شهدت عاصمة الغرب الجزائريوهران خلال سنة 2007 انتعاشا ثقافيا واعدا ساهمت فيه مختلف المؤسسات الثقافية والفرق المسرحية والجمعيات، الساعية إلى إثراء الحقل الثقافي بولاية تطمح لتكون "مدينة متروبولية" في المجال، وقد تميّز المشهد الثقافي بولاية وهران التي تعدّ قطبا جامعيا وثقافيا والتي تزخر بتراث مادي وغير مادي لا ينضب معينه طيلة هذه السنة بتنظيم العديد من التظاهرات التي أعادت الروح للحياة الثقافية بها وأضفت على الفعل الثقافي جرعة أوكسجين طالما انتظرها المثقفون في السنوات العجاف· وكان للمواعيد الثقافية التي أقيمت الفضل في إعادة بعث شغف ثقافي لدى كثير من سكان وهران الذين حضروا مختلف المهرجانات والملتقيات الفكرية والتاريخية والدينية التي نشطها العديد من الأعلام والمثقفين والمؤرخين من بينهم المرحوم الدكتور يحيى بوعزيز الذي فقدته الساحة الثقافية في غضون هذه السنة· وتجلّى من المهرجان الدولي الأول للفيلم العربي الذي احتضنته المدينة من 28 جويلية إلى غاية 3 أوت المنصرمين في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" وجه يليق بوهران ومكانتها كمركز إشعاع عربي ومتوسطي· فعلى مدى أسبوع حافل بالعروض السينمائية، استعادت "الباهية" مكانتها في سنوات الثمانينيات، حيث ظلت قبلة للمهرجان الدولي للأفلام القصيرة الذي أفل نجمه لأسباب عديدة ومتشعّبة· وكانت الأيام السينمائية بطابعها الدولي وبخصوصيتها العربية والإفريقية مجالا خصبا لإسهامات المبدعين بما وفرته خبراتهم وتجاربهم من عطاءات دعمت تطور الفن السينمائي العربي و كذا فرصة سانحة لذوي الاهتمام من الفنانين والمتتبعين للاطلاع عن كثب على ما وصلت إليه الصناعة السينماتوغرافية بالعالم العربي وما استجدّ من ابتكارات وإبداعات في العالم قاطبة· وأهمّ ما ميّز هذا المهرجان الذي استضاف أيضا السينما الإسبانية، لقاء رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة زيارته العملية والتفقدية للولاية بمبدعي السينما العربية والمسرحيين العرب والفنانين التشكيليين والمطربين الجزائريين الذين أعربوا عن أملهم في أن يرسّخ مهرجان الفيلم العربي كتقليد وموعد تحتضنه الباهية كل سنة، كما فتحت هذه التظاهرة مجالا لهواة الفن السابع للتفكير في إنشاء جمعية هواة السينما تدعى "ورشات السينما" سيتجسّد مشروعها في مطلع السنة المقبلة حسب ما أكده مدير متحف السينما لوهران السيد بن صالح الحاج، الذي أشار إلى أن هذه الجمعية ستعمل على ترقية الثقافة السينمائية بوهران وكذا تجديد العهد بالمهرجان الدولي للفيلم القصير· وكانت مبادرات الفرق المسرحية المحلية قوية خلال هذه السنة، حيث حظيت فرقة "مسرح المدينة" بشرف المشاركة في الأسبوع الثقافي الجزائري بالمملكة العربية السعودية بعرضها "حمة الكوردوني" الذي نال إعجاب المتفرجين· كما تحصلت فرقة "الإبداع" على جائزتي أحسن أداء رجالي وعرض مسرحي بالمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم وشاركت في فعاليات مهرجان مسرح الطفل بمدينة "نيودلهي" الهند في شهر نوفمبر المنصرم· ومن جهة أخرى، فإن متحف السينما الذي عادت إليه الروح بعد استفادته من عملية ترميم واسعة وإعادة فتحه في سنة 2005 وكذا تجهيزه، ساهم خلال السنة الجارية في إثراء الحقل السينمائي من خلال برمجته دوريا لسلسلة من أفلام الأرشيف، وكذا أفلام لموزعين جدد وعروضا أخرى بالشراكة مع المؤسسات الثقافية والجمعيات فضلاً عن محاضرات وحفلات تكريم للعديد من المخرجين السينمائيين· وهكذا فقد كانت للجمهور الوهراني خلال هذه السنة فرص لمشاهدة عدد من الأفلام التي عرضت لأول مرة بوهران منها فيلم "الخيانة" لمخرجه فيليب فوكو و"الرسام" من إخراج محمد حويدق إضافة إلى عرض فيلم للمخرج عبد اللطيف مراح حمل عنوان" حدّثني عن بلاوي" المنجز في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"· ومن جهته، أعطى الفن الرابع الذي يعتبر الرئة التي تتنفس بها شتى الفنون نفسا جديدا للحركة الثقافية خلال هذه السنة، حيث احتضنت خشبة المسرح الجهوي "عبد القادر علولة" 44 عرضا مسرحيا للكبار و14 آخر خاص بالأطفال و62 حفلا موسيقيا من تنشيط مطربين محليين ومن الوطن وعرب من السعودية وأجانب من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وما إلى ذلك من الأنشطة الثقافية والمحاضرات وقراءات لنصوص المسرحية· والجدير بالذكر أنه نظرا إلى الجولات الثقافية والفنية التي قامت بها فرقة المسرح الجهوي لوهران خلال سنة 2007 بمختلف مناطق الولاية وعدد من ولايات الوطن، لم يتسنّ لهذه الفرقة إنتاج سوى عرض مسرحي واحد يحمل عنوان "أشواك السلام" في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، على حد تعبير الفنان المسرحي عبد القادر بلقايد رئيس الدائرة الفنية والعلاقات الخارجية لهذه المؤسسة· وعلى الرغم من قلة الإمكانيات، يمكن القول بأن هذه المؤسسة تحدت الصعاب واستطاعت أن تجذب إليها الجمهور الذي ابتعد خلال السنوات الماضية عن الركح لأسباب شتى، منها رداءة نوعية العروض والأطباق الفنية المقدّمة، حسب ما أوضحه نفس المتحدث، الذي أشار إلى أن المسرح استقبل خلال هذه السنة آلاف المتفرجين من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية الذين كانت تضيق لاستقبالهم قاعة العرض لمسرح "عبد القادر علولة"· وعلى سبيل المثال، استقبل هذا المسرح خلال شهر فيفري أكثر من 5 آلاف متفرج، وفي غضون شهر جويلية المتميّز بشدة الحرارة والمعروف بشهر العطلة الصيفية، أكثر من ألفي متفرج· ويأمل هواة الفن الرابع والساهرين على ترقية "أبو الفنون" أن تحظى مدينة وهران التي جالت وصالت بمسرح "الحلقة" في العديد من المهرجانات الوطنية والدولية بشرف احتضان مهرجان متميّز للمسرح· وكان للفنون الغنائية نصيب في إثراء الحركة الفنية بوهران حيث فتح المهرجان الوطني لأغنية الراي الذي أشرفت على تنظيمه محافظة هذا المهرجان ، الأبواب على مصراعيه لتقديم تشكيلات متنوعة لمختلف الفنون والطبوع الجزائرية منها "القناوي" و"التندي" والراي الأصيل المعروف ب "راي تراب"· وعلى صعيد آخر، كانت فعاليات الصالون الوطني للفنون التشكيلية ومهرجان الفنون التشكليية للأطفال اللذين احتضنتهما قاعة دار الثقافة وكذا العديد من المعارض للفنون التشكيلية التي أقيمت بالمتحف الوطني "أحمد زبانة" محفّزا لترقية هذا التعبير الفني بوهران· وبما أن ولاية وهران تزخر بموروث ثقافي في مجال التراث غير المادي منه "الوعدات" التي لها ارتباط وثيق بالمجتمع، بادرت الجمعية الدينية للطريقة الطيبية لزاوية وضريح "سيدي الحسني" بالتنسيق العلمي مع مخبر "التحولات الفكرية والأبعاد القيمة في الجزائر" لجامعة وهران خلال هذه السنة بإضفاء ثوب جديد على "وعدة سيدي الحسني"، حيث أعطت للاحتفالية شكلا مغايرا وذلك بتنظيمها لأول مرة ملتقى وطنيا حول الطريقة الطيبية وشخصية الولي الصالح الشيخ سيدي الحسني الوهراني، بإشراك نخبة من المفكرين من بلدان المغرب العربي والجزائر لمناقشة موضوع الصوفية بمختلف أبعادها· وما تزال فكرة إنشاء بنك للمعلومات خاصة بمختلف الفنون والطبوع والممارسات التقليدية التي مهّدت له نواة تتشكّل من فنانين وباحثين جامعين وممثلين تراود أهل الاختصاص، على حد تعبير أحد الجامعيين، الذي قال إن مدينة وهران التي تزخر بموروث ثقافي متنوّع، تحتاج إلى بنك من معلومات للحفاظ على هذا الإرث، خاصة منه الشفهي وليكون سندا للباحثين في أعمالهم العلمية· وتبقى مسألة رد الاعتبار للتراث المادي الذي يشمل المعالم الأثرية والتاريخية والطبيعية التي تشتهر بها وهران إحدى انشغالات السلطات المحلية والمتخصصين في حماية هذا التراث الثقافي من الزوال، حيث شهدت هذه السنة انطلاقة لترميم عدد من المعالم منها حصن "سانتا كروز" وإسناد عملية الإشراف على ترميم "قصر الباي" ل "الديوان الوطني لاستغلال وتسيير التراث الثقافي المحمي"·