كل من صندوق ضبط الإيرادات (صندوق خاص لدى وزارة المالية يعادل47 مليار دولار) والاحتياطي من النقد الأجنبي (170 مليار دولار) أي أن مجموع 217 مليار دولار تضع التوازنات الكبرى للدولة في مجال الحماية لمدة عامين ونصف أي حتى 2018. وعليه، فإن التطبيق الناجع لتوجهات الحكومة، من شأنه أن ينقذ البلاد من الوقوع في شبح الأزمة والسيناريوهات المخيفة.