تطرّق السيد عبد الكريم كدورلي أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران في حواره مع «الشعب» الى ظاهرة تنامي تجنيد المرأة في صفوف التنظيمات الارهابية، وقال بأن التحاق الجنس اللّطيف بالدمويين يتمّ في الغالب بالغصب والإكراه، وعرّج على المهام التي توكل اليهن والتي تتعدّد بين تحقيق المتعة والتزاوج مرورا بالقتال وتنفيذ العمليات الانتحارية ووصولا الى استقطاب الشباب عن طريق الاغراء. ولمواجهة هذه الظاهرة نصح الاستاذ كدورلي باتخاد الاجراءات الأمنية الضرورية كخلق شرطة نسوية ومراقبة المواقع المروجة للفكر الارهابي، والاهتمام بالمرأة وعدم تهميشها والحرص على إدماجها ضمن البرامج التنموية. «الشعب» سجلنا في السنوات الأخيرة تزايدا في تجنيد المرأة في المنظمات الإرهابية فما أسباب تنامي هذه الظاهرة؟ الأستاذ عبد الكريم كدورلي: لقد نال موضوع تجنيد النساء في صفوف التنظيمات الإرهابية بصفة عامة وتنظيم الدولة الإرهابية «داعش» بصفة خاصة، اهتمام العديد من المؤسسات البحثية ومراكز الدراسات الاجتماعية والإستراتيجية وذلك لسببين رئيسيين: أولا: كون المرأة تشكل فئة بشرية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية أمنية وثقافية متمايزة عن الرجل، وهذه الحقيقة الاجتماعية عجلت من ظهور وتطور الدراسات النسوية وأبحاث الجندر، إذ تمّ إحصاء ما يزيد عن 900 مركز بحث وبرنامج مختص في شؤون المرأة والجندر من خلال دراسة أجراها الباحث في جامعة «ماري لاند» بالولايات المتحدةالأمريكية جون كورينمان. ثانيا: تزايد وتنامي ظاهرة انضمام النساء إلى الجماعات الإرهابية وتوظيفهن قسرا وطواعية في أعمالهم الإجرامية وتوليهن العديد من المهام والأدوار، فعلى سبيل المثال اعتبرت الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان في آخر تقرير لها صدر في ماي 2015، أن المرأة أصبحت بمثابة سلاح للحرب والإرهاب في سوريا. وحسب «جون بول لابورد» رئيس المديرية التنفيذية للجنة الأممالمتحدة لمحاربة الإرهاب فإن للعنصر النسائي، يمثل 30 في المائة من عدد المقاتلين الأجانب الذين يحاربون في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي بمناطق سيطرته. لماذا التحاق المرأة بالدمويين؟ تجدر الإشارة هنا الى أن معظم النساء في التنظيم الدموي لسن في الغالب مقتنعات بما يقمن به، وهن يتواجدن داخل التنظيمات الإرهابية في خمسة صور: أولا: الزوجة والأم والمربية وهي إما التحقت بزوجها أو تم تزويجها غصبا بعد عمليات الاختطاف ومهمتها الرعاية العائلية وتربية اطفال الدمويين والمختطفين . ثانيا: الناشطة والمقيمة داخل أقاليم التنظيمات الإرهابية ومعظمهن من الأجانب اللاتي تمّ تجنيدهن واستقدامهن إلى كل من سورياوالعراق وليبيا واللواتي خضعن لتدريبات قتالية وتقنية ويشاركن في الأعمال الحربية باستمرار، وقد شاهد العالم تنفيذ النساء للعديد من أعمال الإعدام والقتل، كما نجد ضمن هذه المجموعة الطبيبات والممرضات. ثالثا: الانتحارية وهي المستهدفة بشدّة ومعظمهن من الأجنبيات ويخضعن لعمليات تجنيد خاصة ويتم انتقاؤهن بشكل دقيق وهذه المجموعة نالت اهتمام العديد من الدراسات حول كيفية تجنيدهن واختيارهن وإقناعهن بتنفيذ العمليات الانتحارية. رابعا: المتعاونة والمروجة لفكر التنظيم ومجال نشاطها هو شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية في بلدانها الأصلية، ومهمتها جلب اكبر قدر ممكن من الشباب للتنظيم ونشر فكر التطرف ومساعدتهم على التنقل إلى مواقع التنظيم الارهابي، وهذا إما قناعة بالفكر الداعشي أو تجارة واسترزاقا باعتبارها وظيفة تجني منها راتبا والذي غالبا ما يكون مغريا. خامسا: المرأة المتاجر بها وعادة تستخدم لإغراء الشباب ومكافأة الارهابين، وقد تناولت الكثير من الدراسات والتقارير العديد من الشهادات التي تؤكد ذلك بحيث تداولت العديد من المواقع الالكترونية قائمة أسعار الفتيات والنساء والتي تتراوح بين 165 دولار للأطفال و124 دولار للقاصرات في حين سعر الفئة العمرية من 20 الى 40 سنة لا تتجاوز 60 دولار، وهي القائمة التي أكدتها الأممالمتحدة من خلال ممثلة الأمين العام، فيما يتعلق بضحايا العنف الجنسي في النزاعات، «زينب بانغورا» بعدما تمّ احصاء بيع 3000 أمراة تنتمي للطائفة اليزيدية في العراق. ومنه نستنتج، أن التحاق النساء بالتنظيمات الإرهابية يكون إما بمبادرتهن الخاصة أواقتناعا بعد خضوعهن للتجنيد أو طواعية خوفا من الاغتصاب بعد السيطرة على مدنهن أومن خلال الاختطاف والاتجار بالبشر. ما هي الأساليب والوسائل التي يستعملها الدمويون لتجنيد النساء؟ كما أشرت سابقا فإن دور النساء في التنظيم الارهابي يختلف من فئة إلى أخرى وهو محدّد مسبقا ومدروس بعناية، فليست كل النساء مؤهلات للقتال وتنفيذ العمليات الإرهابية، وفي هذا الخصوص هناك فئتين: أولا: فئة المقاتلات وهن اللواتي يشاركن باستمرار في القتال بعد خضوعهن للتدريب. ثانيا: فئة الانتحاريات اللائي تنتقين بعناية وتستهدف الأجنبيات اللواتي دخلن الإسلام على يد متطرفين فيتم مغالطتهن ووعدهن بالفوز بالجنة بدعوى ان ما يقمن به استشهاد، في حين يتم اختيار المسلمات لمهمة الانتحار وهن عادة نساء باحثات عن التوبة بعد ماضي من المعاصي والآثام ويتم تجنيدهن من خلال المواقع الالكترونية الدينية المتطرفة بفتاويها الموجهة لاستغلال شغف التائبين في توظيفهم لصالح أجندة الجماعات الإرهابية. وأصبحنا نلاحظ اعتماد التنظيم على العنصر النسوي أكثر في عملياته الانتحارية وهذا ليس جديدا، فكثيرا ما لعبت النساء دورًا في الحروب، إن لم يكن عن طريق القتال الفعلي ففي مجالات حيوية مثل جمع المعلومات الاستخباراتية، والرعاية الطبية، وإعداد الطعام والدعم، وذلك يعود أساسا لمرونة الأجهزة الأمنية في التعامل مع المرأة بالمقارنة مع الرجل، مما يسهّل انفلاتها من المراقبة والتفتيش. وتجدر الإشارة، هنا أن المرأة لا تكون دائما ضحية لاستقطاب الإرهابيين، فقد سبق وأن شاركت في أعمال انتقام وإجرام وإرهاب متعدّدة، فمن اغتال (القيصر ألكسندر الثاني) عام 1881؟ إنّها امرأة وفي روسيا كان هناك تنظيم يسمى بحركة (الأرملة السوداء)، مكون من نساء انتحاريات وهن أرامل لرجال شيشان تم قتلهم على يدّ القوات الروسية، وهذه المجموعة الإرهابية لعبت دورا كبيرا في تهديد الأمن الروسي لدرجة وصلت إلى تهديدات بتفجير دورة الألعاب الأولمبية. والأمثلة عديدة بهذا الشأن. ولكن ما يميّز ظاهرة المرأة والإرهاب «الداعشي» هوان هذا التنظيم يستخدم المدخل الديني في التجنيد والتوظيف. كيف للدول والأنظمة أن تحمي المرأة من الوقوع في شرك الدمويين؟ ^^ مع تزايد عددهن في صفوف التنظيمات الإرهابية، وتعدّد مهامهن ونجاعتها، يتوجب على الدول والأنظمة اتخاذ تدابير وإجراءات على المديين القريب الاستعجالي والبعيد لحماية المرأة من الوقوع في فخّ الدمويين. فعلى المدى القريب وللضرورة الاستعجالية يجب خلق آلية أمنية ومنظومة قانونية للتعامل مع النساء المشتبه بهن، فمازالت المرأة أقل شبهة بالأعمال الإجرامية وهو ما يساعدها على الانفلات من المراقبة فيسهل تنقلهن. وكاقتراح يجب خلق أجهزة أمنية «شرطة نسوية» مدربة على التعامل مع النساء وإنشاء خلايا لمتابعة عائلات الإرهابيين والمفقودين، كما يجب مراقبة الناشطات الدينيات اللاتي يمكثن في المساجد وتنظيم نشاطهن وفق تنظيمات قانونية وهنا نقصد المراقبة بمفهوم الوقاية وليس القهر. وكضرورة استعجاليه أيضا يجب مراقبة المواقع الالكترونية الدينية المتطرفة والحسابات التي تروّج للأعمال الدعائية للتنظيمات الإرهابية،بحيث تجمع معظم التقارير الاستخباراتية والدراسات أن الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هي أكثر الآليات لاستقطاب الشباب والنساء في صفوف الإرهابيين. أما على المدى الطويل فيجب الاهتمام بالمرأة والعناية بها وعدم تهميشها وإدماجها ضمن البرامج التنموية بالشكل الذي يجعل منها حريصا على بقاء الدولة المتيحة للفرص لا للمساهمة في تحطيمها والقضاء عليها. وجود المرأة في بؤر الأرهاب كثيرا ما ينتج عنه أطفال، فما مصيرهم؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن تنظيم الدولة الدموي «داعش» يهدف إلى خلق مجتمع مؤمن بفكر الارهاب الذي يسمّى خطأ جهادا حتى يتسنى له ضمان الاستمرارية، خاصة مع زيادة عدد الدول التي أعلنت رغبتها في تسخير كل الإمكانيات من اجل القضاء عليه، وهو ما يظهر جليا في تكبّد الإرهابيين خسائر كبيرة في سورياوالعراق، خاصة بعد التدخل الروسي وقوات التحالف وكذلك تضييق الخناق على تجارة النفط العراقي الذي يسيطر عليه الإرهابيون باعتباره مصدر التمويل الرئيسي للتنظيم، وفي ظلّ هذه الظروف يعمل التنظيم على تشجيع الزواج وتعدده وزيادة النسل ومن ثم تتزايد الحاجة إلى النساء والأطفال لتحقيق غاية المجتمع الداعشي. وللأسف لا يختلف وضع الأطفال عن النساء فهذه الفئة العمرية تشكّل مشروعا دمويا أخطر على أساس تنشئتها الاجتماعية وتكوينها الثقافي والديني وهو الأمر الذي يدفع إلى العمل أكثر على كبح هذا المشروع وإنقاذ هؤلاء الأبرياء الذين يتم حاليا تحويلهم إلى قتلة منزوعي. الرحمة.