يسجّل الخبير عبد الرحمان مبتول بكثير من الانشغال عدم تحسّن مركز العملة الوطنية في السوق الموازية، واستمرار تدهور قيمتها. وبعد أن عاد بالذاكرة إلى زمن كان فيه دينار واحد يعادل 1 فرنك فرنسي إلى غاية سنة 1973 و5 دولارات أمريكية، وقد كانت قيمة الدينار تحدد تبعا لتطور سلة مشكلة من 14 عملة قبل أن يخضع لتخفيض في القيمة في سنتي 1986 / 1990 بنسبة 150 بالمائة، تلتها عملية تخفيض ب 22 بالمائة في 1991. وإثر التوقف عن التسديد في 1994، وبعد إعادة جدولة المديونية الخارجية بحكم شروط قاسية فرضها صندوق النقد الدولي، جرت إعادة تخفيض لقيمة العملة بأكثر من 40 بالمائة مقارنة بالدولار. بلغ سعر الصرف في 11 فيفري 2016 معادلة خطيرة بتسجيل 1اورو مقابل 25 , 119 دينار و1 دولار ب 80 ، 106 دينار في السوق الرسمية، وفي السوق الموازي أورو ل 190 / 193 دينار ودولار ل 168 / 170 دينار. يوجد فارق في الصرف منذ سنوات إلى درجة تحول ساحة بور سعيد بالعاصمة ومساحات في الشرق والغرب إلى ما يشبه بنوك موازية، حيث يؤثر العرض والطلب على العملة. ويقدر البعض الحجم المتداول بين 2 إلى 3 ملايير دولار في السنة، وهو رقم ضئيل بالنظر للحجم الذي يخرج عبر القنوات الرسمية للبنوك مقابل خدمات وسلع مستوردة، إذ سجّل في سنة 2014 تصدير أكثر من 71 مليار دولار، وفي 2015 حوالي 65 مليار رافقها استيراد للتضخم. وحذّر مبتول قائلا إذا استمر احتياطي العملة الصعبة في التراجع إلى مستوى صفر سنة 2018 / 2019 مع عدم ارتفاع سعر المحروقات أكثر من 40 / 50 دولار للبرميل، فإنّ الأورو يرتفع صرفه رسميا إلى 2000 دينار و3000 دينار في السوق الموازي. واعتبر مبتول أنّ تراجع الصرف من مستوى 5 دنانير لدولار واحد إلى 107 دينار يتعارض مع القوانين الاقتصادية، التي تفيد أن كل انخفاض لعملة ما يؤدي إلى تنمية الصادرات، لكن هذا لم يحدث عندنا بل أنتجت ظاهرة تراجع قيمة الدينار حالة عكسية. لذلك حسبه فإنّ المستثمرين الأجانب والوطنيين يمتلكهم الحذر تجاه عملة ضعيفة، كون القيمة الحقيقية لأي عملة ما هي سوى وسيلة تبادل، لذلك فإنّ حيازة رأسمال نقدي لا يعني بالضرورة إنشاء للثروة، ومن ثمة الفارق بين المؤسسات يصنعه العمل والابتكار، فكلما جاءت قوانين مخالفة للواقع أنتج هذا الأخير بدوره قوانينه الخاصة. وأكّد أنّ قيمة العملة ترتبط بالثقة في مستقبل الاقتصاد، وكل ما يحكم حياة المجتمع أبرزها الإنتاج والإنتاجية وأخلقة الحياة العامة، خاصة بالنسبة للقائمين على إدارة المدينة، يقول مبتول، محددا جملة من العوامل وراء فقدان الدينار لقيمته تتمثل في: 1 - ضعف الإنتاج والإنتاجية مع ضخ سيولة دون مقابل ينتج عنه التضخم، علما أنه حسب تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) يعد معدل الإنتاجية في الجزائر من بين الأضعف في منطقة المتوسط. 2 - تراجع العرض بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، ورحيل إلى العالم الآخر للعديد من المتقاعدين الجزائريين من ذوي المنح بالعملة الأجنبية ممّا أثّر سلبا على وتيرة الادخار. 3 - اقتصار العرض في سوق العملة على المواطن البسيط من أجل السياحة والعلاج وأداء مناسك الحج والعمرة. 4 - العرض القوي يأتي من السوق الموازية، حيث تتحكّم في 40 إلى 50 بالمائة من الكتلة النقدية المتداولة، فيما يهيمن عليها جماعات من أصحاب الريع. 5 - الانتقال إلى اعتماد القرض المستندي منذ 2009 ممّا أعاق كثيرا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع بروز هيمنة لقوى تحترف الاستيراد، وبالرغم من ترخيص الحكومة لرفع مبلغ التحويل عند الدفع الحر إلى 4 ملايين دينار، فإنّ الأمر غير كاف. 6 - أغلب الجزائريين والأجانب يلجأون إلى السوق الموازية للعملات، على اعتبار أن هناك الحق لكل مسافر في حمل 7200 أورو عند السفر، ويوجد من يشغل مستخدميه في مهمات وهمية للخارج لتهريب العملة. 7 - اتجاه مسار الادخار من شراء العقار والمعدن النفيس إلى شراء العملة الصعبة في ظل أزمة المحروقات وتقلبات أسواق المواد الثمينة. وبعد أن نبّه إلى تفادي الرهان على اتباع مسار إنعاش الصناعة الميكانيكية بالمفهوم التقليدي دون إدراج التحولات التكنولوجية والمناجيريالية، في وقت تمثل فيه الصناعة 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، منها 95 بالمائة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة غير التنافسية، أشار الخبير مبتول إلى أنّ المخرج من الوضعية الراهنة للدينار الجزائري يكمن في تفادي إتباع الإجراءات النقدية الصرفة (تصلح فقط في اقتصاد مهيكل)، مضيفا أنّه “إذا أردنا تنشيط الانتاج المحلي القائم على القيمة المضافة، فإن الأمر يمرّ عبر مؤسسات ناجعة (من حيث الكلفة والجودة) بكل أصنافها محلية عمومية وخاصة، وبالشراكة والانتقال إلى مرحلة اندماج ضمن التكتلات الإقليمية والدولية بالشراكة ذات الربح المتقاسم”. وشدّد مبتول على بناء اقتصاد المعرفة يكون جوهره الإنسان وتحكمه الحرية في المبادرة والحوكمة في ظل اخلقة الحياة العامة من أجل تفادي الوقوع في قبضة مخالب صندوق النقد الدولي (أفامي)، في ضوء ما حصل خلال التسعينات من تجربة قاسية ومرهقة، يجب أن نقفز عليها بالاعتماد على الإمكانيات الوطنية وتجاوز كل الاختلافات حول التوجهات.