ذكرت آخر أخبار الأزمة المالية العالمية أن الرئيس الأمريكي مثله مثل أي مواطن انتفض ضد قرارات مجلس إدارة شركة التأمينات الأمريكية /أي.إي.جي/، الرامية إلى اقتسام أزيد من 150 مليون دولار على المسيرين كأرباح نهاية السنة، إلا أن الشركة السالفة الذكر تعرضت لأكبر هزة في تاريخها السنة الماضية، كنتيجة للأزمة المالية والتي وصلت بها إلى حافة الإفلاس، لولا التدخل المستعجل للخزينة الأمريكية ومن ورائها دافع الضريبة الأمريكي الذي أنقذها من انهيار مؤكد، هذا ما أثار غيض المواطن الأمريكي الذي أحس بنوع من الخديعة وبسوء استغلال أمواله التي أنقذ بها شركة أمريكية ومن العلامات البارزة في سوق التأمينات العالمية. في نفس السياق عرفت فرنسا نفس الحادثة تقريبا، فقد تساءل الفرنسيون عن مدى جدية مجلس إدارة /سوسيتيه جينيرال/ في برمجة أرباح إضافية للهيئة المسيرة قبل نهاية السنة، عن طريق الاستحواذ على أسهم إضافية كأرباح، علما أن البنك الفرنسي عرف السنة الماضية أكبر قضية احتيال والتي كلفته 5 ملايير يورو، تسبب فيها موظف متخصص في توظيف الأموال في عمليات مضاربة، لكن السبب الرئيسي حسب المتتبعين يرجع إلى هفوة في الرقابة الداخلية، سمحت للمضارب الشاب بالمغامرة بالملايير دون علم مسؤوليه حتى انكشف أمره، وقد ساهمت وزارة المالية الفرنسية في إنقاذ /سوسيتيه جينيرال/ مثلها مثل بقية الهيئات المالية الفرنسية من هزات الأزمة المالية العالمية. الملفت في المثالين، هو أن دافع الضرائب في الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا، على سبيل المثال لا الحصر، حريص أشد الحرص على كل دولار أو يورو تقوم الخزينة بتقديمه كدعم للمؤسسات المالية، ويتساءل عن مصيره، والى أي مشروع سيِؤول، وهل سيساهم فعلا في إنقاذ الشركة أو البنك، ويسهم في اعادة الحياة للمؤسسة المعنية،ويطرح المزيد من الأسئلة والتساؤلات، التي تحسس القائمين على تسيير شؤون المؤسسة المستفيدة من الدعم، على انه طرف وشريك / ليس فعلي بل معنوي/ في الرقابة على الأموال العمومية وكيفية استغلالها. بمقارنة سريعة مع ما يحدث في منظومتنا البنكية، وبإسقاط هذه الأمثلة على الواقع ، هل يمكن تخيل /فرضا/ ابسط مواطن يتساءل عن مصير الأموال المودعة في البنوك العمومية؟ وكيفية استغلالها؟ والمشاريع التي تذهب إليها؟ وان يطالب /بجدية/ المسؤولين فيها عن النتائج المحققة دوريا؟ وان يحس بأنه رقيب على الأموال العمومية الموجودة في البنوك التجارية، ولو بطريقة معنوية غير مباشرة؟ ربما الإجابة تقترب إلى النفي أكثر من الإيجاب، فأين مكمن الخلل ؟ أليست في غياب الشفافية؟ نعم الشفافية المعتمدة كمنهج لا حياد عنه في المؤسسات المالية الأجنبية، والتي أدت إلى تفطن المواطن الأمريكي أو الياباني أو الاسترالي؟ ألم يكن يعرف مسؤولو /أي.إي.جي/ و /سوسيتيه جينيرال/ بأن إعلانهم عن نية توزيع أرباح فيما بينهم بالرغم من تحقيقهم نتائج سلبية، سيؤدي لا محالة إلى تأنيبهم وزجرهم إعلاميا وسياسيا ومجتمعيا؟ بلى ، لكنهم فضلو الإبقاء والحفاظ على مبدأ الشفافية /المقدس/،على اعتماد أساليب أخرى، كانت ستؤدي في النهاية إلى انكشاف أمرهم، ربما هنا يكمن الفرق والاختلاف في نمط تسييرنا وتسييرهم، الشفافية، حتى وان كانت ضد المصلحة الشخصية للحفاظ على المصلحة العامة، واحتراما للرأي العام الذي يلعب دوره /الغائب عندنا/ كرقيب معنوي. لهذا نجد بنوكا عمومية شبه معزولة عن العالم الخارجي، لا تعتمد أسلوب التواصل الايجابي مع المحيط الموجودة فيه، فلا يمكن التحدث عن عصرنة المنظومة البنكية دون الانطلاق من اعتماد الشفافية كمبدأ /مقدس/ لا يمكن الحياد عنه تحت أي شعار كان أو ذريعة، والشفافية لا تعني التدخل في عمليات التسيير الداخلي أو كشف الأسرار البنكية، لكن غياب حد أدنى من الإفصاح عن نتائج الربح والخسارة في نهاية السنة المالية، وعدم تقديم الحصيلة الدقيقة لنشاط كل فرع وكل وكالة أمام الرأي العام، سيبقي حتما على الصورة الغامضة والمعتمة التي توجد فيها منظومتنا البنكية، التي تشبه إلى حد كبير /الحصن المنيع/ لكنه لا ينبغي أن يكون بمثابة حصن ضد العصرنة والتأقلم مع متطلبات تكنولوجيا العصر.