عندما يتحرك اليهود سواحا او تجارا او في مهمات دبلوماسية متنقلين بشتى العناوين والوظائف، ومن الجنسيات المختلفة لهم، فإن هناك عينا صهيونية معهم ترصد كل شئ ينتمي الى حضارتنا وثقافتنا في بقاع هذا الوطن العربي. وعندما يستلب الكيان الصهيوني أرض فلسطين فانه يدرك انه سيبقى مجرد كيان وافد استيطاني ليست له صلة أو جذر مع تلك الارض وليست له روابط او وشائج سوى رابطة الاستعمار بمفهومه الكولنيالي لاستيطاني البغيض. وعندما تجند المراكز الصهيونية كل ترسانتها العلمية والجامعية في رصد التحولات الثقافية في كل بلد عربي فانها تعرف أين مواقع الثراء والتنوع والابداع الفني والادبي والثقافي لكل بلد ؛ لذا فإنها وضعت في حساباتها دائما طرقا للتحايل والتزوير للوقائع التأريخية وتهريب الكنوز الاثرية والحصول على كل ماهو مرتبط بهذا التراث. في البداية تفرغت المؤسسات الصهيونية لمحو مكونات وعناصر الثقافة الفلسطينية ومحاربتها بكل الوسائل، لكنها تكتشف بعد اكثر من 60 سنة من عمر النكبة، ان التراث الفلسطيني عصي على الاقتلاع من أرضه. فالشعب الفلسطيني، واينما تواجد يحتفظ بهويته العربية الاسلامية كإطار لحفظ كل مكوناته الثقافية الاخرى. ولازالت المدن الفلسطينية في الداخل والاسر الفلسطينية في الشتات تنقل هذا التراث من جيل الى آخر وبذلك تترجم بإصرار أسمى معاني المقاومة الثقافية ضد الاستلاب الثقافي والحضاري. فلسطين تقاوم من خلال الحفاظ على كل ثرائها الثقافي منذ اليبوسيين والكنعانيين والعرب من لغة الى فولكلور الى معمار وبناء والى موسيقى ودبكات وغناء ومن مطبخ وعادات، والى أزياء وملابس تقليدية ومسرح. محكي او مدون.. الخ. ومن خلال حرص المؤسسات الفلسطينية على تقديم هذا التراث الشعبي والوطني الذي تواجه به عنصرية اسرائيل ومؤسساتها، وتقطع الطريق على احتوائه او تهويده او تقديمه للعالم كتراث ينتسب لاسرائيل على حساب تصفية الشعب الفلسطيني وتراثه الوطني والشعبي. ومن هنا فان فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية مدعوة الى تفعيل وتنشيط إحياء التراث الفلسطيني والتعريف به في جميع البلدان العربية وفضح المحاولات الاسرائيلية باستلابه وانتحال عائديته لليهود. أما عواصم العالم العربي الاخرى، فلا تنحصر مهمتها في التضامن مع الشعب الفلسطيني وفي حماية تراثه والتعريف بثقافته؛ بل يجب عليها ان تلتفت بوعي الى ان المؤسسات الصهيونية والاسرائيلية تحاول نقل الكثير من عناصر التراث الثقافي للبلدان العربية اليها والتعامل معه على انه تراث اليهود الاسرائيليين تركوه في هذا البلد أو ذاك قبل المغادرة الى اسرائيل. فإسرائيل تصنع لنفسها تراثا، لا من فلسطين فقط بل بادعائها ان أي تراث ثقافي عربي نقله اليهود اليها بات يهوديا أيضا. ان المتصفح للابحاث التراثية والثقافية الاسرائيلية يكتشف الكثير مما يُنسب الى اسرائيل زورا وبهتانا؛ بدء من آثار ومخطوطات موريتانية او مغربية الى آثار الطاسيلي الجزائرية، مرورا بما يُحمل خفية ويُسرق ويهرب من آثار تونس وليبيا وحتى مصر وسوريا واليمن غيرها. لقد قاومت مصر المحاولات الصهيونية بالادعاء بوجود آثار يهودية بمصر تعود الى عهد سيدنا موسى ويوسف عليهما السلام. وحاولت البعثات الاسرائيلية والغربية اليهودية أن تتسلل وان تحشر نفسها في عدد من بعثات الحفريات ومواقع الآثار شرق وغرب قناة السويس. لازالت المواجهة الثقافية بين مصر واسرائيل محتدمة من خلال رفض التطبيع الشعبي والمؤسساتي وتحاول النخب المصرية الرافضة للتطبيع كشف المزاعم الاسرائيلية بوجود تراث يهودي بمصر، او حتى قبول دعاوى اسرائيلية تتحدث عن وجود تراث مشترك لليهود مع المصريين هناك. لقد سرقت الكثير من الاثار المصرية وتم انتحالها وتزوير الحقائق عنها من خلال درسات استشراقية مزعومة بالتواجد الاسرائيلي هناك سنعود الى الحديث عنها لاحقا. ولا زالت معركة استرجاع الاثار العراقية المنهوبة من المتاحف العراقية بعد الغزو الامريكي للعراق حيث عبرت آلاف القطع الاثرية العراقية الطريق عبر الاردن وعواصم اوربية اخرى الى المتاحف الاسرائيلية. وقد كانت عصابات التهريب مترافقة مع الخبراء والآثاريين الاسرائيليين تحت حماية وحدات عسكرية اسرائيلية متخصصة تنتقل عبر متاحف العراق من أقصاه الى أقصاه حملت ماتريد من كنوز العراق الثقافية، وقد سمحت لها القوات الامريكية والبريطانية أن تنتقي ماشاء لها من آثار وادي الرافدين، وخصوصا تلك الآثار العائدة للحضارات السومرية والبابلية والأكدية والآشورية. ان هزيمة اليهود على يد البابليين لا تنسى وهم يريدون مسحها من الذاكرة التاريخية بكل الوسائل . تماما كهزيمتهم على يد الامام الشيخ المغيلي في اقليم توات. واذا كان ذلك صعبا عليهم محو وإتلاف مئات الالوف من الشواهد والمدونات والمخطوطات فانهم بحملهم آلاف المخطوطات العراقية والعربية يظنون ان العالم سيصدق يوما أكاذيبهم واعاءاتهم بالحق التاريخي لتواجدهم من النيل الى الفرات أو في أي بلد عربي. لقد بلغت الوقاحة الصهيونية ان ادعت في كثير من نشرياتها ان آثار لطاسيلي لهم، وان جنائن بابل هم بناتها، اما الاهرام فلهم الحق بها حجرا حجرا لأنهم كانوا فيها. ان الوثائق الفنية الاسرائيلية تدعى أيضا ان الغناء والموسيقى في الوطن العربي من مقام عراقي وموشح اندلسي الى الحوزي والمالوف القسنطيني وغيرها من الفنون والآلات الموسيقية هو جزء من تراثهم اليهودي، حمله أجدادهم اليهود من فلسطين الى تلك البلدان وليس العكس. ويكفي أن نرى النساء اليهوديات يتنقلن بأثواب الطرز الفسطينية او العربية والأزياء الرجالية والنسائية من دول المغرب العربي والادعاء بأنها أزياء يهودية. لهذه الموضوعات سنعود بالتفصيل خلال حلقات صحيفة الشعب المكرسة للقدس عاصمة الثقافة العربية لكشف أبعاد معركتنا الثقافية مع عدو مقطوع الجذور يحاول ابتزازنا بسلب كنوزنا الثقافية او تدميرها ان طالت عليه في محاولات السرقة او التخريب والتشويه المتعمد.