انطلقت أمس بقصر الثقافة أشغال ملتقى “التراث والرقمنة: فاعلون، تكوين وصفقات”، بتقديم مداخلات حول اقتصاد الثقافة وآخر البرمجيات المستعملة في ترقية الاهتمام بالتراث الثقافي. وحضر الافتتاح الرسمي كل من وزير الثقافة وإطارات الوزارة، والرئيس المدير العام ل«موبيليس” حبيب محمد، وخبراء جزائريين وأجانب، ويهدف الملتقى، الذي يدوم يومين، إلى التعرف على أهم الفاعلين في تثمين التراث، وتحديد الكفاءات اللازمة في التكوين، وتحسين ظروف الاستقبال لدى المؤسسات المعنية، وطرائق رقمنة الموروث الثقافي. في كلمته الافتتاحية، قال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي إن “تجارب الأمم أثبتت بالإحصائيات أهمية المداخيل التي يمكن تحقيقها من الثقافة”، مؤكدا أن الثقافة تقارب ثلث الإنتاج على مستوى العالم. “بعض الدول تحقق من مداخيلها الثقافية أكثر مما تحققه من قطاعها الصناعي.. هذه الدول أخذت بناصية اقتصاد الثقافة، التي لا تتوقف عند القيم والأفكار بل المداخيل أيضا”، يقول الوزير مضيفا: “سنعمل على تنمية اقتصاد الثقافة ليس فقط كفكرة وإنما كأساليب تحقيقها في الميدان”. الانتقال من النظرية إلى التطبيق وقال ميهوبي إن بعضا من مجالات قطاع الثقافة مثل السينما والكتاب كلها صناعات، ولكننا بقينا ندرسها من زاوية اقتصادية نظريا فقط، والآن وجب أن الانتقال إلى التطبيق. وفي هذا السياق، تعكف الوزارة على إرساء الأطر القانونية لدعم هذه الصناعات من طرف الاستثمار الخاص، خاصة وأنه ظل طويلا في ذهن الناس فكرة أن الدولة فقط هي التي تمول وتنتج الثقافة، و«المجتمع مطالب بأن يتحرر من فكرة أن الدولة هي التي تنتج الثقافة، والدولة توفر البيئة وشروط الإنتاج الثقافي النظيف والمفيد، البنية التحتية، القوانين، التأطير البشري وغير ذلك، ولكن الثقافة ينتجها المجتمع”، يقول ميهوبي الذي تساءل “لماذا نضع بيروقراطيا إداريا على رأس السينما؟ يجب أن يكون سينمائيا يعرف الميدان، وبذلك تفقد المشاريع الكبرى أهميتها إذا لم تعط للمهنيين.. المهرجانات يلزمها دفتر شروط، قبل لكي لا يخطئ وبعد لكي لا يفكر في أن يخطئ”. وذكّر ميهوبي بمبادرة رئيس الجمهورية منح وسام الاستحقاق الوطني ل26 شخصية من المثقفين والمبدعين بمناسبة يوم العلم 16 أفريل، وهو تكريم للعقل المبدع.. ودعا ميهوبي المستثمرين إلى خوض التجربة، مثل بناء مدن للإنتاج السينمائي، مسارح، قاعات سينما.. “لدينا لقاء مع مستثمرين لنسمع منهم ويسمعوا منا ونطلعهم على الخارطة الثقافية التي نريد العمل عليها”. وتابع الوزير بالقول إن الجزائر رصدت أموالا كبيرة لترميم المعالم التراثية، كما أنها لاعب مهم في اليونسكو وأسهمت في الكثير من القرارات التاريخية خاصة فيما يتعلق بالتراث اللامادي وتم الاعتراف بعدد من الموروثات الثقافية الجزائرية، وما زالت مواقع أخرى قيد الترشيح. حتمية تدارك الفجوة الرقمية أما عن العمل المتحفي، كشف ميهوبي أنه تم تقديم نص هو قيد الإثراء، يتعلق بإنشاء المرصد الوطني للمتاحف، “المتاحف في الجزائر على أهمية ما تتوفر عليه، إلا أننا نشعر بأنها تؤدي وظيفة سلبية في المجتمع وحضور المتاحف في حياتنا محدود لأنها بقيت منغلقة على نفسها”. وعاد ميهوبي إلى تعديل الدستور الأخير الذي جاء بمكسب كبير للثقافة الجزائرية، التي لم تعد مسألة استهلاكية كمالية بل حقا للمواطن، كما أكد على وجوب دعم الشراكة الثقافة وعلى وجه الخصوص في مجال الرقمنة وهي من المحاور الاستراتيجية في تثمين. «الجزائر لا خيار لها إلا الدخول بقوة في مسار الرقمنة، ولكن بالتنسيق بين مختلف القطاعات.. الرقمنة تخلصنا من البيروقراطية القاتلة أو ما يسميها البعض “الإرهاب الإداري”.. بظهور الجيل الثالث وعن قريب الرابع، على وزارة الثقافة دخول معركة المحتوى، مثلا العرب مجتمعين لا يشاركون سوى ب3٪ فقط من المحتوى الرقمي، 75٪ منها للأردن وحده، بينما تسهم السويد ب 8٪.. على كل الجامعات أن تنخرط في هذا المسعى ويفترض أن كل أستاذ يكون عنده مدونة.. إن المعرفة تتضاعف كل 18 شهرا، بينما قبل 20 سنة كانت المعرفة تتضاعف كل 15 سنة”، يذكر ميهوبي. كما عرّج على بوابة الثقافة الجزائرية التي تم إطلاقها قبل شهرين، وهناك مشروع آخر مع الديوان الوطني لحقوق المؤلف هو بوابة أعلام الجزائر: “من مسؤولياتنا الترويج للثقافة الجزائرية، وثقافة الترويج تنقصها.. تعتزم الوزارة فتح مركز للتوثيق والمصادر الوثائقية، وسيكون وسيلة لربح معركة المحتوى والمضمون، أما الوسيلة الثانية هي المجتمع المدني، وبالتحديد المجتمع الواسع الذي يمتلك هذا التراث.. آن الأوان للتراث المادي سواء أو غير المادي أن يكون في متناول الجمهور، ومن الضروري إشراك خبراء التراث”. وحدد ميهوبي ثلاثة أهداف رئيسية: “الهدف الأول معرفة الممارسات الثقافية للمواطنين، والتحقيق الذي أجراه ديوان الإحصاء أبرز الفروق الواضحة في الاستهلاك الثقافي، فكل منطقة لها خصوصيتها. الهدف الثاني التفكير في العلاقة بين التراث والرقمنة، فالتراث لديه قمتان ثقافية واقتصادية، والعالم الآن صار محكوما بالقيمتين معا. أما الهدف الثالث فيتمحور حول تطوير التكوين في مجال التراث. موبيليس يواصل دعمه للثقافة وبخصوص المتعامل التاريخي للهاتف النقال “موبيليس”، الذي موّل هذا الملتقى، يقول ميهوبي: “لقد كان لموبيليس خطوات مهمة في مجال المكتبة الرقمية ونشاطات أخرى، ومتأكد أن له استعدادا واسعا لدعم كل مشروع جديد.. نحن سنكون شركاء لهذا المتعامل الوطني الجاد الذي يحقق خطوات متقدمة يوميا، وينوع منتجاته ويجعله أقرب من المواطن”. أما الرئيس المدير العام لموبيليس، حبيب محمد، فأكد أنه في عصر وسائل الاتصال الحديث وجب على كل المتعاملين والمستثمرين أن ينخرطوا في مسعى تطوير المضمون والمحتوى الرقمي، خاصة وأنه أكثر من 15 مليون يملكون الجيل الثالث، لذا فالمحتوى يجب أن يجيب ليس فقط على احتياجات الزبائن بل يجب أن العمل على ترقية الاهتمام بتراثنا والتعريف بثقافتنا.. “بفضل تغطيتنا لكل التراب الوطني، نعمل على تقريب الناس بالتعريف بتراثها الثقافي، وبمرافقتنا لهذا الملتقى، نؤكد التزامنا بدعم المبادرات الثقافية، ونعمل على مرافقة كل المطورين للمحتوى وأفكارهم ومشاريعهم”، يقول حبيب مضيفا: “من لا يستطيع التنقل إلى المتحف سيمكنه زيارته على هاتفه قبل شهر جوان، سنرافق الطلبة ونطور خدمة رقمية تسمح بزيارة المتاحف رقميا”. الاستفادة من تجارب الآخرين من بين المداخلات التي عرفها اليوم الأول، مداخلة برناديت نادية ساعو دوفران، التي قالت إن هذا الملتقى يأتي في إطار سلسلة من اللقاءات لتطوير الأعمال المتحفية.. وتطرقت إلى اقتصاد الثقافة الذي هو مجال حديث نسبيا، ومن بين مجالات تطوير السياحة الثقافية. وأضافت أنه يخص الجميع سواء المختص أو غير المختص، ف«المهمة ليست فقط الحفاظ على التراث ولكن أيضا نشره وإظهاره”، واستشهدت بنموذج الأسترالي دافيد ثروسبي الذي نجد النواة فيه تمثل الإنتاج الفني، أما الدائرة الثانية فهي المتاحف والتراث، نظرا لأهمية هذين القطاعين في اقتصاد الثقافة، مع استحالة التغاضي عن أهمية القطاع الرقمي. وأشارت إلى الفوائد الاقتصادية على المستوى المحلي، مضيفة أن 3.2 بالمائة من ميزانية العائلات الجزائرية تذهب إلى الثقافة حسب إحصائيات الديوان الوطني للإحصاء. وأشارت إلى أنه من بين عناصر الاقتصاد الثقافي نجد كلا من التشغيل والتكوين.