لقد عرف المشهد الثقافي والفني بولاية سيدي بلعباس تظاهرات ثقافية مميزة صنعت فسيفساء غاية في الجمال مزجت بين الفن التشكيلي، الفن الرابع، الشعر، الرقص والغناء تخلّلتها ملتقيات فكرية وعلمية خلقت نوعا من التوازن بين كفتين الفن والثقافة، حيث عاش المهتمون بالتراث أجمل الأيام بين ثنايا الشعر الملحون، الأمثال والحكم القديمة التي تعكس أمجاد الأسلاف وحياتهم البسيطة المملوءة بالقصص والعبر ضمن فعاليات المنتدى الرابع للحلقة الشعبية، من تنظيم تعاونية الحلقة للثقافة والفنون بمشاركة فرقتين شعبيتين من دولتي مصر وتونس. الفن التّشكيلي تأشيرة للتّحليق في حضارات قديمة أما محبّو الفن التّشكيلي فقد كانت لهم الفرصة للاستمتاع بالحوار الصامت الذي دار بين الفنانين ولوحاتهم برواق دار الثقافة، صانعين بذلك قطعا مسرحية عنوانها الألوان والأشكال في مبادرة أراد من خلالها المنظمون تقريب هذا الفن الراقي إلى المواطن، وخلق جسر تواصل بين الفنانين والمواطنين ضمن فعاليات الصالون الوطني الثاني للفنون التشكيلية. هذا واستضافت الولاية عددا من الفنانين التشكيليين على غرار الفنان العراقي أحمد الشهابي، الذي سافر بزوار معرضه عبر بساط السندباد إلى حضارة بلاد الرافدين وإلى بغداد تحديدا من خلال لوحاته الفنية المتعددة الأبعاد، وبريشته المبدعة التي تفننت في نقل عبق الحضارة البغدادية بأسلوب منفرد وراقي. ولترقية الشعر وخلق تبادلات ثقافية في هذا المجال، نظّم فرع اتحاد الكتاب الجزائريين بسيدي بلعباس ملتقى أوراق سيدي بلعباس الثقافية، الذي عرف مشاركة عديد الشعراء المحليين، الوطنيين وشعراء من فلسطين أمثال محمد علي ديب وشتات عدي. الحايك الجزائري وجه آخر للمقاومة يسابق التّمدّن والعولمة هذا ولم يخلو المشهد الثقافي من تظاهرات خارج القاعات كتظاهرة يوم الحايك بمناسبة شهر التراث أين تزيّنت النسوة بهذا اللباس التقليدي الأصيل، الذي عاد بالمواطنين إلى زمن الأصالة، حيث جالت أزيد من ثلاثين امرأة ترتدي الحايك الجزائري بمعية حوالي عشرة شباب بزيهم التقليدي شارع المقطع وسط المدينة، وهي المبادرة التي أطلقتها الجمعية الثقافية ريشة الإبداع الجزائري تزامنا مع شهر التراث، أين لاقت المبادرة تجاوبا كبيرا من قبل المواطنين، الذين عبّروا عن اشتياقهم لهذا اللباس الأصيل الذي دخل طي النسيان، واختفى من المظهر العام على الرغم من كونه موروثا شعبيا ورمز من رموز الثقافة أصبحت ولاية سيدي بلعباس قبلة سياحية بامتياز خلال مواسم الاصطياف بفضل رواج مفهوم السياحة الثقافية القائمة أساسا على المهرجانات، على غرار المهرجان الدولي الثقافي للرقص الشعبي والمهرجان الوطني لأغنية الرأي، فولاية سيدي بلعباس صنعت لنفسها فضاءا سياحيا ثقافيا يعد منبرا حقيقيا لحوار جامع للحضارات والثقافات العالمية، وهو ما حوّل المدينة إلى فسيفساء ثقافية تجلب إليها سياحا من مختلف الولايات وحتى من الخارج من المولعين بتغذية أفكارهم وثقافاتهم، وهو ما يعتبر بمثابة دلالة راسخة على الرواج الكبير، الذي أضحت تحققه هذه المهرجانات الثقافية على الصعيدين الوطني والدولي بدليل ارتباطها ارتباطا وثيقا بالولاية ومساهمتها الفعالة في التنمية المحلية، وفي تطوير السياحة الثقافية وبعث الموروث الثقافي المحلي. عروض وأعمال مسرحية عمّقت من مكانة المسرح الجهوي وعراقته لا يزال المسرح الجهوي لسيدي بلعباس وبحكم عراقته وشهرته الوطنية مكانا حقيقيا للمتعة والتعبير عن الأحاسيس و مناجاة الذات والمجتمع، ولا يزال جمهور العباسي توّاق للحصول على تذكرة الدخول والولوج لعالم الفن الرابع من أجل المتعة واستكشاف ما يجوب به المسرحيون وأهل الفن من أعمال راقية، حيث كان الموعد شهر أفريل مع فعاليات الدورة التاسعة للمهرجان المحلي للمسرح المحترف التي حملت شعار المسرح وذوي الاحتياجات الخاصة، وفق الإستراتيجية الجديدة التي تقضي بإشراك ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل الثقافي ومنحهم الفرصة للتعبير عن أحاسيسهم، وهو ما يسعى إليه المسرح من خلال التحضير لعمل مسرحي إعادة لنص توفيق الحكيم يندرج ضمن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، من تقديم فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من ممثلين لاسيما المكفوفين. ”الخط الأصفر” عرض على خشبة مدينة الجسور المعلّقة هذا وأنتج المسرح الجهوي لسيدي بلعباس أيضا وفي إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية عملا جديدا بعنوان “الخط الأصفر”، وهو عمل يتحدث عن مجموعة من المسافرين الذين تعطّلت رحلتهم في تشبيه لأحوال وواقع الأمة العربية، وعن مسرح الأطفال أقام المسرح حفلا تضمّن العديد من العروض المسرحية الموجهة للأطفال والتي عادت مداخيلها إلى جمعية مساعدة المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة في مبادرة خيرية لمساعدة المرضى. هذا وتحضّر جمعية مسرح الشباب الطفل لعرض مسرحية “أطلانطيس” في إطار مسرح العرائس على ركح المسرح الجهوي، هذا العمل المخصّص للأطفال يتناول القيم الإنسانية وصراع الخير ضد الشر. رواق “نوارة” للفنون فضاء فنّي للمبدعين تنفّس فنانو الولاية الصعداء بعد تدشين رواق الفنون “نوارة الطيب”، وهو المولود الجديد الفريد من نوعه على المستوى الوطني المتواجد بوسط المدينة والذي سيسمح للفنانين المحليين، وغيرهم من الضيوف بعرض أعمالهم الفنية التشكيلية على مدار السنة للتعريف بفنهم الراقي وإيصاله للجمهور. ويعدّ هذا الصرح الفني بمثابة تكريم لفناني الولاية في عيدهم الوطني تاريخ تدشين هذا الصرح الثقافي، إذ سيتيح للفنانين والجمهور على حد سواء للإستمتاع و تنمية الذوق الفني ونشر ثقافة الفن التشكيلي،كما يسعى رواد الفكر والشعر والموسيقى إلى خلق أروقة لهم بوسط المدينة لتعزيز المشهد الثقافي والفني بالولاية،ومنذ فتحه شهد الرواق عروضا مهمة لفنانين تشكيليين من هولندا والعراق وفنانين محليين. ترميم قاعات السّينما وجرد للقصور القديمة حفاظا على الموروث المادّي خصّصت مديرية الثقافة غلافا ماليا يقدر ب 140 مليون دج لترميم قاعة السينما إفريقيا بعد أن انتهت الدراسة التقنية الخاصة بالعملية، وهي القاعة التي ظلت مغلقة لعقود وتعاني من التهميش والإهمال على غرار باقي القاعات الأربعة المتواجدة بوسط المدينة، والتي حضيت اثنان منهما بعمليات تهيئة مشابهة، مسّت سينما تسالة والعمارنة، اللّتان دخلتا الخدمة السنة الماضية حيث تتّسعان لحوالي 1500 مقعد ومجهزتان بأحدث التقنيات والوسائل السمعية البصرية الرقمية. وتسعى مديرية الثقافة من خلال استرجاع قاعات السينما وتهيئتها إلى تدعيم الساحة الثقافية بالقاعات الأربع التي تعدّ صروحا معمارية وثقافية وفنية ستعمل على دفع الحركية الثقافية بالولاية، والعودة بالمجال السينمائي إلى سابق عهده أين كانت المدينة تضمّ عددا كبيرا من هواة فن السينما في فترات السّتينات والسّبعينات. المواقع التّاريخية لحماية الذّاكرة الشّعبية وفي ذات السّياق، بادرت مديرية الثقافة أيضا للقيام بعمليات جرد واسعة ستمسّ كافة المواقع التاريخية التي تعود للحقبة الاستعمارية، المؤسسات الثقافية والدينية، وكذا الأماكن الحافظة للذاكرة الشعبية، وهي العملية التي تدخل في إطار المحافظة على الإرث المادي الذي تزخر به الولاية، والذي أضحى يتطلّب التفاتة جدية لحمايته من الاندثار، وتضمّ الولاية مجموعة كبيرة من البنايات التاريخية على غرار القصور التي يعود بناؤها للحقبة الاستعمارية بما في ذلك قصر البلدية الذي حظي بأشغال لترميم في انتظار ترميم بقية القصور وتصنيفها كقصر بيرين وقصر فرعون، اللّذان يعانيان التّهميش والإهمال وكذا قصر نابليون.